روسيا تغلق ملف التمرد.. والغرب يدور حول نفسه: ماذا نفعل الآن؟

تشرين:
عبثاً.. يُجهد الغرب الأميركي نفسه محاولاً إقناع العالم بمسألة أن التمرد المسلح الذي قاده يفغيني بريغوجين زعيم مجموعة فاغنر، أثبت «أو قاد» إلى تصدع في السلطة العليا في روسيا، في إشارة إلى الرئيس فلاديمير بوتين، علماً أن التمرد بكل مجرياته ووقائعه أثبت العكس تماماً.
وعبثاً يحاول إبقاء صفحة التمرد مفتوحة لأطول زمن ممكن من خلال حملة منسقة، بالتصريحات والإعلام، لإثبات أن هذا التمرد هو حد فاصل بين مرحلتين بالنسبة لروسيا – ما قبل وما بعد – وهو كذلك فعلاً ولكن بصورته الإيجابية جداً لروسيا ولعمليتها الخاصة في أوكرانيا، وليس كما يريد الغرب الأميركي أن يروج بأن مسار الضعف في روسيا بدأ من هذا التمرد ولن يتوقف.. علماً أنه الأكثر تأثراً بفشل التمرد وهو الآن أكثر خشية من روسيا وقوتها المتصاعدة لناحية ما أثبته هذا الفشل من قوة الجبهة الداخلية الروسية وتماسكها والتفافها حول السلطة العليا، والأهم من كل ذلك منعتها ومناعتها تجاه أحداث خطرة من نوعية تمرد بريغوجين، ومحاولات الخارج استغلالها لضعضعة الجبهة الداخلية.
ربما أكثر ما يزعج الغرب الأميركي أنه لم يستطع الاستثمار في هذا التمرد، ومع ذلك فهو يأبى إلا أن يبحث في الزوايا المظلمة لاستغلال ما يمكن استغلاله، لكن الرد الروسي يأتي دائماً في محله تماماً.
اليوم، أعلن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي عن إغلاق قضية التمرد، وهذا يعني سحبها من التداول الداخلي والمضي قدماً، فلا وقت للانشغال فيما التحديات التي تواجه البلاد أخطر، وفيما الحرب في أوكرانيا لا تنتظر ولا تحتمل أن يبقى ملف التمرد مفتوحاً، وفيما لا يجوز وليس من المقبول أن يستمر ملفاً مفتوحاً أمام الغرب للاستثمار فيه.
يستحق الشعب الروسي الشكر والتقدير «تم إظهار أعلى تعاضد للمجتمع والسلطة على جميع المستويات»، حسب ما قاله الرئيس بوتين في خطاب له مساء أمس هو الثاني منذ وقوع التمرد، مؤكداً أن «التضامن والتعاضد أظهرا أن أي ابتزاز وأي محاولة لإحداث اضطراب داخلي محكوم عليها بالفشل».
ويضيف الرئيس بوتين: هذا التمرد كان سيتم قمعه على أي حال، منذ بداية الأحداث، تم اتخاذ القرارات الأكثر ضرورة على الفور لتحييد التهديد الذي نشأ، لحماية النظام الدستوري وحياة وأمن مواطنينا. لم ننجر إلى قتال أراده الغرب، قتال الإخوة، وأن يقتل الجنود الروس بعضهم بعضاً.
عندما حرض بريغوجين الجيش الروسي على التمرد، والمواطنين الروس على النزول إلى الشوارع، جاء الرد من الجانبين على أعلى مستويات الوطنية، لم ينزل مواطن واحد إلى الشارع، ولم نر جندياً واحداً يستجيب ويرفع سلاحه بوجه بلاده، بل كان الرد مزدوجاً بالولاء الكامل ونسف كل أحلام الغرب بإمكانية حدوث اضطرابات داخلية أو انشقاقات داخل المؤسسة العسكرية.
ربما هذا ما يجب على الغرب النظر إليه ودراسته بتمعن، إلى جانب بحثه عن أسباب فشل التمرد الذي لم يُوصف فقط بأنه الأقصر في تاريخ التمردات، بل هو الأغبى أيضاً.
وربما.. النصيحة الأهم التي يقدمها الغرب لنفسه هي أن يتوقف عن فكرة إمكانية البناء على تمرد بريغوجين، وأن يركز على مسألة روسيا ما بعد التمرد ستكون أقوى وأكثر حزماً وحسماً في ملفات دولية كثيرة.
وفي إطار حملة إبقاء صفحة التمرد مفتوحة، ستستمر الولايات المتحدة في نشر المزيد عن التفاصيل حوله، قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وكلها تأتي على شكل تسريبات تنشرها وسائل الإعلام نقلاً عما تسميها مصادر مطلعة من دون ذكر هويتها.
وعليه نقلت وسائل إعلام اليوم عن مصادر مطلعة كشفت أن مسؤولي المخابرات الأميركية تمكنوا من جمع صورة مفصلة ودقيقة للغاية عن خطط بريغوجين للتمرد، بما فيها معلومات حول: أين وكيف كان يخطط للتقدم؟
وأوضحت المصادر أن مشاركة تلك المعلومات كانت محصورة فقط ببعض الحلفاء المختارين، بينهم مسؤولون بريطانيون، إلا أنها لم تصل إلى أعضاء الناتو بشكل واسع، حسب ما أفادت شبكة «سي إن إن» الأميركية. كما لم يعلم بها سوى عدد محدد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية، و8 أعضاء من الكونغرس فقط ، حتى إن واشنطن لم تبلغ الرئاسة الأوكرانية مسبقاً بخطط بريغوجين هذه خوفاً من إمكانية اعتراض الاتصالات بين الجانبين، وبالتالي كشف فحوى الحديث والمعلومات.
في المقابل لم يكن تاريخ انطلاق هذا التمرد القصير معلوماً، علماً أن بوادره كانت بدأت تلوح بشكل واضح في العاشر من الشهر الحالي بعد إعلان وزارة الدفاع الروسية أن جميع الشركات العسكرية الخاصة، ومن ضمنها فاغنر، سيتم تنظيم عملها ضمن إطار عقود يتم توقيعها مع الجيش الروسي بدءاً من أول الشهر المقبل وسيتم استيعابها بشكل أساسي ضمن القوات الروسية.

لكن ما بدا غريباً، هو أن يحذر حلف شمال الأطلسي «ناتو» مما سماها إعادة انتشار لمجموعة فاغنر في بيلاروس. وحسب أمينه العام ينس ستولتنبرغ فإن الناتو يراقب عن كثب تطور الوضع حول مجموعة فاغنر والمعلومات حول «إعادة انتشارها المحتمل في بيلاروس». وقال في رد على سؤال حول خطط مزعومة لانتقال «فاغنر» إلى بيلاروس: أولاً، من السابق لأوانه الحديث عن ذلك على وجه اليقين – قد يتغير الوضع. ثانياً، نحن نراقب، ويمكننا الرد بسرعة، إذا لزم الأمر.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار