ليس سوى قلم

جس الطبيب خافقي وقال لي :/ هل هاهنا الألم؟ / قلت له: نعم / فشق بالمشرط جيب معطفي / وأخرج القلم ! / هز الطبيب رأسه .. وابتسم ..
وقال لي : / ليس سوى قلم!! / فقلت : لا يا سيدي / هذا يدُ … وفم ! / رصاصة … ودم ! / وتهمة سافرة … تمشي بلا قدم!! /. كبيرة هي المسافة مابين الشاعر والطبيب وقد برع أحمد مطر قي وصف ما يوجعه وكأنه حال كل من يحمل قلم ..
وفي كل كتاب جديد نقرأه نكتشف أن جعبة المبدعين لن تنضب من الإضافات الجميلة على الأدب والسرد والرواية وفن الكتابة بشكل عام، ولعل آخر ما تناقله النقاد وما وصفته الصحافة العالمية بأنه إنجاز مبدع ومذهل وأفضل ما كتب كان للروائي الأميركي بول أوستر والذي وصفه النقاد بأنه أضاف عنصراً جديداً إلى العمل الميتافيزيقي وأسلوب الرواية “إنه الحزن الذي يقول إنَّ الألوان كلها وهمٌ ويُبدِع صورة مؤثرة بصورة مُذهلة وشديدة الواقعية لرجلٍ محكوم بالموت… إنها قصة حزن يستعصي على الوصف يُروى ببراعة وحِرفيّة، وينجح أوستر أخيراً في صياغتها ببساطة إنسانيّة شديدة”.
يقول أوستر : كلّ فرد يحتفظ بداخله، مثل المسافرين خلسة على متن باخرة ليلية، بظلال جميع الأشخاص الآخرين الذي كان يمكن أن يصبحهم. وهنا يؤكد لنا الكاتب فكرة أن الأدب هو الأقدر على استكشاف الحياة الافتراضية، ليس حياة الحواسيب، بل المصائر البديلة، التي قرّرتها الصدفة أو التاريخ…
ثم نخرج من عباءة بول أوستر وندخل عالماً أكثر حميمية من باب المعرفة العميقة كان لابد من البحث عن ظواهر الحزن في الأدب العربي.. ورغم معرفتي بوجودها لكن المفاجأة أنها كانت ظاهرة حاضرة في الشعر والأدب والرواية أكبر مما يتصور المرء أو يتخيل وكأن الحزن جزء من كينونة الأدب العربي والحاسة السادسة عند الأديب …فذاك ينعي نفسه، وذاك ينعي وطنه وحظه، وذاك يفضل الموت على الحياة إذا ما اشتد نصبه وآخر ينتظر.. وماذا ينتظر؟!
لقد جسم الشعراء الصراخ في الصمت والحياة وفي الموت، وهاهو الشاعر الكبير بدر شاكر السياب رغم إنه قد حفر قبره بنفسه معتبراً أن اللحد أوسع من ذلك الشبر الذي نوضع فيه كلنا عندما ينتهي العمر، بل إن الموت عنده بداية التكوين، والغاية عنده هي أن نجد المبرر للحياة لا للموت. وبذلك يكون الأدباء العرب قد سبقوا الروائي أوستر في اكتشاف عبقرية الحزن وتأثيره على الأدب .
ولكن هل ينتهي الحزن هكذا .. دون بصيص نور أو أمل؟ ربما!!
أكتب بالقلم ..لنمسك جيداً بالقلم ..نريد أن نخرج من الحفرة ..ما يزال لدينا حلم.. أن نمسك السحاب أو نعانق وجه القمر ..مازالت لدينا فرصة ..فلنخبأها جيداً كي لا يسرقها أحد فتشوا جيوبنا ..هذه أوراقنا ..وهذا قلم ..ليس سوى قلم !.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار