“شراء الحلم” حالة تسهّل علينا الحياة في تفاصيلها المعيشية

تشرين- بادية  الونوس:
بالرغم من أنني متأكد من خسارتي إلا أنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من شراء البطاقة .. يضيف وسام  (موظف): هذه الحالة  تعود  لسنوات طويلة ,  اعتدت فيها  على شراء بطاقة، فمرة  أربح ثمنها  ومرات أخسر، لأعود مجدداً لشرائها،  متذكراً فيلم (المليونير المشرّد )، وأقنع نفسي بالمحاولة ثانية  إلى أن يبتسم الحظ لي وربما  أنتقل الى عالم الأثرياء .
يمثل (وسام) حالة الأغلبية  التي تحيا على ما تبقى  من الحلم ، ما يشير، في ظل هذه الظروف الاقتصادية الضاغطة، إلى أنه ما زال للحلم  مكان، بدليل الإقبال الكبير على شراء ورقة اليانصيب لعل الحظ يبتسم وتنقلب حياة الكثيرين ممن يرون أنها القشة التي  تنقذهم من الوضع المعيشي  المزري،  وتنقلب أحوالهم رأساً على عقب.

مقصود : طباعة  ٨٠٠ ألف بطاقة بقيمة  4.8 مليارات ليرة  مبيعة من  دون مرتجعات

البعض مدمن عليها!
يقول( أبو علاء) بائع على بسطة أوراق   يانصيب منذ خمسة وعشرين عاماً: إن الكثير من زبائنه أصبحوا  شبه مدمنين على شراء ورقة اليانصيب، ليزداد الطلب أكثر في الساعات الأخيرة ويرتفع ثمن الورقة الواحدة لأضعاف ثمنها الأصلي ,  فعلى سبيل المثال أحد الزبائن ,حتى لو اضطر لبيع أي شيء من ممتلكاته، المهم أن  يشتري أكثر من ورقة  على أمل أن تكون فرص الربح  من نصيبه  ، ولم يقف الأمر هنا  فقد أصبح متابعاً للعبة الحظ في كثير من المواقع  ولم يفقد الأمل بأنه سيكون  الرابح  يوماً.
الطقس والمواصلات أثّرا سلباً في المبيعات
يضيف( مازن)، أيضاً هو بائع على بسطة في منطقة البرامكة: إن عوامل عديدة تؤثر في حركة البيع مثل الطقس  لأنه من المعروف في حالات البرد الشديد فإن حركة الناس تخفّ وتالياً تقلّ فرص البيع، وكذلك أزمة المواصلات الحالية أثّرت   كثيراً  في المبيعات، لكن تبقى الأيام الأخيرة هي الأكثر مبيعاً, إذ يزيد  الطلب ويتضاعف سعر البطاقة.

من دون مرتجعات
يؤكد مدير عام مؤسسة البريد حيان مقصود أن   مجمل  عدد بطاقات اليانصيب المقررة لهذا العام وصل إلى  ٨٠٠ ألف بطاقة  بقيمة 4.8  مليارات ليرة , تم بيعها من دون مرتجعات ,  وهذا شعار المؤسسة لجميع الإصدارات ، وسياستها ألا  تكون هناك مرتجعات على مدى سنوات عملها .
وأضاف: وصل مجمل  أرباح المؤسسة من مبيعات البطاقات  إلى مليار و تسعمئة  مليون  ليرة ، وكذلك عدد الإصدارات السنوي إلى ٤٦ إصداراً , في كل إصدار ١٢٠ ألف بطاقة , مشيراً إلى التنسيق مع مؤسسة المعارض من خلال لجان تدرس حاجة السوق ، لأن  بطاقة اليانصيب سلعة مثل أي سلعة أخرى، لها سوقها وزبائنها وتنتهي مهمة المؤسسة  ببيعها للمندوبين المرخصين، وبالسعر المقرر  مع إبقاء هامش ربح متواضع.
تفاوت في الأسعار
نجد  تفاوتاً في سعر البطاقة بين حي وآخر أو من منطقة وأخرى ,  فمثلاً التسعيرة النظامية ستة آلاف ليرة, بينما على أرض الواقع تباع بثمانية آلاف ليرة وتزيد في مناطق أخرى. ويؤكد مدير عام المؤسسة أن المندوب يضطر لأخذ كامل الحصة المخصصة له وفي حال التأخر  تلغى الرخصة , بمعنى أنه أحياناً يتحمل  خسارة ويتم تعويضها من  مبيعات الإصدار السنوي .
وقد يبدو غريباً بعض الشيء دخول البعض من تجار الذهب,  إذ يشير البعض إلى احتكار البطاقات  من  بعض تجار الذهب الذين يعمدون إلى شراء كميات كبيرة ليتم ضخها  خلال الساعات الأخيرة , إذ يزيد الطلب وتباع بأضعاف السعر الحقيقي , وهنا بين مقصود  أن التعامل معهم يكون مثل أي زبون يشتري سلعة بالجملة، لتبقى مسألة مراقبة الأسواق   وضبط الأسعار  من مهام  “التجارة الداخلية”.

باعة “الأحلام” : نعمل بهامش بسيط .. والطقس وأزمة المواصلات أثّرا في مبيعاتنا

في الحقيقة إن بيع بطاقات اليانصيب  يحقق إيرادات عالية ويشكل رديفاً حقيقياً لخزينة المال العام لكن من وجهة نظر الباحث الاقتصادي فاخر القربي أن الأهم هو ضرورة توظيف هذه الإيرادات في مجال التنمية الاقتصادية, ولاسيما من ناحية رفع قيمة الليرة وتحسين قوتها الشرائية .
وأضاف:  هذا ما يدفعنا أكثر للبحث عن آلية أفضل لبيع هذه البطاقات، ولاسيما البيع بشكل إلكتروني من عدة جهات، لكونها تخفض الهدر من طباعة وعمولات
للبائعين ، وتحقق نسبة بيع أكبر وذلك من خلال شرائها من قبل المقيمين في مناطق قد لا تصل إليهم بطاقة اليانصيب ورقياً، ومشاركة أبنائنا المقيمين خارج حدود الوطن في عملية الشراء ،وكذلك كسر احتكار بيع هذه البطاقات من قبل بعض التجار الذين يعملون على جعل هذه البطاقات مورداً رابحاً يحقق أكبر قدر من الأرباح بأقل حجم من رأس المال، وتالياً  فإن عملية البيع الإلكتروني لبطاقات اليانصيب تبقى نتائجها مضمونة شكلاً ومضموناً لتبقى هذه الورقة فرصة و نافذة ومتنفساً

المواطن  المعيشية التي يبحث عنها ، ولو في حدودها الدنيا من  دون البحث عن الرفاهية والكماليات.

تشكل إيراداتها رديفاً للخزينة ومن المهم البحث في آلية أفضل للبيع إلكترونياً

إذاً، لهذه الحالة مبرراتها من وجهة نظر علم النفس، حيث  يرى د. غسان منصور- كلية التربية في جامعة دمشق  أن السواد الأعظم يعاني من الفقر وهو يحاول دائماً أن يطمئن نفسه بأي شيء ، لذلك هو يشتري الوهم ويشتري الأحلام ، ويمكن القول:  إن الدماغ لا بد أن يجد طريقاً ليخفف التوتر والضغوط الهائلة التي يعاني منها الإنسان.

شراء “الوهم”.. حاجة عقلية ونفسية لكي يشعر بالأمان ولا يخسر حالة الحلم

واعتبر د. منصور أن هذه الحالة  هي حاجة نفسية عقلية بآن واحد لكي يشعر الإنسان بالأمان ولا يخسر حالة الحلم التي تعمل كآلية دفاعية مريحة.. وهذا ليست له علاقة بالحظ وإنما الحظ الذي يتعلق به ويحاول أن يشرع تصرفاته من  الجزء الظاهر من حالة فقدان أساسيات الحياة والحاجات الأساسية.
وختم  بأن الكثير من عاداتنا اليومية هي عبارة عن تعبيرات لا شعورية عما نشعر به، لأن الذات تشعر بالتهديد من مجرد ذكرها , أي إن الذات لا تستطيع مواجهة الذات ، ويتبدى كل ذلك بأحلام بعيدة التحقق وصعبة المنال، لكنها تسهّل عملية العيش في الحياة اليومية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار