لقاء موسكو الثلاثي.. خطوة أولى بانتظار خطوات عملية من تركيا

رحيم هادي الشمخي:

لم يكن اجتماع موسكو الثلاثي (السوري التركي الروسي على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات) يوم الأربعاء الماضي خلطاً للأوراق بقدر ما كان نتيجة واقعية ومتوقعة لما عملت تركيا على تسريبه طوال الفترة الماضية – عبر الوساطة الروسية – لناحية استعدادها للتقدم بخطوات عملية على الأرض وفق المسار الذي تريده سورية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية كان نتيجة متوقعة لأشهر من الجهود الروسية في هذا الإطار.

وكانت التصريحات التركية بعيد اللقاء ترجمة واضحة لتلك الخطوات.. أما مسألة خلط الأوراق فهذه تختص فقط بمن كان يُراهن على فشل الوساطة الروسية، متيقناً من استحالة التواصل والالتقاء، ليسرد القضايا والملفات المُستعصية التي تراكمت طوال عقد مضى، لكن السياسة هي «فن الممكن» كما يُقال، وهذا ما اعتمدته روسيا في العمل على التقريب والتوفيق ليصبح ذلك اللقاء الثلاثي متاحاً.

لا شك بأن الأنظار ستبقى مستقرة على روسيا ووساطتها وعلى مجمل التصريحات والمواقف التي ستصدر عن العواصم الثلاثة، موسكو – دمشق – أنقرة، علماً أن التصريحات التركية «الإيجابية» لم تتوقف منذ ذلك الاجتماع، فيما الأخبار المتواترة والتسريبات، تؤكد أن تركيا على استعداد تام بأن تبدأ أولى الخطوات العملية على الأرض وبما يجعل اللقاء الثاني المرتقب، على مستوى وزراء الخارجية، أقرب زمناً.. ووفق الإعلام التركي – ومن دون ذكر تفاصيل – فإن العام المقبل 2023 ، الذي نحن على بعد ساعات قليلة منه، سيكون «حافلاً بالمفاجآت».

كان يكفي أن تصدر عن دمشق كلمة واحدة فقط تصف الاجتماع الثلاثي بـ«الإيجابي» ليعيد المراقبون والمحللون حساباتهم.. صحيح أنها كلمة واحدة فقط لكنها تقول الكثير، وهو ما يجب التركيز عليه لناحية:

أولاً، إن الدولة السورية كما يبدو لديها ارتياح من نوع ما لمجريات الوساطة الروسية، وهذا في لغة المحللين والمراقبين معناه أن هناك ضمانات روسية من نوع ما قادت إلى هذا الارتياح، وتالياً إلى موافقتها على اللقاء، ووفق البيان والتصريحات ما بعد اللقاء، خصوصاً التركية، فإنه تم قطع شوط مهم في مسألة التوافقات على القضايا المطروحة، خصوصاً لناحية المطالب التي قدمتها دمشق كحقوق مشروعة لها في عودة الأرض وسحب تركيا قواتها من الشمال ووقف دعمها للمجموعات المسلحة، إضافة إلى ملف اللاجئين، وملف محاربة الإرهاب.

ثانياً، إن الدولة السورية لديها رضا، أو بعبارة أدق لم تكن لديها ملاحظات على مجريات اللقاء الثلاثي.. هذا على الأقل ما يبدو عليه الأمر ظاهرياً، وإن كانت ستحافظ على موقع «الانتظار» للخطوات التركية الموعودة، اثباتاً لحسن النيات وصدق التصريحات، قبل أن تقرر القبول بلقاء ثان، أو ما سيكون مضمونه في حال حدوثه، وفي أي عاصمة سيعقد.

ثالثاً، إن الدولة السورية هي أكثر من يجيد قراءة الخرائط الداخلية والإقليمية ويلتقط لحظاتها التاريخية، وهي ترى أن هناك لحظة تاريخية وصلت لخواتيمها، وهي مستحقة لسورية، ولا بد من قطف ثمارها.. وليس خافياً على أحد أن تركيا  ورئيس النظام رجب أردوغان في أمس الحاجة إلى سورية لكسب رهانات داخلية (الانتخابات الرئاسية) وإقليمية (استكمال الاستدارة في المنطقة)، ومن دون سورية سيسقط في هذه وفي تلك. والمهم في هذه المسألة أن سورية تجيد الانتظار والتأني والترقب، ثم التحرك في التوقيت المناسب، وهذا أمر مشهود لها.

رابعاً، إن الدولة السورية مستعدة تماماً للخطوة التالية ، وهي تدرك مسبقاً مختلف الردود والمواقف، سواء كانت هذه الخطوة ثباتاً إلى حين، أم تحركاً باتجاه تقارب أكبر.

حتى الآن، ومما هو معلن فإن المسار يتجه نحو تقارب أكبر، وقد نشهد في العام المقبل اكتمال جهود الوساطة الروسية لناحية تحقيق أوسع اختراق على مستوى تحقيق السلام والاستقرار في سورية، باعتبار أن النظام التركي كان له دور كبير وعميق في الحرب الإرهابية على سورية وفي إدامتها تسليحاً وتمويلاً، سياسياً ولوجستياً.

روسيا تبدو واثقة بنجاح وساطتها وإن أخذت مزيداً من الوقت، هذه الثقة تعززت بعد لقاء الأربعاء الثلاثي، باعتباره خطوة أولى واسعة باتجاه تحقيق التقارب، وهو ما يقوله المراقبون والمحللون الذين يرون أن الوساطة الروسية ستنجح لعدة أسباب:

أولها، إن روسيا طرف مقبول لدى الأطراف المعنية.

وثانيها، إن موسكو لا تفرض وساطتها وإنما تعرض الوساطة أو تبدأ بها بناء على طلب الأطراف المعنية، وسبق أن أعلن النظام التركي أنه هو من طلب وساطة روسيا للتقارب مع سورية.

وثالثها، إن روسيا على اطلاع تام، تتحدث بصراحة وشفافية، نياتها معلنة، تعترف بأن لها مصلحة في التقارب بين سورية وتركيا ، لكنها بالمقابل تؤكد أن هذا التقارب هو أيضاً في مصلحة البلدين وبما يسد الأبواب بوجه الأعداء لاستكمال مخططاتهم ومؤامراتهم ضد سورية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية..

ورابعها، إن روسيا أكثر من يجيد إدارة علاقاتها في المنطقة، وهي علاقات صعبة للغاية، في ظل أن أطرافها لا تجمعهم علاقات جيدة، وبالتالي هي أكثر من يستطيع تحقيق التقارب بين سورية وتركيا، وفي حال نجحت في تحقيقه، باتجاه التطبيع وعودة العلاقات فإن «مجريات الحرب ستتغير بالكامل» كما يُجمع المراقبون والمحللون.

وبكل الأحوال، لن يتوقف الحديث والجدل حول الوساطة الروسية والتقارب بين سورية وتركيا طوال الأشهر المقبلة، وقبل الانتخابات الرئاسية التركية المقررة في حزيران المقبل، حيث سيتم رصد كل تصريح وكل موقف وكل تحرك على الأرض، وكل لقاء يحدث.. وكل الاحتمالات واردة.

أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار