دراما 2024.. نُقّادٌ موسميون وأحكامٌ سريعة.. كيف يبني المُتابعون أحكامهم اليومية المُستعجَلة؟!
دمشق- لبنى شاكر:
نُقّادٌ بالجُملة؛ ربما يكون هذا عنواناً عريضاً للموسم الدرامي الحالي، مع هَوَس إبداء الرأي الدرامي الذي يجتاح صفحات في فيسبوك، حيث تندفع يومياً أعداد من المُشاهدين لكتابة انطباعاتهم وآرائهم، وإن كنّا لا نُنكر على هؤلاء حقّهم في إبداء مُلاحظاتهم تجاه الأعمال التي تتوجه إليهم بطبيعة الحال، ولا نُقلّل من قيمة تأمُلاتهم أبداً، لكن يجوز السؤال أيضاً، كيف يبني هؤلاء أحكامهم اليومية المُستعجَلة، كيف يُمكن لهم تقييم أداء الممثلين، ومن ثم القول بأنه جيدٌ أو العكس؟، ولاسيما أن عدداً من التعليقات والتحليلات المُوجزة والمُباشرة للنقّاد المُوسميين تجد تفاعلاً كبيراً من المُتابعين، لِيكون السؤال هذه المرة عمّا يُمكن للمُختصين وأصحاب الخبرة إضافته ولفت الأنظار إليه، وهل كانت نبرة التعالي فيما يُقدمه النقّاد الدارسون سبباً في ابتعاد الناس باتجاه الكتابة النقديّة المزعومة من جمهور مُوازٍ لهم؟.
آراء دراميّة
عددٌ من المنشورات تجاوزت عبارات الثناء والإعجاب نحو جوانب أخرى، أحدها مثلاً أبدى امتعاضه من مشهد تعليق القطط وشنقها في مسلسل “ولاد بديعة” وطالبت مخرجته رشا شربتجي بتقليل مشاهد العنف في العمل، رغم التنبيه قبل بدء الحلقة، بأن التصوير كان بوجود أطباء ومختصين ولم يتم الإساءة للحيوانات، لكن البعض قلّل من جدوى الإشارة المكتوبة بخطٍ صغير، معتبرين أن المشهد قاسٍ على الأولاد، ويمكن أن يقلدوه يوماً ما، كذلك اعترض هؤلاء على كم الشتائم المُتداولة في العمل والتي وجدت طريقها سريعاً إلى ألسنة الصغار. وفي السياق ذاته، أطلق آخرون لقب لغز الدراما السورية على الفنانين محمد حداقي وأحمد الأحمد، وتساءلوا عن تقلّص مساحات الأدوار المُسندة إليهما هذا العام، بدل أن يتم التعاطي معهما كنجمين من الدرجة الأولى كما يستحقان، فيما استبق البعض الزمن مُؤكداً أن الفنانة إمارات رزق ستحصد جوائز عديدة عن دورها “بديعة” وإلا فكل المهرجانات قائمة على الوساطات والمحسوبيات، أضف إلى ذلك أنه قد قيّم متابعون أداء عددٍ من الفنانين، فوصفوا تيم حسن بالممثل الذي وقع في فخ البطولة، ومحمود نصر بالموهبة التي تستحق الظهور، وعبد المنعم عمايري بالموهوب بالفطرة.
النصوص أيضاً
عدوى الكتابة في الشأن الدرامي امتدت إلى النصوص أيضاً، فوجدت مثلاً أن قصة مسلسل “تاج” للمخرج سامر برقاوي، مُستهلكة ومُكررة عن الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي بقيادة مجموعة من الرجال الأحرار والمثقفين، وعلى حد تعبير إحدى الكاتبات “رجلٌ تم اتهامه بالخيانة، زوجته انفصلت عنه، وعدوه اللدود سرق زوجته منه، وسيخوض رحلة شاقة لينقذ نفسه من قاع السمعة السيئة والاتهام الباطل واستعادة زوجته وحياته، هل يستطيع أيٌّ منا فعلاً مشاهدة 30 حلقة والحبكة مكشوفة؟ نعرف الخائن ونعرف البريء، قصة كلاسيكية جداً خالية من احتمالية مفاجآت قد تقلب الموازين في الحلقات المقبلة”. كذلك كتب آخر عن مسلسل “بيت أهلي” للمخرج تامر إسحاق، مشيراً إلى أن مشاركة الفنان الكبير أيمن زيدان انتشلت العمل من حالة التكرار التي حفظناها بصماً في عشرات الأعمال المشابهة، لكن “حقيقة لا شيء يُحفّز لمتابعة المسلسل الذي يعود بنا إلى “باب الحارة” و”زقاق الجن” وما إلى ذلك، مع عجزه منذ حلقاته الأولى عن إثارة الاهتمام رغم افتتاحيته بحادثةٍ تاريخيةٍ مفصليّة في اغتيال الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر”.
نضوج المُتابعة
اللافت فيما أُتيح لنا الاطلاع عليه حتى الآن من تأويلاتٍ وإشاراتٍ دراميّة، نضوج حالة المُتابعة مُتجاوزةً فكرة التسلية والترفيه نحو الفُرجة المُتأنيّة، بمعنى؛ إن المتلقي لم يعد يقبل باستنساخ الأفكار والحكايات، ولاسيما التي تستند إلى زمني الاحتلالين العثماني والفرنسي، وكأنّ أقلام الكتّاب جفّت عندها، كما لم يعد يقبل من فنانه المُفضّل حضوراً فارغاً، بل أصبح يُدرك بوضوح معايير صناعة النجوم وأسباب تغييب البعض، والأهم إن صناعة واقعٍ مُفترض أو انتزاع جزءٍ منه والبناء عليه، رغم ما فيه من إثارة كالتي نراها في مسلسل “ولاد بديعة” ليست بديلاً عن إشكاليات الواقع الحقيقي المُغيّب عن الدراما التلفزيونية، وعلى عكس ما يُقال عن أن الجمهور لا يرغب برؤية معاناته على الشاشة، يبدو أنه يُريد ذلك بحثاً عن حلٍّ أو تخريجةٍ دراميّةٍ لها.