ترامب: أحكم بغريزتي!!‌‌‏

‌‏في مقابلة قديمة مع دونالد ترامب أوردها الصحفي بوب ودوورد في كتابه الحديث «الحرب»، في ‏هذه ‏المقابلة سأل الصحفي رجل الأعمال الناجح «كيف تتخذ قراراتك؟» فأجابه ترامب بكل ‏تلقائية ‌‏«أعتمد على غريزتي، أمتلك غريزة تدلني على القرارات المفيدة والجيدة لمصلحتي»، ‏وعندما ‏لاحظ ترامب استغراب الصحفي راح يشرح له «أحسّ أن غريزتي تراقب الحياة، ‏تسمع الكبير ‏والصغير، وتنتبه خاصة لأولئك المنهمكين في الحياة، ثم تفرز وتدرس كل ذلك، ‏وتقودني إلى ‏القرار الجيد، دائما أتبع غريزتي وأفوز وأربح»، حاول الصحفي الفهم أكثر ‏وسأله: «طيب من تسأل ‏إذا كنت بصدد قرار مهم؟»، فأجابه: «أسأل الناس، أسأل كل من ‏أصادفه»، ويروي ترامب مثالاً ‏ليؤكد استراتيجيته قائلاً: «مثلاً عندما كنت بصدد شراء منزل في ‏فلوريدا، وأثناء بحثي عن هذا المنزل ‏المناسب، سألت سائق تكسي، ما أجمل وأحسن بيت ‏في فلوريدا؟ ببساطة أجابني السائق ‏مارالاغو أجمل بيت بالكون وليس في فلوريدا فقط، ‏فقلت له: خذني إليه، وبالفعل أخذني إليه، ‏سحرت بالبيت واشتريته، رأي سائق التاكسي كان ‏صحيحاً حول البيت، وكان متوافقاً مع ‏غريزتي، وكانت صفقة مهمة ورائعة».‌‌‏ 

‌‏ ‏ترامب الذي شغل فوزه بالانتخابات العالم، وبدأت الدول والقيادات تفكر بمدى وباتجاه تأثير ‌‏قراراته على العالم، ترامب هذا يتبع غريزته، وربما يلحق رأي سائق تكسي أو ساقٍ في ‏بار، ‌‏«أما قيادة عظيمة فعلاً!!» ونهجه هذا مثبت عليه في فترة حكمه الأولى، حيث الكل ‏اشتكى من أنه لا ‏يستمع إلى مستشاريه الخبراء، ولا يقرأ التقارير الرسمية، يقيل وزراءه برسالة عبر ‏«واتس آب»، هذا ‏في ولايته الأولى، فكيف بعودته الانتقامية الظافرة؟! من الواضح أن شعار ‌‏«لنجعل أميركا عظيمة ‏مرة أخرى» معناه الحقيقي لدى ترامب هو«سأحكم أميركا بغريزتي»، ‏وسأجبر العالم على اتباعها ‏والخضوع لها.. إنها الترامبية الجديدة!‌‌‏ ‏

‌‏ ‏لكن لا يجوز الاستهانة بهذا الرئيس الأميركي «المؤمن بأن الله نجاه من الاغتيال» ليحكم ‏أميركا ‏بغريزته المباركة والظافرة، ويجب على الجميع التعامل بجدية فائقة معه لأنه خطير، ‏ولا يتوانى ‏عن اتخاذ قرارات متهورة، والتعاون الجدّي معه يستلزم فهم توجهاته ومعتقداته ‏السياسية.‏

وبالنسبة ‏لنا كعرب وبالنسبة لقضيتنا الأساسية فلسطين، فإن ترامب ليس منحازاً لـ«إسرائيل» ‏فقط، بل هو ‌‏«يدعم فوز إسرائيل على أعدائها»، وإذا كان الآخرون في الغرب يدعمون ما ‏يسمونه «حقها بالدفاع ‏عن النفس»، فهو يدعم فوزها علينا، يريدها الفائزة دائماً، وربما يطلق ‏يدها في الاستيطان، ‏ويمكّنها من بسط سيادتها على الضفة، ولا نعرف بعد مدى تمسكه بحل ‏الدولتين، ولا بشكل ‏الدولة الفلسطينية الممكن أن يقبل به، وربما لذلك استبق العرب دخوله ‏البيت الأبيض بعقد قمتهم، ‏التي أصدرت بيانها ‏بمطالب كلها تدور حول حق الشعب الفلسطيني ‏بدولة كاملة السيادة على ‏أراضي عام سبعة وستين، فهل يحترم ترامب قرارات قمة الدول العربية ‏والإسلامية؟، وهل يفهم ‏أن لا أمن ولا استقرار لـ«إسرائيل» إلا بإعطاء الشعب الفلسطيني ‏حقه، وتمكينه من إقامة دولته؟ هل ‏تفهم «غريزته» أن هذا هو المفيد والناجح له إن أراد أن ‏يسجل في تاريخه إنجازاً في سلام ‏المنطقة، أم إن «غريزته» غير مهتمة بالتاريخ؟!‌‌‏ 

‌‏ ‏المصيبة أن ترامب يريد من أميركا، ومن ورائها العالم، أن ترقص مثله، رقصة النصر التي ‌‏رقصها، والتي أصبحت «النشيد الوطني الأميركي» لأنصاره بسبب فوزه، والكارثة أن عالم ‌‏ترامب يظن أنه وحده لديه غريزة يتبعها، متناسياً أن الشعوب، وخاصة الشعب العربي، تمتلك ‌‏ضميراً تحركه حضارات ورسالات، فالشعب العربي يمتلك ضميراً وليس غريزة، والفرق ‏كبير ‏وكبير جداً.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار