تساؤلات مُعلّقة بعهدة إجابات وزير الدفاع اللواء أبو قصرة.. توسيع دائرة الوضوح والشفافية ورسائل التطمين بصورتها الرسمية

الحرية – مها سلطان:

أن تسمي الأشياء بمسمياتها ليست مسألة خارجة على السياسة، بل هي في صلبها، الفرق أنها خالية من سلوفان السياسيين، من تنميق وتنميط، لكنها سياسة في نهاية المطاف، ولها زمانها ومكانها وضروراتها، فكيف الحال ونحن نتحدث عن بناء دولة جديدة، بدءاً من الداخل وصولاً إلى الخارج، وبكمٍّ كبيرٍ جداً من القضايا المعقدة والمتداخلة، وهي بأغلبها تأخذ وقتاً وجهداً لا يُستهان بهما، وصولاً إلى النتائج المرجوة التي بدورها تخضع لمسار الوقت والمراحل.

كثير من المسائل بقيت مُعلقة، ما بعد التحرير في 8 كانون الأول الماضي، مُضافاً إليها مسائل أخرى بحكم وجود قيادة جديدة، وما يترتب على عملية ترتيب الأوضاع الداخلية في دولة أوصلها النظام السابق إلى حافة الانهيار، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، وبالأخص الوضع المعيشي.

كل هذا وغيره، بمستوييه الداخلي والخارجي، تحرص القيادة السورية الجديدة على تقديم إجابات له، والبارز الأهم في هذه الإجابات أنها تأتي مقترنة بإجراءات تنفيذية على الأرض، وتكاد تكون شاملة.. ومع ذلك لا بد من تقديم إجابات، وهذا لا ينتقص من الجهد الهائل الذي تقدمه القيادة الجديدة بجميع أركانها كونها إجابات تقتضيها ضرورات توسيع دائرة الوضوح والشفافية في صورتها الرسمية، من قبل قيادات ومسؤولين ومكلفين ومعنيين.. الخ، كلٌّ في مجال المهمة المكلف بها، وهذا يقود في نهاية المطاف إلى الهدف النهائي وهو توسيع دائرة التطمين، التهدئة، الأمن، الاستقرار، وتعزيز أركان الوطنية والتلاحم والسيادة، وصولاً إلى تحقيق علاقات متوازنة وقوية على المستوى الخارجي.

توسيع دائرة التركيز والتوضيح
ضمن ما سبق، جاءت مقابلة وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة مع التلفزيون العربي مساء أمس الثلاثاء، والتي تندرج في سلسلة مفتوحة من اللقاءات التي تحرص عليها القيادة الجديدة في إطار الإجابات وتوضيح المواقف والسياسات بصورة رسمية.

بالعموم تبدو جميع القضايا، داخلياً وخارجياً، على المستوى نفسه تقريباً بالنسبة لسوريا الدولة من جهة، وبالنسبة للسوريين من جهة ثانية، وإن كانت القضايا الاقتصادية/ المعيشية تبدو أهم، لكن السوريين في أغلبهم اتسموا، وما يزالون، بأنهم بطبعهم وتفكيرهم يوسعون دائماً دائرة التركيز والاهتمام، للوصول إلى أوسع وعي وفهم ممكن، لذلك يتابعون كل شاردة وواردة، كل صغيرة وكبيرة، فهم مَعنيون معاً يداً بيد، للمساهمة في بناء الدولة، وهم يريدونه بناء سليماً صحيحاً هذه المرة، بعيداً عن الأمراض المزمنة التي زرعها النظام السابق بينهم، وعلى مستوياتهم كافة، من الفوارق الطبقية والمالية وصولاً إلى الطائفية القاتلة التي نشرها عامداً متعمداً وفق خطة ممنهجة.

لذلك يقول اللواء أبو قصرة في لقائه مع التلفزيون العربي إن اسقاط النظام لم يكن النجاح/الإنجاز الوحيد بل كان هناك إنجاز آخر هو القدرة على تحقيق استقرار نسبي، فإسقاط النظام لم يَقُد إلى مشكلات كبيرة، خصوصاً على المستوى الأمني، فجميع السوريين يلمسون هذا الأمر ويرون كيف أن الاستقرار يتحسن يوماً بعد يوم.

بين الشعب والجيش
مع هذه المسألة – وهي في غاية الأهمية بل لها المقام الأول خصوصاً في ظل إشكالات أمنية تبرز هنا وهناك، وليس هذا أمراً مستغرباً أو غير متوقع، بل تحتمه طبيعة المرحلة، بل كان المتوقع أخطر من ذلك، ولكن ما حدث هو العكس حيث أظهر السوريون وعياً وتلاحماً كبيرين.. مع هذه المسألة ركز اللواء أبو قصرة على مسألة أخرى بجانبين، الأول متعلق بالمستوى الشعبي/ الداخلي نفسه، والثاني متعلق بالمستوى الخارجي.

ففي التساؤل الذي طرحه كثيرون حول قرار إلغاء التجنيد الإجباري، وبالتالي هيكلية الجيش الجديد وعقيدته ومهماته ودوره.. الخ، أعاد اللواء أبو قصرة التأكيد على الجانب الشعبي، مؤكداً أن قرار إلغاء التجنيد هدفه ترميم الفجوة بين الشعب والجيش، وتصحيح الرؤية السلبية جداً التي كرسها النظام السابق ما بين الجانبين، فعلى المستوى الشعبي كان هناك كراهية للجيش بسبب ممارساته التسلطية/ القمعية/ البلطجية بحق المواطنين، وصولاً إلى الإبادة في سنوات الحرب الـ14 الماضية، وعلى مستوى الجيش بات هناك في صلب عقيدته أن دوره يتلخص في هذه الممارسات، طالما أن دوره وسلاحه بات ينحصر في الداخل مع «تجميد ما يسمى مسار القتال ضد العدو الخارجي». لذلك لا بد من ترميم الفجوة وتصحيح الرؤية وبناء الثقة عبر إعادة هيكلة الجيش وتصويب عقيدته ودوره.

وهذا يستدعي تنظيم عدة أمور من بينها الفصائل المسلحة، وبينها الكردية، وكذلك عملية التسوية لعناصر وضباط جيش النظام السابق، ودور الضباط المنشقين، وصولاً إلى وجود عناصر أجنبية ضمن تشكيلة الجيش الجديد.

وحول ذلك يقول اللواء أبو قصرة: التقينا مع أغلب الفصائل المسلحة وشرحنا لهم رؤية وزارة الدفاع وأجبنا على كل استفساراتها، وتقييمنا أنها أبدت تفاعلاً إيجابياً باتجاه الانتقال والانخراط في وزارة الدفاع، مشيراً إلى أن هذه العملية ستكون ضمن آلية مؤسساتية قانونية. ويضيف بأن الأولوية هي بناء وتنظيم القوة المسلحة على أسس سليمة وخلق حالة صحية لضبط وانضباط هذه القوة وزرع عقيدة عسكرية قائمة على الدفاع عن الشعب والدولة. ويتابع: يجب أن ننطلق بشكل صحيح ولا يجب أن يتعارض أي شيء مع هذا البناء الصحيح.

بالتوازي تستمر عملية التسويات لقوات الجيش السابق، ومنحها بطاقات مؤقتة، والغاية من ذلك كما يوضح اللواء أبو قصرة هو المحاسبة وضبط أي فوضى محتملة، أي محاسبة من ارتكب جرائم بحق السوريين، بمعنى أن تسوية الوضع ليست إعفاء من المسؤولية أو عفواً عن الجرائم، بل هي التحديد والتدقيق فلا يُظلم أحد، ولا يفلت أحد من العقاب.. وتالياً هذا يقود إلى ضبط عملية الفوضى المحتملة في هذه المحاسبة، التي لا بد أن تتم عن طريق المؤسسات القضائية والقانونية، وليس بصورة بينية، أي تصفية الحسابات بصورة شخصية/فردية يبن الناس.

أما ما يتعلق بالضباط المنشقين، فلن يكون هناك أي استبعاد لهم، وفق ما يؤكده اللواء أبو قصرة، مشيراً إلى أنه تم اللقاء مع وفد من هؤلاء وأنه سيتم التعامل معهم سواء من هم في الداخل أو في الخارج وسيكون لهم دور كبير وفاعل في الجيش ولكن على مراحل.

رسائل تطمين للجميع
وفي مسألة أخذت كثيراً من الجدل والنقاش وُوضعت عليها عدة علامات استفهام، بل وصل الأمر إلى حد التحريض والتشويش من بوابتها، وهي مسألة العناصر الأجنبية في الجيش الجديد، خصوصاً بعد ما يسمى «عملية الترفيعات» التي جرت قبل نحو أسبوعين، وشملت عدداً منهم. في هذه المسألة يقول اللواء أبو قصرة: إن أعداد هؤلاء قليلة، ووجود عناصر أجنبية موجود تقريباً في كل الجيوش، ويضيف: هؤلاء قدموا تضحيات في سبيل سوريا وهم على درجة عالية من الوعي والالتزام بالسياسة والمصالح السورية بما فيها العلاقات مع الدول، وهم ليسوا مصدر تهديد لأي دولة.

المسألة التي هي أيضاً في صلب هيكلة الجيش وبنائه هي الفصائل الكردية، وضعها وتموضعها ودورها، وفي هذا يؤكد اللواء أبو قصرة على ضرورة أن ينخرط المكوّن الكردي وجميع الفصائل الأخرى في الجيش الجديد تحت المظلة المؤسساتية، وليس كجسم مستقل/خاص.

ويوضح بأن التفاوض مع المكون الكردي مهم جداً وهو ملف تتولاه الرئاسة حصراً، نافياً وجود توجيه من الرئاسة حتى الآن باستخدام القوة العسكرية لمعالجة هذا الملف، مشيراً إلى أن جزءاً من التفاوض مع المكون الكردي يتركز على السجون وعملية تسلمها واحتواء أي مخاطر محتملة لإمكانية إطلاق أو فرار سجناء منها، في إشارة إلى عناصر تنظيم «داعش» الذي ما تزال محاربته أولوية للقيادة الجديدة، كما يؤكد اللواء أبو قصرة.

إيران وروسيا
وفيما يخص الخارج، جدد اللواء أبو قصرة أن توجه القيادة السورية هو تطمين الجميع بأن سوريا لن تكون منطلقاً لأي تهديد لأي دولة، بل الهدف هو تحقيق علاقات إيجابية متوازنة تحقق مصالح سوريا، تحقق الأمن والاستقرار في سبيل تحقيق التنمية الاقتصادية، ودول الجوار لها دور في ذلك.

وفيما يخص روسيا وإيران، يقول اللواء أبو قصرة أن هناك تفاوضاً مع الروس ولكن الشكل النهائي للوجود الروسي غير واضح حتى الآن، مشيراً إلى أن هذا الوجود يقتصر حالياً على حميميم وبانياس.

أما إيران فنحن لم نتعد عليها، بل هي من تعدت على سورية الدولة والشعب ومارست الإبادة مع النظام السابق، يقول اللواء أبو قصرة موضحاً أن التعامل مع الملف الإيراني هو من مهام الدولة الجديدة. ودعا إيران إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية وبناء علاقات دبلوماسية صحيحة مع الإدارة الجديدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار