عيد الفطر يحرّك أسواق حلب الراكدة…والعائلات تشتري “الفرحة” بالأرخص سعراً ..؟!
حرّك عيد الفطر السعيد أسواق حلب الراكدة، فعلى الرغم من قلة السيولة في جيوب المواطنين وغلاء مستلزمات العيد وتحديداً الألبسة في عاصمة الصناعة والاقتصاد، إلا أن العائلات الحلبية أصرت على إدخال الفرحة إلى قلوب أفرادها وخاصة الأطفال، عبر النزول إلى الأسواق الكاوية وشراء مستلزمات العيد ومنها الألبسة مع رحلة ليست بسهلة للحصول على القطع الأرخص من الأسواق الشعبية، التي شهدت ازدحاماً لم تشهده المدينة منذ وقت طويل.
حركة جيدة
“تشرين” جالت على عدد من أسواق حلب الشعبية والحديثة، وقد لحظت وجود فروقات سعرية كبيرة بين سوق وآخر حتى بين الأسواق المصنفة شعبية، فأسعار الألبسة بين سوق الجلوم المعروف بأنه سوق جملة أرخص من سوق باب أنطاكية الملاصق له بحيث لا يفصل بين السوقين سوى جدران المحال، لكن عموماً تصدّر هذان السوقان الواقعان في مدينة حلب القديمة قائمة الأسواق الأرخص في مدينة حلب، مع العلم أنهما معروفان سابقاً، وأن البضاعة المعروضة موجهة لذوي الدخل المحدود والفقراء، كما أن قاصدي السوقين كانوا قبل الحرب من الأرياف، والتي يعاني سكانها حالياً من مشكلة النقل وارتفاع تكاليفه ما يجعل قدومهم للتسوق مكلفاً، ومع ذلك كانت الحركة الشرائية تعد جيدة وخاصة أنه العام الأول لعودة هذين السوقين بعد انطلاق عمليات ترميم المدينة القديمة وفتح محور هام من باب انطاكية باتجاه الأحمدية والسقطية.
سوق التلل الشعبي أيضاً شهد ازدحاماً على شراء الألبسة من محاله، التي اشتكى بعضها من سيطرة البسطات على السوق والزبائن بحيث وصفها أحد أصحاب المحلات بـ”المولات”، التي كبرت بسبب نفوذ مالكيها الأساسيين.
أما أسواق العزيزية والفرقان التي تعد من الأسواق ذات الأسعار المرتفعة ويقصدها أصحاب الدخل الكبير والأحوال المادية الجيدة، فقد شهدت تحسناً نسبياً في الحركة التجارية قياساً لكن بقيت “رجل” المواطنين خفيفة وخاصة في ساعات النهار بينما تنشط عموماً خلال ساعات الليل بعد الإفطار حتى مع أسعار منتجاتها الفلكية وخاصة مع روادها المعروفين.
“البحث عن الأرخص سعراً ”
غلاء أسعار الألبسة اشتكى منه المواطنون، وخاصة أن الأسعار لا تتناسب بالمطلق مع أجورهم الشهرية، لكن أصروا برغم ضيق الحال على النزول إلى الأسواق بغية شراء “الفرحة” وإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال بعد سنوات سوداء فرضتها الحرب والحصار، وهو ما تؤكده السيدة آمنة القادمة من الريف بإشارتها إلى أنّ جلّ ما يهمها هو شراء ألبسة بأسعار مقبولة تناسب ما هو موجود في جبيتها، فهي ترغب بشراء ألبسة لبناتها الثلاث لكن الأسعار كاوية، فأقل قطعة ألبسة لا تقل عن 20 ألف ليرة، لافتة إلى أنها قصدت أسواقاً عديدة للبحث عن السلع الأرخص لكن من دون جدوى.
تتفق معها الشابة الثلاثينية القادمة من الريف عائشة المحمد بأنها تبحث عن السلع الأرخص سعراً، وقد وجدت طلبها في سوق باب أنطاكية لكنها تبقى مرتفعة السعر قياساً بأوضاع المواطنين الصعبة.
للفرجة ..؟!
شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار الألبسة يوازيها اعتراض الباعة على ضعف الشراء، حيث أكد أغلب من التقتهم “تشرين” أن هناك زحمة في الأسواق لكن أغلب الناس تأتي للفرجة والسؤال عن أسعار الألبسة من دون الشراء، إذ يؤكد بائع البسطة محمد سلوم أنه أحياناً يمر اليوم كله من دون “استفتاحية”، في حين أشار باعة أخرون إلى أن “المنحة” ساهمت في تحريك السوق قليلاً.
معاناة تجار الألبسة وأصحاب المحال وخاصة الذين هم صناعيون بالأساس، من الغلاء وقلة البيع عبّر عنه التاجر عبد الوهاب أبو دان الذي أكد أن غلاء أسعار الألبسة عائد إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج من الخيط إلى الإكسسوار، وغلاء المحروقات وأجور النقل والمواصلات، التي أجبرت أغلب المواطنين على الشراء من مناطق قريبة من سكنهم، حيث أصبح يوجد تجمع تجاري في أغلب المناطق للهروب من أزمة النقل وتخفيف التكاليف، ويضاف إلى قائمة المشاكل غلاء اليد العاملة وضعف القوة الشرائية، لافتاً إلى أنه يضطر إلى البيع من دون مربح أو بربح قليل جداً من أجل استمرار في العمل وتأمين قوته يومه، فهو كغيره من التجار لديه التزامات مادية، حيث يضطر كل أسبوع إلى دفع مبلغ مالي كبير للتجار لقاء البضائع التي يشتريها منهم، وبسبب قلة البيع لا يؤمن معه المبلغ المطلوب.
في حين يؤكد البائع يحيى قصاص في سوق الجديدة الملصق لسوق التلل أنه يبيع منتجاته بالجملة ويكسر الأسعار بشكل دائم من أجل التشجيع على الشراء مع مربح بسيط، لكن للأسف لا يوجد مبيع وزبائن بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وضعف القوة الشرائية عند المواطنين.
بدوره محمد لبابيدي تاجر ألبسة أطفال أكد أن قلة المواصلات وارتفاع أجورها، أثر سلباً على حركة البيع في الأسواق، فاليوم تعددت الأسواق وأصبح كل مواطن يشتري من محال قريبة من مناطق سكنه ولا يفكر بالقدوم إلى الأسواق المركزية بسبب تكاليف النقل المرهقة.
رهن المنافسة
الفلتان الكبير في أسعار الألبسة وغلائها الجنوني الذي يظهر عدم وجود رقابة ومحاسبة للتجار المخالفين، نقلناه إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حلب لمعرفة ماذا تفعله لضبط هذه الأسواق خلال فترة العيد، حيث أكد ممدوح ميسر مدير التسعير أن المديرية لا تسعر الألبسة لكونها خاضعة لقانون العرض والطلب، فالقرار الصادر عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك يقضي بتقديم كل منتج بيان تكلفة للمنتجات المعروضة في محله، لكن في حال عدم وجود هذا البيان عند قيام دوريات الرقابة التموينية بجولة على الأسواق يُنظَّمُ بحق التاجر المخالف ضبط يغرم بموجبه بالحبس لمدة تتراوح بين 3-5 سنوات ودفع غرامة مالية تصل إلى عشر ملايين.
وأشار ميسر إلى أن دوريات الرقابة التموينية تركز عملها عادة خلال الأيام العشر الأخيرة من شهر رمضان الكريم على الألبسة، حيث تسحب دوريات التموين عينات من الألبسة وعند عدم وجود بيان التكلفة للمنتجات المعروضة يغرم بالغرامة الآنفة الذكر.
وبيّن أن المنافسة هي الأساس في تخفيض أسعار الألبسة لكونها خاضعة للعرض والطلب، مشيراً إلى أن الألبسة متوافرة في الأسواق بنوعيات وأسعار مختلفة، وتالياً يمكن للمستهلكين المقارنة بين أسعار الألبسة واختيار ما يناسب دخله، الذي يعد المشكلة الأساسية لكونه لا يكفي لشراء قطعة أو قطعتين من الألبسة.
وأوضح أن التكاليف العالية التي يتحملها المنتجون الكبار بسبب غلاء مستلزمات الإنتاج وعدد العمال ونوعية القماش والقصات وغيرها، الأمر الذي يتسبب في غلاء أسعار الألبسة، لافتاً إلى أنه في حال شراء المستهلك قطعة من الألبسة مرتفعة السعر، وتبين أن نوعيتها رديئة بعد الغسل يمكن للمواطن تقديم شكوى، وبناء عليه تسحب عينة وتحلل قطعة الألبسة في المخبر وعند تبيان أنها غير مطابقة للمواصفات ينظم ضبط بحق المنتج المخالف.
ت-صهيب عمراية