الوقاحة بالمفاهيم ‏

تشرين- ‏ ادريس هاني ‏:
ليست الفلسفة وحدها، فالحكمة حين يستعملها ابن النهضة الغربية نفسه، فهي زبدة المعرفة، فلنقل ‏إنّ الفلسفة مذ كفّت أن تكون حكمة وهي تفقد مناعتها ضدّ الوقاحة، لنتذكر إيراسموس دي روتردام ‏في مدح الحماقة، حين يعلنها صراحة: (‏La sagesse, au contraire, rend timide‏)، أجل، ‏الحكمة تجعل الإنسان خجولاً، وهذا مؤشّر على ثقل القلق الذي يحمله الحكيم تجاه المعرفة ‏والوجود.‏
فرق كبير بين أن ينمو ذهنك في حشد داخل الآغورا، وأن ينمو في حشد من «الحلقة»، فهذا ما ‏يجعل الفلسفة نفسها حين تسكن ذهنا «حلقويّا» تصبح : (‏philosophie en réclame‏)، وهي ‏كبضاعة في سوق التخفيض، وبكل المقاسات، ويرافقها العويل، وغالباً ما تختلط بالدعاية نفسها ‏لأردأ السلع، وهكذا حين ننزل إلى سوق التخفيض، تختلط الأصوات، وتتقلّص المسافة بين دواء ‏الفلسفة ودواء البرغوث.‏
لا أوقح من جعل الفلسفة مجالاً للحسم في المعرفة والوجود، فهي كطريقة متقدّمة في التفكير، ‏تساعد الفكر على اختراق البنيات العميقة للبداهات التي تكرسها التعاقلات المتراكمة، والتي يجعل ‏منها تاريخ الأفكار يقينيات كُبرى، إنّ فنّ التّساؤل هو جوهر الفلسفة، لأنّها بهذا المعنى تفتح أفقاً ‏أمام تبلّد أحاسيسنا تجاه الوجود. ‏
إنّ الفلسفة وإن كانت صناعة للمفاهيم كما عند جيل دولوز وفيليكس غاتاري، وهذا تحصيل ‏حاصل في تعريفها، لأنّها تتأطر بالقاطيقورياس، فهي أبعد مدى من المفاهيم، لأنّها هي من يدير ‏لعبة المفاهيم، وهي من تمنح المفهوم شهادة ميلاد أو شهادة وفاة، وهي أحياناً من يلعب بين تخوم ‏المفاهيم، ولكننا حين نصبح أمام تمثّلات من نفايات القاطيقورياس، وتدخين أعقاب المفاهيم، حين ‏تصبح الفلسفة وقاحة بالمفاهيم، وجب على الفيلسوف أن يكسر حاجة الخجل ويسهم في الدفاع عن ‏آخر قلاع المعنى، وإلّا انهار العمران البشري وما تبقّى من رفات العقل.‏
كاتب من المغرب العربي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار