الذهب العالمي من برناردشو إلى فيروز وبايدن وبوتين ؟!

تنبأت فيروزتنا -أطال الله بعمرها- بغلاء الذهب بأغنيتها الذهبية وهي من كلمات وتلحين المبدعين الأخوين الرحباني رحمهما الله ( غالي الذهب غالي و ضحكت عناقيده)، وتشهد الأسواق العالمية حالياً زيادة في الطلب على الذهب ما أدى إلى ارتفاع أسعاره ليصل سعر الأونصة بتاريخ 24/11/2022 إلى /1742/ دولاراً أمريكياً، وبرأينا سيكون سعر الاونصة في نهاية /2022/  بحدود /2000/ دولار، ومعروف كيف انتشرت صورة للرئيس الروسي (فلاديمير بوتين ) وهو يمسك ( أونصة ذهب ) في إشارة واضحة إلى أنه يمهد الطريق لاستبدال الدولار بالذهب.
أهم العوامل الكامنة وراء زيادة الطلب نذكر منها [ كونه ملاذاً آمناً للاستثمار وخاصة مع تراجع قيمة العملات الدولية مثل الدولار واليورو والجنيه وغيرها بسبب موجات التضخم الكبيرة التي تتعرض لها – محدودية زيادة الكمية المستخدمة منه حيث ينتج سنوياً منه بحدود /3000/ طن، ويمكن زيادة الكمية المستخدمة منه عند الحاجة لكن ليس مثل الدولار واليورو من خلال طباعة المزيد منهما من دون قيود – سهولة حمله ونقله ومقاومته لعوامل الطبيعة مثل التآكل والاهتلاك، تراجع عائدات السندات الأمريكية طويلة الأجل وقيم العملات الإلكترونية مثل بيتكوين وغيرها – زيادة الطلب على الذهب من الصناديق الاستثمارية وخاصة في الاقتصادات الناشئة – زيادة عدد الحروب وبؤر التوتر والمخاطر العالمية، فمثلاً بعد الحرب الروسية – الناتوية الأوكرانية زاد شراء السبائك الذهبية بحوالي /12%/ حتى الآن – زيادة الاعتماد عليه في الزينة والتحلي مثل ( المنطقة العربية ) وفي الدول الصناعية في الاستخدامات التجميلية لكن يستخدم في الصناعة بشكل أكبر مثل تكنولوجيا النانو والحواسيب والهواتف الذكية والسفن الفضائية ومعداتها والأسلحة والمعدات الطبية، وهذا يفسر استحواذه بشكل كبير من قبل الدول الصناعية، فقد تصدرت أمريكا دول العالم بحوالى /8134/ طناً ومن ثم ألمانيا حوالى /3359/ طناً وثالثاً إيطاليا /2452/ طناً ورابعاً فرنسا / 2436/ طناً ومن ثم روسيا /2299/ طناً.
استمرار الثقة بالذهب وهي أساس العمل الاقتصادي وتؤكد الدراسات الاقتصادية أن أول قطعة نقدية ذهبية ظهرت سنة / 550/ قبل الميلاد ورغم مرور قرون زمنية على استخدام الذهب لكنه لايزال يستخدم في الاحتياطيات النقدية الدولية…الخ]، ومن هنا يتوقع أغلب الاقتصاديين العالميين أن قرار ( بايدن ) بمنع استيراد الذهب الروسي، سينعكس إيجاباً على روسيا وينقلب السحر على الساحر وكثير من المحللين الاقتصاديين الأمريكيين اعتبروا هذا الإجراء حسب رأيهم (إجراء غير حكيم) – حتى لا استخدم كلمة أخرى هم استخدموها، وجاء ذلك عندما شعرت الإدارة الأمريكية بخطورة التوجه العالمي لاستخدام الذهب وبدأ يحل تدريجياً محل الدولار، وفي خطوة استباقية لجأت إلى زيادة سعر الفائدة في البنك الفيدرالي الأمريكي وللمرة السادسة خلال سنة /2022/ وارتفعت من /صفر %/ إلى حدود /3.75%/ وهذا يحصل لأول مرة في أمريكا والهدف هو دعم الدولار لأن العلاقة بين سعر الفائدة والذهب هي علاقة عكسية، أي كلما ارتفع سعر الفائدة زاد الطلب على الدولار فيزداد سعره وبالتالي ينخفض سعر الذهب، ولكن بالمقابل بدأت روسيا و الصين بزيادة الإنتاج من الذهب وكذلك الشراء لاستخدامه في التصدي للعقوبات الاقتصادية الغربية، وتؤكد صحيفة ( تليغراف ) البريطانية أن روسيا أصبحت تمتلك احتياطياً من الذهب أكثر من احتياطاتها الدولارية وزادت قيمة سبائكها الذهبية سنة /2022/ بالمقارنة مع سنة /2020/ بنسبة /23%/ ، وتستمر بزيادة إنتاجها وهي ثالث أكبر منتج للذهب في العالم وزاد احتياطي الذهب في بنكها  المركزي /4/ أضعاف منذ سنة /2010/ ، وكل هذا دعم الروبل الروسي بما لايقل عن /10%/ من قوته. كما أن الصين زادت من  شرائها للذهب وأصبحت تمتلك أكثر من /11%/ من الذهب العالمي وهي في المركز السادس عالمياً، وتمتلك الهند /769/ طناً في المرتبة العاشرة عالمياً.
