الخصم والحكم
إنه لأمر مبشر ملاحظة الإجراءات المشددة التي تتخذها مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك, وبشكل متلاحق مؤخراً لضبط مخالفات الأسواق والفعاليات الإنتاجية في سبيل الحدّ من حالة الفلتان التي استفحلت في الفترة السابقة، وذلك استناداً للمرسوم 8 من العام الجاري الذي سنّ عقوبات شديدة وخاصة حيال المخالفات الجسيمة.
لكن المشكلة في أن فعاليات حيوية حُيِّدت عن مسؤولية الرقابة في تلك المديريات، وعلى سبيل المثال فإن محال الصاغة لا يجوز شمولها بدوريات حماية المستهلك أو دخولها لدى ورود أي شكوى بسبب تقاضي زيادة في سعر غرام الذهب أو أجر الصياغة والتلاعب بالكيل وغيرها، حيث ينبغي إبلاغ جمعية الصاغة المكونة من الصاغة أنفسهم بالأمر قبل أي إجراء، ما قد «يميِّع» الشكوى أو يتسبب في تباطؤ التحرك حيالها بشكل قد يُفشل عملية المعالجة برمتها لاحتمال أن يعلم الصائغ بالأمر بطريقة ما ويتلافى المخالفة.
والحالة تتكرر مع المنشآت السياحية، إذ لا يمكن لدوريات حماية المستهلك أن تشملها بجولاتها الرقابية أو ضبط مخالفاتها في حال ورود شكاوى لجهة عدم الإعلان عن الأسعار وتقاضي زيادة فيها أو وجود مواد منتهية الصلاحية وغيرها، ولا بدّ من أن تتعاون لجنة مشتركة من عدة جهات للقيام بالجولة والنظر بالمخالفة، وهذا ما يجعل التدخل متأخراً ومن دون جدوى للاحتمال الكبير بعلم المنشأة بالجولة وتدارك المخالفة.
والصيدليات أيضاً على المنوال نفسه، فلا يجوز لدوريات حماية المستهلك دخولها وتنظيم الضبوط بمخالفات مثل وجود أدوية ومستحضرات منتهية الصلاحية أو تقاضي زيادة في السعر والامتناع عن البيع وغيرها، ولا بدّ من إبلاغ نقابة الصيادلة ومديرية الصحة في حال تطلب الأمر التدخل من أجل معالجة أي شكوى.
ولتدارك هذا الخلل ينبغي أن تصدر قرارات من الجهات المعنية تمنح الصلاحية لدوريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدخول تلك الفعاليات وتحرّي المخالفات، ولا ضير من عدم تنظيم الضبط لحين حضور مندوب عن الجهات ذات الصلة، وذلك لعدم ترك الأمر مرهوناً بتلك الجهات وحدها لأن المنضوين في عضويتها لديهم فعاليات مماثلة ويتعاطفون مع زملائهم في المهنة، وقد يصابون بالحرج لاحتمال أن تكون فعالياتهم فيها المخالفات نفسها.. بمعنى أنه لا يعقل أن يكون أعضاء الجمعيات والنقابات من أصحاب الفعاليات المشتكى عليها هم الخصم والحكم في الوقت نفسه.. فهل من مستجيب؟.