“مخدرات إلكترونية” بين أيدي أولادكم فاحترزوا.. السيطرة على المشاعر والعقول تحت غواية الاسترخاء والهدوء.. لا تأمنوا التكنولوجيا الغادرة

تشرين – إلهام عثمان:
مخدرات إلكترونية.. تحت مسميات رومانسية وهادئة والنوم من دون حبوب مهدئة للذين يعانون الأرق, لكنها في حقيقة الأمر تستقطب المتلقي بهدف.. “الاستيلاء على التفكير وسلب الإرادة”, فهي تجذب الصغار والكبار, على مبدأ طبخ الضفدع حياً.. ففي البداية تشعر بالاسترخاء والحماسة, وبينما يلعب الضفدع في الماء يتم إشعال النار الهادئة تحته, وتسخن المياه والضفدع يلعب ويمرح إلى أن تصل لدرجة تسبب له حالة شلل كامل, فلا يستطيع الضفدع الحراك ويقع في الفخ ويتم طبخه حياً ..
فاحذروا أنتم وأولادكم وأصدقاؤكم من أن تكونوا ضحايا لمثل هذه المخدرات الشديدة الخطورة ..
لكن .. ما يبعث على القلق هو أفعال قد تستفز البعض أو حتى لا تسترعي انتباههم لكنها قد تستهوي آخرين, من أشخاص لا يفعلون شيئاً أكثر من الهمس أو المضغ أو النقر بأصابعهم على أسطح مختلفة، ظاهرة فرضت وجودها بقوة وخاصة على «يوتيوب», لنجد الآلاف من المتابعين يبحثون عن أوهام وخدع السعادة والاستمتاع من خلال فيديوهات.. وهي تجربة حسية يقصد بها السيطرة على العقل وإتلاف التلافيف المخية تحت مسمى«النشوة الدماغية».
إحدى متابعات هذه الظاهرة (م. ص) عاملة في الخياطة في الأربعين من عمرها, صرحت لـ”تشرين” بأنها تعمل لساعات طويلة وراء ماكينة الخياطة, ما يجعلها غاضبة ومستاءة بعض الشيء من التعب والجهد, وفي تلك الحالة من الطبيعي أن تعود للنوم فوراً إلا أنها على حد وصفها لا تستطيع النوم بسبب التفكير الكبير، ما يجعلها قلقة ومتوترة, فتلجأ إلى أقراص المنوم. وتضيف: ذات يوم وبالمصادفة شاهدت أحد فيديوهات الوشوشة أذكر حينها كانت فتاة تتكلم بصوت خافت وهادئ جداً, ومن دون أن أشعر وجدت نفسي غرقت في النوم, مبينةً أنه إضافة لتحسن مزاجها، فالاسترخاء الذي بحثت عنه في أقراص المنوم والمهدئات, وجدته في “وشوشات” لدرجة التخلي عن أقراص المنوم بشكل قطعي.. لكنها كانت تجهل إلى أي مكان وتلف تأخذها إليه من دون أن تشعر

شركات كبرى حول العالم أخذت تروّج في الآونة الأخيرة للمخدرات الإلكترونية بهدف السيطرة على المشاعر ثم الدماغ

أما الحالة الثانية فتحدثنا (أم جابر) في الخمسين من العمر التي كشفت لـ”تشرين”عن سبب تعلقها بهذه “الوشوشة ” قائلة: حقيقة الأمر أنني أستمتع برؤية وسماع الأشخاص وهم يأكلون ويمضغون الطعام, فهم يعرضون ما لذّ وطاب من أصناف وخصوصاً الأطباق الكورية، وتضيف وهي حزينة ومبتسمة في آن واحد: إن لم نستمتع بالأكل يمكننا أن نستمتع بسماع ورؤية ما يأكلون, ما يجعلني سعيدة… هكذا يتم استلاب العقل واستدراجه من دون مقاومة.