وتعتبر جمهورية جنوب إفريقيا الدولة الأولى المنتجة عالمياً، لكن اللافت للنظر هو إعلان مجلس الذهب العالمي أن مصر اشترت /44/ طناً من الذهب خلال الربع الأول من سنة /2022/ فارتفعت كمية الذهب لدى البنك المركزي المصري  بمعدل/ 54%/ لتصل إلى/ 125/ طناً وكثير من دول العالم بدأت تميل إلى تنويع احتياطاتها النقدية وإحلال الذهب  أو عملات أخرى محل الدولار واليورو، فما هو موقف الحكومات الغربية من ذلك؟ علماً أن الكاتب الإيرلندي الساخر الشهير (جورج برنارد ) قال سنة /1927/ في كتابه [دليل المرأة الذكية إلى الاشتراكية والرأسمالية] عندما سألته صديقته البريطانية بماذا ينصحها ..

بامتلاك الذهب أم غيره من النقود ( عليكِ أن تختاري ما بين الثقة في الاستقرار الطبيعي للذهب، والاستقرار الطبيعي لأمانة وذكاء أعضاء الحكومة، ومع كل الاحترام لهؤلاء السادة، أنصحك بأن تصوتي للذهب، طالما بقي النظام الرأسمالي قائماً).فهل هذا ينبئ بالعودة إلى ( القاعدة الذهبية ) التي اعتمدتها بريطانيا سنة /1821/ ثم تعاملت بها لاحقاً(فرنسا وألمانيا وإيطاليا ) وغيرها، وجوهر القاعدة ومعيارها هو [ تحديد قيمة أي عملة لأي دولة بكمية من الذهب، وعلى هذا الأساس  يتم التبادل بين العملات ] واستمر التعامل بهذه القاعدة حتى بداية الحرب العالمية الأولى سنة /1914/ حيث لجأت الدول إلى فرض قيود على استخدام الذهب سواء في السوق الداخلية أو للتصدير بسبب ظروف الحرب والحاجة للذهب و تم اللجوء إلى العملات الورقية، ومع أزمة (الكساد الكبير أو العظيم ) سنة /1929/ وفقدان أغلب العملات الورقية قيمتها التبادلية وتراجع قوتها الشرائية عادت الكثير من دول العالم للتعامل بالذهب وتمت العودة إلى قاعدة الذهب وتم في نهاية الحرب العالمية الثانية تثبيت سعر الذهب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ووضع حد أدنى لسعر الذهب في أغلب البنوك المركزية الدولية في البيع والشراء، واستمر هذا حتى سنة /1971/، ولكن مع انخفاض احتياطي الولايات المتحدة من الذهب وزيادة عجز ميزانها التجاري بسبب تراجع إنتاجها والانتقال من الاقتصاد الإنتاجي إلى الاقتصاد المالي الورقي وتكلفة حرب فيتنام الكبيرة ومطالبة الرئيس الفرنسي باستبدال الدولارات لديها بالذهب من البنك الفيدرالي الأمريكي وعلى أساس السعر الذي حددته الإدارة الامريكية لكن تفاجأ العالم برفض الإدارة الأمريكية للطلب الفرنسي واعتبرت هذه أكبر ( فضيحة نقدية ) في العالم ولايزال العالم يعاني من جراء ذلك أي إلغاء التثبيت والعمل بقاعدة الذهب، ومع فوضى السوق المالية العالمية حالياً وتذبذب أسعار العملات الدولية فهل تفعلها الدول الكبرى وخاصة دول مجموعة البريكس [ روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ] في قمتها القادمة بترسيخ التعامل بالذهب، ومن المعروف أن كثيراً من دول العالم تقدمت بطلب للانضمام إلى المجموعة ومنها مثلاً ( مصر وإيران ) وغيرهما، وكل هذه الدول لها مصلحة التعامل بالذهب كما ذكرنا أعلاه.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار