«التنمر».. بعهدة من؟
جاء رده صادماً ذاك الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره عندما حاول أحد الأصدقاء تنبيهه بلهفة الخائف لضرورة ترك اللعب بكبل كان يتدلى من أحد أعمدة الكهرباء ليمر أسفل الرصيف المحاذي، وحثه على الإسراع بالابتعاد عنه لكيلا يتعرض للأذى لاحتمال أن يكون الكبل منزوع الغلاف في بعض أجزائه، حيث قال الطفل بعدوانية: لا تتدخل «مو شغلتك».
ثارت لدى الصحب أثناء المسير الدهشة من هذا التصرف الذي لا يمكن لأحد أن يتوقع صدوره من طفل بهذا السن، لكن بعد حوار هادئ تم الإجماع على أنه لا عتب على معظم أبناء هذا الجيل الذي نشأ وتربى في ظل ظروف الحرب القاسية والطويلة على سورية.. لكن في المقابل لا بدّ من سبل تربوية للمعالجة.
هذه الظاهرة التي تسمى « التنمر» بدأت تظهر بكثرة مع بدء العام الدراسي الجديد، حيث تسمع الكثيرين من الأهالي يشتكون من خشونة تصرفات بعض التلاميذ منفردين أو مجتمعين مع أقرانهم الأضعف قوة بدنية أو شخصية.. ويتمثل هذا السلوك العدواني إما بالإساءة اللفظية والاستهزاء أو الإيذاء بالضرب.
بعد إدخال التعلم الوجداني الاجتماعي ضمن المنهاج المدرسي لمختلف مراحل التعليم مع بدء العام الدراسي الحالي وبمعدل حصتين في الأسبوع، فإن المأمول أن يتم إيلاؤه الاهتمام المطلوب كركيزة من ركائز التعليم كما عدّته وزارة التربية، لا أن يصبح مجرد إضافة شكلية لا تقدم ولا تؤخر كما الإرشاد النفسي والاجتماعي الذي دخل المدارس وعيِّن له كادر متخصص منذ سنوات طويلة لكنه لم يحقق الأهداف المرجوة منه، والتي يفترض أنها تتلاقى مع أهداف التعلم الوجداني الاجتماعي المتمثلة بتمكين التلاميذ والطلاب من تعلم مهارات التعامل مع الآخر والعمل بروح الفريق، وكذلك تعلم التعاطف والتسامح وتقبل الآخر.
لا شك في أن جهد المدرسة وحده لا يكفي، ولا بدّ من دور أساسي وفاعل للأسرة يتكامل مع دور المدرسة ويتعاون مع كوادرها بشكل يفضي تدريجياً إلى تخليص الأبناء من سلوكيات التنمر العدوانية، ونركز هنا على أهمية تقبل الآباء لملاحظات المعلمين والكادر الإداري وكذلك من هم في الجوار السكني تجاه تصرفات أبنائهم العدوانية والعمل على تقويمها، بدلاً من التصرف بتنمر كما أبناؤهم ورفض التنبيه والنصيحة بشكل يفاقم المشكلة ويعقد المعالجة، علماً أن الخاسر من جراء ذلك أبناؤهم قبل أقرانهم أو مجتمعهم.