استلاب العقل وتخديره
الدكتورة مريم الحاج عثمان الاختصاصية في الإرشاد الأسري, أوضحت أن هذه البرامج الإلكترونية يقصد بها (الاستجابة الزوالية الحسية الذاتية), التي تتنوع بين المسموعة وهي الأكثر شهرة والمحسوسة والمرئية, وينبعث الشعور من مستثيرات من أشخاص يهمسون أمام الكاميرا بميكروفونات ثلاثية الأبعاد, لالتقاط صوت أنفاسهم وأنعم الأصوات وأرقها.
ووفق رؤية الاختصاصية فإن الهمس أهم سماتها وهو موجود في كل المقاطع على اختلافها, قد يقترن الهمس بحركات تشبه المسح على الشعر أو الطبطبة على الوجه, وتقليب صفحات كتاب, من أشخاص يمثلون أدواراً مثل طبيب يفحصك أو كوافير يقص شعرك أو موظف يستقبلك في الفندق، من خلال تطويع المحفزات السمعية والبصرية, لإعطاء المتلقي شعوراً بالاهتمام الشخصي, وهذا ما يؤدي الى اختراق العقل من دون مقاومة.
ووفقاً لعثمان يشعر مشاهدو هذه المقاطع بدغدغة أو قشعريرة أو وخز في مؤخرة فروة الرأس، يمتد إلى العمود الفقري، وقد يصل إلى الأطراف وهو شعور يكون بداية دافئاً ومريحاً وممتعاً للغاية, ويلجأ إليها بعض الأشخاص كطلاب المدارس أو الموظفين بحثاً عن الهدوء والاسترخاء والخلاص من التوتر والضغط اليومي, من خلال محفزات في نهاية الأعصاب تعطي المتلقي الشعور بأنه «مخدر».. ويتم الاستيلاء على عقله وخرق الفقاعات المخية لديه والتحكم بأفكاره ومشاعره للسيطرة عليه فيما بعد.

الصوت الانتقائي
معظم مشاهدي المقاطع في البدايات تحسن شعورهم بعد المشاهدة، وفق رأي عثمان، بمن في ذلك أشخاص يعانون من الاكتئاب المبدئي, وفي ظل المحاولات البحثية الوليدة التي تتناول هذا الموضوع, والتي لم تعط أجوبة نهائية أو قولاً فاصلاً في الأمر، تعطينا عثمان تفسيراً بسيطاً قد يشرح لجوء الملايين هو ما يسمى «المشاعر المكافئة».

اختصاصية: الهمس أهم سماتها وقد يقترن بحركات تشبه المسح على الشعر أو الطبطبة على الوجه

تصل إلى حد الإدمان
تؤثر المشاعر المكافئة في الدماغ أو المناطق خاصة في الدماغ والمسؤولة عن إحساس بأن الشخص يكافئ نفسه بالسعادة والشعور وبالاهتمام, من خلال فرز الدماغ هرمون السعادة وخاصة هرموني الدوبافين والأندروفين اللذين يفرزهما الدماغ كلما تعرض لمحفزات معينة، وكلما ازدادت المحفزات كثر إفراز الدماغ لها لتصل إلى حد الإدمان والسيطرة على العقل بشكل كامل.

التحكم اللاإرادي بأفكار الأطفال
بينما يكون الطفل إلى جوار أمه وأبيه ويعتقدان أنه بأمان, تكون مقاطع الفيديوهات التي يمكن أن يتعرض لها قد خطفت أفكاره إلى البعيد, وباتت من الصعوبة إعادة التحكم بمشاعره وأفكاره إلا أن استخدام التكنولوجيا والإنترنت لأوقات طويلة, أو كلما شعر الشخص بضغط أو غضب توجه لمشاهدة الفيديوهات, وبالتالي إضاعة للوقت, ووفق رؤية الاختصاصية عثمان، فإن مشاهدة الطفل لها من دون مراقبة ووعي من الأهل قد يؤدي إلى تعرض الطفل لمشاهدات “غير لائقة”, وخاصة الأطفال المصابين باضطراب التوحد, فطبيعة المصابين بهذا الاضطراب أساساً لديهم مشكلة في المدخلات الحسية بحيث تكون أقوى من الأطفال العاديين فكيف إذا زادت تلك المدخلات بشكل كبير و”دفعة واحدة”, وبالتالي دخولهم في مرحلة القلق والتوتر ونوبات من الغضب.

“وشوشة” لجني الأرباح
ونوهت عثمان إلى أن ثمة شركات كبرى حول العالم تخوض تجربة هذه البرامج لتسويق منتجاتها, وتعد هذه التجربة فكرة جديدة بحد ذاتها.

أطفالنا يستحقون الأفضل
وشددت عثمان على أنه يجب على الأهل الاهتمام أكثر بالأطفال وإعطاؤهم البدائل, بتخصيص مزيد من الوقت للاهتمام بهم لأنهم يستحقون الأفضل، خاتمةً بأن هذه البرامج ظاهرة دماغية حسية “جديدة وخطرة” تحمل مستثيرات تحفيزية تشعرنا بالهدوء وتخفف من ضربات القلب والخفقان، وبالتالي التخلص من الاكتئاب المبدئي, ونحن كبشر بحاجة لها، وتعود لتقول: لكن أيضاً هناك ربما سلبيات وتداعيات خطرة هي السيطرة على التفكير والمشاعر وإلغاء العقل لدى المتلقى كما تفعل المخدرات المعروفة وغير ذلك من خبايا لم يكتشفها العلم ولم يلق عليها الضوء بعد.

احذروا.. أنفسكم وأولادكم من برامج استلاب العقل على مبدأ طبخ الضفدع حياً

وحسب رأي الخبير الاجتماعي الدكتور نصر الأحمد يحدثنا أنه بغض النظر عما قد تلحقه الشركات العالمية الكبرى من أذى لاحق على المتلقي, فتلك الشركات ما يهمها أولاً وأخيراً هو جني الأرباح, ويعود الأحمد ليوضح فكرة هذه البرامج بأنها شعور المتلقي بدغدغة ثم الاسترخاء هو فكرة راودت بعض الأهالي للجوء إلى تلك التقنية الحسية مع أطفالهم, بهدف تحسين مزاجهم، ولجعل الطفل يشعر بالهدوء والأمان اللذين يشعر بهما عند مشاهدة «الفيديوهات ».
من جانبها تنوه عثمان إلى أنه ما علينا سوى استخدام البدائل البسيطة, لتجنب تلك الفيديوهات وما تحمله من ملحقات سلبية لأطفالنا، من خلال وضع وسادة تحت رأس الطفل وتدليك فروة الرأس بهدوء, أو الطبطبة بشكل مريح وهادئ على وجنتيه, أو تمرير الأصابع للأعلى والأسفل على وجهه والرقبة لدغدغته, وفق رأي عثمان بالتالي تتنبه النهايات العصبية فيشعر بالوخز والتنميل الذي تؤديه تلك البرامج الخبيثة فذلك يشعره بالاسترخاء والنوم، وتوضح الاختصاصية أنه من خلال المشاعر اللطيفة فإن اللاوعي والعقل الباطن البشري وخاصة عند الكبار الذين يحبون ذلك الشعور فيعودون بذاكرتهم إلى مرحلة الطفولة, كيف كان الآباء يهتمون بهم ويطبطبون عليهم بلمسات خفيفة وكيف كانوا يحكون لهم قصص ما قبل النوم بصوت خافت فيشعرونهم بالحنان عن طريق تخيل ضم الآباء لهم فيحبون ذلك الشعور لأنهم يهربون من خلاله من المسؤولية فيشعرون بالاسترخاء والاستقرار.

الأنشطة الحسية التحفيزية للأطفال
وللتخلص من مشاعر الغضب وتفريغ طاقة الطفل, نوهت عثمان إلى اللعب بالرمل, والماء, والصلصال, والتلوين الفوضوي والعشوائي بالأصابع وليس الريشة, والتقاط أوراق الأشجار والحجارة, كل ذلك يزيد من تركيزه في الدراسة والتعليم ويحسن مزاجه ويكون ذلك بديلاً لمخدرات التكنولوجيا..

كما أن التسوق وجعل الطفل يختار الهدايا بنفسه يشعره بالإنجاز فيفرز هرمون الديبوفين لشعوره بالسعادة والمكافأة بالموسيقا الهادئة, كذلك فإن ضم الطفل بأجواء خافتة يجعله أكثر هدوءاً ويشعره بلأمان والدفء الذي يستحيل أن يعوض عنه أحساس آخر وتحت أي مسمى.. فاحذروا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار