“جوقة عزيزة”.. أين الصورة الحقيقية لنساء دمشق؟!!

قد يكون من السابق لأوانه الحكم على مسلسلات رمضان السورية التي غزت معظم المحطات الفضائية، ولكن اللافت تصدّر بعض الأعمال الدرامية السورية واجهة العرض الدرامي لمعظم هذه القنوات وخاصة بعد السباق الدعائي المحموم الذي سبق عرض أعمالها وشكّلت صدمة بمجرد بدء عرضها ومنها مسلسل “جوقة عزيزة” الذي أثار ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لكونه يجمع بين أجواء البيئة الشامية والغناء، ويحكي ببناءٍ سردي ميلودرامي حياة الفنانة “عزيزة” الراقصة التي أبهرت بجمالها المتنفذين في السلطة خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وحققت مرادها بهزة من خصرها في دمشق…
تبدو دمشق اليوم مفجوعة بكتّابها الدراميين الذين يصرون على تقديم المرأة السورية إما بالملاءة التي تغلفها بالتخلف والجهل والطاعة العمياء للمجتمع الذكوري، أو بتصوير نسائها في البارات والحانات ولهن الأمر المطاع، وترافق هذا الأمر مع إسقاط قوي بتبرير فعل الدعارة كظاهرة مقبولة في المجتمع الدمشقي، فهل هذه حقيقة الدمشقيين؟! أين نساؤها اللواتي بصمن على جدرانها أسماءهن وارتقين بفنهن وأدبهن وبنين فكراً حضارياً مازلنا ننهل منه حتى الآن، لماذا الإصرار على تهميش النساء في مجتمعنا ؟؟
حدث مفترض
قد يبدو للوهلة الأولى أن الكاتب حاول تسليط الضوء على حالة التطور الفني والانفتاح للمسرح بطريقة العمل الاستعراضي وعلى الانفتاح الذي حدث إبان الاحتلال الفرنسي لسورية، لكن الانتقادات التي طالته عبر مواقع التواصل الاجتماعي دفعته للتبرير بأن أي عمل درامي لايثير الجدل لايعوّل عليه!! فإذا كانت غايته تقديم تأريخ دمشق وتوثيقه فهل يكون ذلك عبر هزّ الخصر واستعراض المفاتن خاصة أن عبارة الجمهور (عاوز كده) لم تعد موجودة، فأسلوب الطرح جاء فجاً وغير مبرر، وجعل المشاهد يطرح تساؤلات عن سبب اختيار الكاتب تقديم حكايته عبر راقصة مفترضة في مكان يشبه بتفاصيله شارع محمد علي (شارع العوالم) كما هو معروف في مصر ليبتعد عن واقعية الحدث المفترض للبنية الدرامية..
سقطة فنية
عزيزة التي جسدت دورها الفنانة نسرين طافش لبست ثوباً فضفاضاً في تقديم هذا الدور، وبدت غير مقنعة في الأداء وكأنها تدخل للمرة الأولى كواليس عالم التمثيل، فتراها اعتمدت على الإيحاء بحركاتها وعلى التمثيل بمفاتن جسدها، فأين النص الشائق وأين عبارات الحب المفترضة لحبيبها وألم الفقدان والهجر.. فيما ذهب الاستعراض الباهت للشخصية باتجاه الابتذال في بعض الأماكن، إضافة إلى أنها لم تكن مقنعة بأداء الرقصات المشغولة بعناية من قبل مخرج الرقصات عادل سرحان ولا بالاستعراض البصري الذي أخرجه بجمالية مبهرة وأسقطته طافش بجدارة ،حتى أسلوب الغناء كان ضعيف الأداء وغير معبّر، والأهم أنه لا توجد حكاية شائقة تشّد المشاهد، وكل ما نراه هو حكاية سردية بين شخوص العمل ..
من الزير للطبّال !
لكن الانتقاد الأكبر ناله الفنان سلوم حداد الذي تنازل عن نجوميته ليكون ضارباً للطبل خلف مفاتن الجميلة عزيزة، فالدربكاتي (حمدي حميّها) هو الذراع الأيمن لخوخة -اسم الدلع لعزيزة – وكاتم أسرارها فلماذا يلجأ نجم بحجم سلوم حداد إلى شخصية كهذه بعد التاريخ الفني الذي قدّم عبره شخوصه ببراعة متناهية، فالزير سالم ترّجل عن صهوته وحلق شعره وأغوته مفاتن الراقصة ليقبل بكونه طبالاً لها يدير ماخوراً برفقة عزيزة ..
تنازلات..
فيما تنازل الفنان أيمن رضا عبر العمل عن مبادئه في الغناء بفرقة (خود عليك) ليذهب باتجاه آخر ومختلف عن قناعاته، صحيح أنه استغل بعض مساحاته الكوميدية واستعرضها في السياق الدرامي ونجح في استثمار صوته في الغناء، لكنه لم يفلح في الخروج من عباءة (أبو ليلى) الشخصية التي التصقت به من ناحية الغناء والكاركتر والحركات ..
أما الفنان حسام تحسين بك الذي صرّح مسبقاً بأن التاريخ يجب سرده بحذافيره بغض النظر عن مدى قبول المشاهد له أو رفضه، إلا أنه كان موجوداً، نقول للفنان تحسين بك أنه من واجب الدراما إجراء إصلاحات في مسار نتاجاتها لفتح معابر أخلاق قيمة، ومعطيات نبيلة لها، ودرامانا مازالت لها مكانتها في عيون محبيها، وحتى الآن لا ندري لماذا الإصرار على الربط بين القيم الأخلاقية المبتذلة وأهداف العمل وممازجتها بنفحات وطنية، وخاصة الاستعراضات المثيرة التي تهيج الانتقادات وتثير السخط العام..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار