من نجوم الموسم.. عباس النوري الباحث دائماً عن التفرد في الأداء

لم يرضَ صاحب الأمانة الرجل الدمث الأخلاقي بالتخلي عن الجرة الذهبية من دون وجود نصف العلامة المكملة لنصف الزبدية الصيني التي يمتلكها، ولم يفرط بقرابة الدم التي جمعته مع ابن عمه “المخرز” رغم أفعاله الشنيعة التي وصلت إلى سرقة الأمانة منه وجعله يشهر إفلاسه، ولم يبتعد كثيراً بهذه الأخلاقيات العالية التي قدمها بشخصية “المعلم عمر” في مسلسل “ليالي الصالحية”، بل عاد ليضيف إليها جزءاً من السلوك الاجتماعي حول ثقافة الواجب تجاه الحارة وحفظ الود مع الجيران، والتي جسدها في شخصية “أبو عصام” بشخصية كلاسيكية ترقى إلى المثالية حول مفهوم الرجل الشهم ” اللي ما بيحب العايبة”، والتي صانها بصمته رغم فضيحته المجلجلة في الحارة بنومه في دكانه الخاص به إثر يمين الطلاق لزوجته سعاد ..

هو عباس النوري الذي يفاجئنا بكل شخصية يقدمها برسمه معالمها وتبنيه مقولاتها لدرجة تشعر المتلقي بأن الشخصية حقيقية، وذلك لانصهاره الكامل في سلوكياتها وردات فعلها وبنائها السيكولوجي والدرامي، ودراسته العميقة لها بكل تجلّياتها وأبعادها..
والمتابع لمسيرته الدرامية يكتشف كم الشخصيات التي أداها النجم النوري فيها وابتعادها عن بعضها ومحاولة خلق بصمة خاصة بكل عمل جسدّه، وهذا العام هو “فوزان” في مسلسل “مع وقف التنفيذ” شخصية رجل ستيني بشعرٍ أبيض ووجه مكفهر (مصلحجي) لا يقيم وزناً لأحد، فمصلحته هي الأهم، ويمتاز بأنه “مسيّح” جوخ من الطراز الرفيع بمفردات استخدمها عبر سياق العمل والتي أثرّت بذاكرة الجمهور بأسلوب فني عميق فريد نابع من حالة النبش بدواخل الشخصية وممزوج بتشكيل جسدي وجذاب ممهور بطريقة الأداء الحركي والصوتي ومحفز التقطته كاميرا المخرج سيف الدين سبيعي بذكاء لافت، ليتفاعل المشاهد مع كل إيماءاته، فكمية الشر في سلوكياته جاءت كرد فعل على مرض زوجته ووفاتها، وهو الأمر الذي لم يتحمله “فوزان” في إكمال حياته من دونها ومحاولة الانتقام ممن حوله من دون رادع، وذلك ينعكس في علاقته الإشكالية مع ابنتيه أوصاف (حلا رجب) وبسمة (ريام كفارنة) ومحاولة استغلالهما للأقصى من أجل المال من دون مراعاة لصلة الرحم التي تجمعه بهما..
فيما يأخذنا عبر شخصية “أبو العز” في مسلسل “حارة القبة” بتفرّد واضح بملامحه القاسية وشخصيته القوية وبانفعالات مركبة تذهب بمعظمها نحو القسوة المغلفة بحنان واضح ومدروس، وبجهد واضح من المخرجة رشا شربتجي في محاولة الكشف عن مساحات جديدة لم يسبق للنوري أن خاض غمارها، وقد تبدو الشخصية للوهلة الأولى تشبه شخصيات البيئة الشامية، إلّا أن المتابع لتفاصيل العمل يستكشف حجم الاشتغال البصري والنفسي عليها، والتي بلغت ذروتها لحظة اكتشافه مكان ابنه رضوان الابن الأصغر له وموته بعد اختطافه من قبل أبو الريح “كرم الشعراني”، وتعاطيه مع زوجته أم العز” سلافة معمار” التي رفضت فكرة موته وعانت من صدمة الفقد والحزن ليظهر الجانب الآخر لشخصيته بذكورية صارخة في إخفائه زواجه من أخرى، فهو صهر البيك الراحل الذي عهد إليه بأمانة وضعها في قبو منزله شريطة عدم فتحها إلا بعد مرور عام على وفاته، ويبقى التساؤل معلقاً بنهايته المفتوحة، هل سيحفظ الأمانة كما فعل في مسلسل “ليالي الصالحية”؟ أم إن فصول الحكاية ستتشعب لتأخذ منحىً جديداً عبر الجزء الثاني ..
وبـ”لوك” مختلف في شخصية “حمزة القواص” في مسلسل “ولاد البلد” يستعرض النوري مهاراته الفنية فهو الآغا الجسور الذي يسعى لبسط سيطرته على الخان ويقف بمواجهة دامية بين الأغوات في زمن الاحتلال العثماني، العمل الذي عرض على بعض المنصات الإلكترونية لم يتح للمشاهدين متابعة تفاصيله وحكايته بل اكتفى النوري بنشر بعض الصور من كواليس العمل معتمداً على التشويق والإثارة وحسّ المغامرة بتقديم المختلف في أي عمل يقدمه ..
النوري الذي سبق أن صرّح سابقاً بأن أجمل شخصياته كانت عبر مسلسل “الاجتياح” الذي حصد جائزة (ايمي) العالمية عام 2008، نوّه بأنه ليس سعيداً باقتران اسمه بشخصية “أبو عصام” في مسلسل “باب الحارة”، بل رأى بأن هناك الكثير من الشخصيات التي شكلها بأسلوبٍ فاق شهرة هذه الشخصية ..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار