مع الاهتمام الكبير بالشهادات في بلدنا.. هل يكفي التحصيل العلمي لتأمين فرصة عمل مناسبة؟
تشرين- حسيبة صالح:
الازدحام أمام مراكز الامتحانات بسبب مرافقة الأهل لأبنائهم الطلبة إليها، هذه الأيام مثير للاهتمام، كانت ملامح الرهبة تبدو واضحةً على الجميع من دون استثناء وكان التعب يبدو واضحاً على الكثير من الطلاب وهنا تبرز عدة أسئلة:
لماذا بتنا نحرص على أعلى الدرجات في الشهادة الثانوية؟
وهل الشهادة الجامعية جواز سفر للنجاح وتحقيق المكاسب المادية والمهنية؟
وهل تستحق كل هذا الضغط والتعب الذي تعيشه الأسر في هذه المرحلة؟
باب رئيسي للحياة
“في هذه اللحظات تعود لذاكرتي أول يوم روضة لابني عبد الواحد كانت أول مرة أتركه واذهب، واليوم وبعد ما ينهي الامتحانات سيكون جنى تعب ١٢ عاماً من جهد وتفوق ومثابرة..” بهذه العبارات بدأت منايا المأمون حديثها لـ”تشرين”، مضيفة: عبد الواحد اليوم يتقدم لامتحانات الشهادة الثانوية بعد تعب وجهد كان ينظم وقته بدقة بين الدراسة والراحة لأن المنهاج كبير وشامل وخاصة الرياضيات والفيزياء والعلوم.
وتضيف المأمون: عندما أصبح عبد الواحد في الحادي عشر أعلنت حالة الطوارئ في البيت وبدأت بمراسلة الأساتذة من أجل الدروس الخصوصية، وحتى هذه اللحظة أتابعه وأوفر له الهدوء والسكينة في البيت وأعتني بغذائه وبتنظيم وقته، واليوم أرافقه إلى المركز الامتحاني لأمنحه الثقة والأمان.
وتؤكد المأمون أنّ الشهادة هي الباب الرئيس لأبواب الحياة المادية والاجتماعية.
90 ألف ليرة للدرس
تسبب شهادة الثانوية العامة عبئاً نفسياً وضغطاً مادياً، يقول أحمد الحمود وهو والد لطالبة في الثانوية العامة، مبيناً أن الدروس الخصوصية تضاعفت بشدة هذه الأيام حتى وصل سعر الدرس الخصوصي يصل إلى ٩٠ ألف ليرة سورية للساعة الواحدة.
ويردف الحمود: تفوقت ابنتي في الصف التاسع، وبمجرد انتهائها من هذه المرحلة وضعنا ميزانية خاصة من أجل الدروس الخصوصية التي ستحتاجها في الثانوية العامة ونحن نتمنى من وزارة التربية تحجيم هذه الظاهرة مع إننا ندرك أنه في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سورية، ومع تدني معاشات المعلمين والمعلمات ستبقى هذه الظاهرة منتشرة، والشهادة الجامعية تستحق هذا التعب لأنها الأمان لابنتي في المستقبل وستكون مكتفيةً اقتصادياً وستحقق مستوى اجتماعياً راقياً.
شهادة مع مهارة
الدراسة والتعلم والموسيقا هي شغفي في الحياة.. هكذا بدأت نور دلول، طالبة في السنة الثانية “طب بشري”، حديثها لـ”تشرين” مشيرة إلى أن الطب البشري من أدق الاختصاصات، فهو يتعامل مع أرواح الناس ويحتاج إلى علم أكاديمي.
وتضيف دلول: عندما بدأت بدراسة الطب البشري وأنا أتابع برامج تدريبية إما عن طريق الإنترنت، أو في الجامعة لأن الإنسان الناجح في عمله لا يقف عند الشهادة الجامعية، وعليه أن يطور نفسه حتى أثناء دراسته، لأن الوقت مهم جداً في طريق النجاح، وأنا في الوقت نفسه، طالبة في المعهد العالي للموسيقا في دمشق سنة ثانية والموسيقا تزيد من قدرتي على التركيز.
وتؤكد دلول أن الشهادة في حد ذاتها نجاح وليكون النجاح أكبر فهي تحتاج إلى اكتساب مهارات إضافية تغني الاختصاص.
الشهادة فقدت قيمتها
لأحصل على شهادتي الجامعية اضطر والدي لبيع قطعة أرض في قريتنا، بهذه العبارة بدأ محمد صاحب ٢٦ عاماً حديثه لـ”تشرين”، وفي عينيه لمعة حزن، مضيفاً: بعد حصولي على الشهادة الجامعية في الهندسة المدنية كان لي عدة محاولات فاشلة للحصول على وظيفة في مجال تخصصي، وأنا اليوم أعمل سائق تكسي على سيارة والدي.
وبيّن محمد أن الآلاف من الشباب الحاصلين على شهادات جامعية وحتى على الماجستير، يبحثون عن عمل، فالمنافسة كبيرة وكأن الشهادة الجامعية فقدت قيمتها في بلادنا، متمنياً أن يجد عملاً يناسب تعب السنين وإضاعة المال، مشيراً إلى أنه حالياً يراسل الشركات والمؤسسات خارج البلاد.
مضيعة للوقت
عملت مع والدي في تطوير تجارته حتى أصبح عندي شركتي الخاصة، بهذه العبارة بدأ سامر (٤٥ عاماً) حديثه لـ”تشرين”، لافتاً إلى أنه التحق بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق، ودرس لمدة سنتين وخلال دراسته قابل الكثير من أصحاب الشهادات عاطلين عن العمل أو يعملون بوظيفة برواتب قليلة، وشعر أن دراسته في الجامعة مضيعة للوقت، موضحاً أن طموحه لم يكن يوماً ما الالتحاق بوظيفة، فقرر ترك الجامعة والالتحاق بالعمل مع والده.
وأضاف: أنا رجل أعمال ناجح ولدي شركتي الخاصة ولم أندم يوماً على هذا القرار فالنجاح هو أن تثبت نفسك في عملك وأن تكرس وقتك وتستثمره بشكل جيد، وأن تستطيع أن تستغل الفرص وتكون لديك المهارات الكافية لتحقيق هدفك.
ليست جواز سفر لحياة ناجحة
التوتر الذي يصيب الأهل أثناء الشهادة الثانوية العلمية أو الأدبية أصبح مرعباً وكأن الطالب يجتاز مرحلة صعبة جداً في حياته، وفقاً للدكتور هاني حداد خبير إدارة الموارد البشرية، فهي مرحلة مفصلية ينتقل الطالب بعدها من الحياة المدرسية إلى الحياة الجامعية، ويدخل عالمًا جديدًا ولكن هناك زيادة في تحجيم الموضوع وتخويف الأهل وتوترهم، وهذا التوتر يرافق الأهل حتى صدور النتائج وتبدأ مرحلة المجاميع والمفاضلة والدوامة الكبيرة التي يعيشها الطالب وأهله.
حداد: بتنا نفتقد الفئة العمرية ما بين 35 إلى 45 عاماً وهذا أمر له سلبياته
ويشدد الدكتور حداد على أن الشهادة الجامعية ضرورية وسلاح قوي ولكن ليست جواز سفر لحياة ناجحة لأن الكثير من أصحاب الاختصاصات ليس لهم حضور، ولم يكن لهم أثر في عملهم وحياتهم ليست ناجحة، وهذا نلمسه بشكل كبير في بلادنا بسبب الأعداد الكبيرة من خرجي الجامعات وبكفاءات مختلفة، الذين يجدون صعوبة في إيجاد فرص عمل، وإن وجدت فتكون إما وظيفة حكومية، أو في القطاع الخاص، ليجد نفسه براتب ثابت.. هذا المبدأ هو نجاح ولكن بنسبة معينة فالشهادة تمنحك نجاح بنسبة 60%، ولتحقيق البقية عليك تطوير حياتك المهنية.
ويؤكد الدكتور حداد أن دول الخارج تسرقنا، فهناك هجرة أدمغة كبيرة وهذا أمر طبيعي، لأننا بالأساس بلد زاخر بالأدمغة والشباب، مبيناً أن الشهادة الجامعية كانت سابقاً أساسية للتوظيف، أما اليوم الشركات لا يوجد اعتماد عليها، لأن عملية إدارة المؤسسات تغيرت، حيث كانت تعتمد على الكفاءة العلمية، واليوم وبسبب ظروف الحرب وهجرة الأدمغة وعدم وجود الأشخاص الأكفاء للمنصب المتاح، وفروقات الأجيال من حيث تناول المواضيع أو معالجتها بشكل عقلاني أو عاطفي أصبح لدينا نوع من الفراغ، والملاحظ أنه لدى دخولك إلى بنك (مثلاً)، تلاحظ أن الموظفين شبابٌ أعمارهم بين (٢٣-٣٠) سنة، وقليل ما تجد من عمر ( ٣١- ٤٥ ) سنة هذه الفئة نفتقدها حالياً، وهذا الشيء مرعب وزاد من الفراغ، نتيجة لهذا كله أصبح التوظيف يعتمد على مهارات تتناسب مع العمل حتى وإن لم يكن طالب العمل حاصلاً على الشهادة الجامعية.
خبير إدارة موارد بشرية: كبريات الشركات في العالم ألغت التوظيف لمن يحمل الشهادات واعتمدت مبدأ ” لتعطيني ما تمتلك من مهارات”
ويضيف الدكتور حداد: الشهادة الجامعية في تسعينيات القرن الماضي كانت لا تكفي لتحقيق النجاح، وكان عليك أن تدعمها بالماجستير أو الدكتوراه، وأن تتقن اللغات الأجنبية، والكمبيوتر، أما اليوم فقد ذهبت قيمة الشهادة الجامعية، وهذا أوجد نوعاً من الفراغ سيؤدي إلى التصدع المؤسساتي وعدم الأداء الوظيفي الجيد للعاملين في المؤسسة، وهذا كله نتيجة الحرب على سورية، مشيراً إلى أن العالم دخل اليوم إلى عالم الذكاء الصناعي، لذلك علينا أن نعير الأجيال الجديدة الأهمية الكبيرة لتكون مسؤولة عن نفسها ومجتمعها وهذا يعود لدور الأهل في تعليم الأجيال وتنشئتها.
وبيّن حداد أنّ كبريات الشركات في العالم (غوغل -أبل-وغيرها ) ألغت التوظيف لمن يحمل الشهادات واعتمدت مبدأ (لتعطيني ما تمتلك من مهارات)، وهذا سينتشر في العالم، لذلك علينا أن ندرك أنّ الشهادة الجامعية هي وسيلة داعمة تمهد الطريق للعمل، ولكنها لا تكفي لأن نصبح ناجحين، ولهذا علينا توسيع نطاق فكرنا والبحث عن اختصاصات يحتاجها العالم في هذه الفترة، ولنبدأ برحلة التعلم الذاتي للحصول على المهارات التي نحتاجها في تخصصنا حتى أثناء الدراسة لندعم شهاداتنا بإتقان اللغات والاستفادة من الدورات التدريبية وليكن الشغف مرافقنا في تعلم خبرات جديدة.