السوريون لم يعدموا وسيلة للاحتفال بالعام الجديد.. حتى ولو عبر الرسائل وتمني الخير
دمشق- إلهام عثمان:
ما يحمله بابا نويل في حقيبته هذا العام من هدايا سيختلف كلياً عما كان يحمله في السنوات الماضية، فحتماً ستتأثر ما في جعبته بالأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نمر بها، إلا أنه ومع أفول عام وبدء عام جديد نتمنى أن يكون عاماً سعيداً ملؤه الخير.
الطفل شادي قزح يقول ببراءة: أحب بابا نويل كثيراً، صحيح أنه لا يحضر لي الهدايا كما نشاهده في برامج الأطفال، إلا أنني أشعر بالسعادة عند رؤيته في التلفاز وأمام المحال التجارية، وهو يتجول في الشوارع في عيد رأس السنة ملوحاً بيده والبسمة تعلو وجهه الضاحك.
عندما ينظر السوريون إلى عربة بابا نويل المحملة بالهدايا، يشعرون بالحنين والأسف على الأيام الماضية، لكن مع تغير التقاليد وتبدّل الظروف، أصبح من الصعب على الكثير منهم تبادل الهدايا والزيارات المعتادة.
أم مجد منذ قرابة ثلاث سنوات لم تعد تحتفي مع عائلتها كالسابق، نظراً لإصابة زوجها نتيجة وقوع حادث له وعجزه عن العمل.. وبالتالي أصبحت الضغوط المالية تقع على عاتقها، وتقول: لم نعد نشعر بالسعادة كما كنا، فالعجز المادي الذي خلفته الأزمة جعلنا ننسى أن نفرح كما يجب.
من جهته بين الخبير الاجتماعي محمد اللادقاني ل” تشرين” أنه على الرغم من تغير الظروف، ومرور البلد بأوقات جداً صعبة طالت معظم السوريين، أصبح معظم الناس يفكرون في تأمين لقمة العيش والاحتياجات اليومية، فهناك الدواء الذي تضاعف سعره خلال عام واحد ٣ مرات، إضافة للضروريات الأخرى التي لا غنى عنها، وبالتالي أصبح الاحتفاء عند النسبة الأكبر ” من قريبو وربما نباتياً”، حيث تبلغ تكلفة الاحتفاء برأس السنة ” وفي المنزل” ولعائله لا تتجاوز ال٥ أشخاص ما يعادل النصف مليون ليرة، إن لم نقل أكثر، وبأقل المكونات، ومن دون دعوة أحد من الأقارب والأهل.. لذا انكفأ معظم الأشخاص عن الاحتفال، إذ أصبحت الكلمة الأولى للضروريات.. ومن أراد الفرح والسعادة، صنعها من أبسط التكاليف مع من يحب ” صحن تبولة وبطاطا واللمة الحلوة بتجمعنا”.
ومع ذلك فروح العيدية لم تتلاشَ بين السوريين على العكس، فقد أصبحوا أكثر تلاحماً وتضامناً في مواجهة التحديات التي تُعد غير مسبوقة، وبدلاً من تبادل الهدايا المادية، انتقل الاهتمام إلى الهدايا الروحية والعاطفية، والدعم المعنوي، مستمدين تلك القوة من القصص التي ترويها الأجيال السابقة لتلقى صدى في قلوبهم، ويعتبرونها أهم من أي هدية مادية يمكن أن يقدمها بابا نويل، فقد تعلموا كيف يثقون ويقدمون الدعم في أوقات الأزمات، وكيف يمكن للتعاون والتضامن أن يحقق أموراً عظيمة رغم الصعوبات، عابرين ومحطمين كل القيود من أعداء بلدهم. فربما تكون الهدايا الرمزية، مثل الرسائل المليئة بالأمل والحب والصلوات، هي الأكثر قيمة في عربة بابا نويل هذا العام، قد لا يكون هناك الكثير من الهدايا المادية، ولكن بالتأكيد ستكون هناك الكثير من الهدايا الروحية المفعمة بالتفاؤل والأمل.
السوريون لم يعدموا الوسيلة لوداع 2023، كما ختم اللادقاني، فيمكن أن تكون عبر الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية وحتى الاتصالات الفيديو، ما يسمح لهم بتبادل التهاني والأماني بشكل مباشر ودافئ رغم البعد الجغرافي، لما لا وقد تميز الشعب السوري بروح متفائلة وإرادة قوية، ما يجعلهم قادرين على الاحتفال بالعيد ونهاية العام بطرق بسيطة ومعبّرة، من خلال تبادل الهدايا الصغيرة والتحلية المحلية والمنزلية، ما يجلب البهجة ولو بأقل الطرق وأبسطها.. إنها فترة تحديات.
وفي هذا السياق.. يبقى السؤال الذي يدور في أذهان الجميع: “هل سيأتي بابا نويل قاطعاً الحدود ومحملاً بالهدايا والحلول، أم سيواصل الاحتفاظ بها لنفسه؟”