“إبريق الجدّات المفلسات”

ربما الكثيرون سمعوا بـ”حكاية إبريق الزيت” كمثلٍ يُردد كنايةً عن “اللاجدوى”، حتى المطرب وديع الصافي ردد المثل حين غنّى رائعته: “ياريت يا ألبي ياريت لا حنيت ولا حبيت، حكاية حبك رح بتصير متل حكاية إبريق الزيت..”..
والكثيرون ربما لا يعرفون الحكاية التي هي »لاحكاية«، مع إن إحدى الروايات وجدت لها ما يُقارب الحكاية لكنها في مضمونها تُعادل تماماً اللاحكاية، وبقُصارى القول ألخصها: إن عائلة أحبّت أن تقلد عائلة مجاورة؛ فكسرت إبريق الزيت لديها، ليس لعيبٍ فيه، سوى إنه قديم، والطامة كانت بشراء الإبريق تلو الإبريق بعد ذلك، لأنه دائماً ثمة رشح للإبريق الجديد، غير أن الحكاية اللاحكاية وإن اختلفت عن الأولى، وإن لم تختلف بـ»اللاجدوى« أو باللاحكاية، وهي محاولة الجدة المفلسة من الحكايات، في تنييم حفيدها، فتقول له أحكي لك (حكاية إبريق الزيت)، وبلهفة الأطفال لسماع الحكايا بـ(نعم)، لتجيبه: إن قلت نعم وإن قلت لا؛ أحكي لك حكاية إبريق الزيت.. وهكذا حتى يملُّ الفتى وينام..
حكاية إبريق الزيت، التي أكثر ما تعني اللاحكاية، أو نضوبها، بمعنى؛ »الإفلاس«، تنطبق ليس على الإبداع فقط، وإن كانت هنا الأكثر وضوحاً، غير أن الإفلاس اليوم يكاد يكون هو الطاغي على كل مناحي الحياة، وفي هذا الحيز سأبقى في مجال الإبداع؛ ففي الدراما التلفزيونية على سبيل المثال تكاد بعض ألوان هذه الدراما أن تُفلس تماماً، مثالها الواضح دراما البيئة الدمشقية كما يُطلق عليها، وهو ما تجسد بأول أركانها، وأقصد بذلك النص، هنا يبدو المؤلفون قد استنفدوا آخر الحكايات، ووصلوا تماماً لحكاية (إبريق الزيت)، والمؤسف أن بؤس النص ليس في دراما البيئة الدمشقية، وإنما كان جلياً في مُختلف أنواع دراما هذا الموسم، بما فيها المسلسلات التي حصدت أكبر نسبة متابعة، ذلك إن حشد عشرات القصص والحكايات التي يعرفها الجمهور ويحفظها جيداً عن ظهر قلبٍ موجوع، ليس إبداعاً، فالإبداع ليس نقل الواقع كما هو، وإلّا كان إعادة تمثيل المجرم لجريمته أثناء التحقيق معه يُعدُّ إبداعاً.. صحيح ليس مطلوباً من الإبداع أن يتجاهل الواقع، ولكن ليس معنى ذلك التسجيلية والتوثيقية رغم أهميتهما، غير أن مجالهما ليس هنا، وإنما الإبداع في إيجاد المُعادل الإبداعي الذي يكون أساسه هذا الواقع..
وفي الشعر، وكأن الشعراء اتفقوا على كتابة نصٍّ واحد بتنويعات مختلفة، وهكذا في الفنون التشكيلية يكاد الجميع يُخرجُ نتاجه من ذات المحترف.. ولا شيء يهزُّ الروح أيها السادة!!..
هامش:
قد
لا يكونُ بيدنا
حيلٌ كثيرةٌ،
لكن
بمقدورنا التقاط
رائحةَ الأزهار..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار