قطاع الأعمال السوري على مفترق “يكون أو لا يكون”… الغرف التجارية خالية من الخبرات القادرة على قيادة الاستثمار الرقمي والتشكيل الوشيك للمجالس قد يكون فرصة استدراك إستراتيجية
تشرين – خاص:
الطريق إلى مبنى غرفة تجارة دمشق صعب ومزدحم، ولعل الدعوة لاجتماع الغرفة تشكل عبئاً على كل من ينوي الحضور.. فهل ما زالت غرفة تجارة العاصمة وأخواتها في المحافظات رهينة “فيزياء المكان” وإشكالات المواصلات…في زمن التقنية الذكية، وفي وقت يجب أن تخرج الحلول واجتراحاتها من عقول أصحاب “البزنس المرن” الذين يُفترض أن يكونوا رواد التفكير من خارج الصندوق ؟
بطء في زمن سباق المسافات الطويلة
لا يمكن أن نتفهم في زمن تزاحم الأفكار والمبادرات..بل السباقات نحو الاستثمار الرقمي وتوظيف الرساميل في قطاع يبدو واعداً جداً، لا يمكن فهم أن تكون “طبقة التجار” بتمثيلهم الهيكلي الممأسس، آخر من يطرق بوابات التقنية الذكية،على الأقل لاستثمارها خدماتياً وتنظيمياً في سياق أعمال غرف التجارة وغرف التجارة والصناعة المشتركة في بعض المحافظات…على الرغم من أن هذا الجانب يجب أن يكون قد أُنجز تماماً، وبات التفرغ كاملاً للتطلع نحو ” البزنس الرقمي” الذي ما زالت الغرف التجارية والصناعية أيضاً بعيدة عنه كل البعد..!
• لا يمكن فهم أن تكون “طبقة التجار” بتمثيلهم الهيكلي الممأسس، آخر من يطرق بوابات التقنية الذكية
فلا يمكن أن نتفهم أن تكون أبسط و”أفقر” مؤسسة حكومية في سورية، قد تجاوزت على مستوى التحول الرقمي، أكثر غرفة تجارة تدعي أنها قطعت شوطاً في هذا المضمار الواسع..!
وسيكون في الأفق الكثير من الإحباط بانتظار كل متابع، إن لم تنفض الغرف التجارية “غبار ودخان الحطب” عنها، وتسارع لولوج العالم الرقمي، في زمن التحول وأتمتة – حتى الأوكسجين – الذي نتنفسه نحن بني البشر..
• سيكون في الأفق الكثير من الإحباط بانتظار كل متابع إن لم تنفض الغرف التجارية “غبار ودخان الحطب” عنها.. وتسارع لولوج العالم الرقمي
استثمار المستقبل
لا يجوز ولا يمكن أن تبقى الغرف التجارية والصناعية، تدور في دوامة الأداء التقليدي الميكانيكي، وتتجاهل التطورات المتسارعة في عالم الاستثمار الرقمي، فالأمل معقود على هذه الاستثمارات وهي الأهم في عالم اليوم.
ولا بدّ أن تستدرك غرف ” البزنس التجاري والصناعي أيضاً”، وعلى المتمولين والعقول التجارية المرنة، التي تجيد قراءة المستقبل وأولوياته – ونفترض أن لدينا من يحسن قراءة “شيفرة الاستثمار المقبل”، أن تستعد للاستثمارات الذكية بمصافحة دافئة وتصالح كبير، أي المبادرات الاستثمارية في مجال التحول الرقمي، يجب أن تنطلق من داخل الغرف التجارية والصناعية أولاً، فكيف وهذه الغرف ما زالت مترددة في تهيئة نفسها وأدواتها للتماهي مع نموذج عالمي لن يعترف بمن يصر على السير ببطء السلحفاة.
فرصة مناسبة
لعله من المناسب أننا ندفع بوجهة نظرنا – ولو بقليل من القسوة- ونحن على أبواب تشكيل مجالس إدارات الغرف التجارية في المحافظات، مع نهايات الانتخابات.
فالمناسبة فرصة جداً مؤاتية لاستدراك كل الفجوة الرقمية والتقنية التي تعصف بغرف التمثيل التجاري..ولاحقاً الصناعي، وهذا لن يكون ممكناً إلا عن طريق حصّة الحكومة وذراعها وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في قوام مجالس الغرف وحتى اتحادها العام.. ولاحقاً وزارة الصناعة واتحاد غرف الصناعة السورية.
أي ربما يكون من المفيد والمطلوب بكثير من الإلحاح، أن تسمي وزارة التجارة الداخلية أحد أعضاء كل غرفة، كعضو نوعي متخصص في مجال تقانة المعلومات..أي مهندس احترافي وصاحب “بزنس” في هذا المجال…عندها نكون فعلاً قد خطونا خطوة مديدة باتجاه تحويل غرف التجارة إلى فاعل لا مجرد منفعل، في عالم التحول الرقمي وتوطين أرقى منتجات تكنولوجيا المعلومات، ومن ثمة لتكون الغرف بوعيها وقوامها الجديد نواة الانطلاق نحو الاستثمارات المنتظرة في هذا المجال.
• المفيد والمطلوب بكثير من الإلحاح، أن تسمي وزارة التجارة الداخلية أحد أعضاء كل غرفة، كعضو نوعي متخصص في مجال تقانة المعلومات..أي مهندس احترافي وصاحب “بزنس”
ولن تكون الغرف قادرة على النهوض باستحقاق كهذا، إلا عبر أحد أعضاء مجالسها – عضو احترافي – معلوماتي التخصص والاستثمار والأفق، وسيكون أمام هذا العضو أن يقود العمل التجاري باتجاه مستقبل التحول الرقمي لاستدراك ما فات، وهو كثير.
الانطلاق من داخل الغرف
من الجميل والمهم والواجب أن تستطيع الغرف عقد اجتماعاتها بطريقة “أون لاين” بعيداً عن مغبة التورط في التنقل للوصول إلى حيث فيزياء مكان الاجتماع…وهذا سينجزه إصرار العضو المختص الذي ننتظر تسميته.. وهو المدير المفترض لإدارة التقنية ضمن “مؤسسة التجار”، والخروج بها من دوامة التقليدية التي لم تعد مقبولة ولا لائقة في هذا الزمن المتسارعة لحظاته بشكل صاروخي.
كما أن تجاوز حقبة العشوائية و بدائية الأداء وتنظيم الأعمال، لن يكون ممكناً إلا عبر عضو متخصص يقود حملة الارتقاء بأداء الغرفة، من المسارات التقليدية البائدة، إلى الفضاء الرقمي وخدماته السخية التي يتيحها لكل من امتلك مفاتيح الانطلاق الواثق.
هل لدى الغرف “داتا” جاهزة لمختلف تفاصيل أعمالها..وهل لديها منصات إلكترونية كما لدى الجميع تحمل البنية التحتية الرقمية للتخاطب أولاً..ولتصنيف المنتسبين ثانياً..ثم لإتاحة أدوات التواصل والاتصال المستمر والدائم بين الأعضاء فيما بين بعضهم بعضاً، وبينهم وبين غرفهم.
• هل لدى الغرف “داتا” جاهزة لمختلف تفاصيل أعمالها..وهل لديها منصات إلكترونية كما لدى الجميع تحمل البنية التحتية الرقمية للتخاطب أولاً..ولتصنيف المنتسبين ثانياً..ثم لإتاحة أدوات التواصل والاتصال المستمر والدائم بين الأعضاء
إن لم نستطع أو تجاهلنا تسمية عضو متخصص بالتحول الرقمي في قوام مجلس كل غرفة، سنكون قد فوّتنا فرصة من ذهب على العمل التجاري والاستثماري في بلدنا.
• تجاوز حقبة العشوائية و بدائية الأداء وتنظيم الأعمال، لن يكون ممكناً إلا عبر عضو متخصص يقود حملة الارتقاء بأداء الغرفة، من المسارات التقليدية البائدة، إلى الفضاء الرقمي وخدماته السخية التي يتيحها لكل من امتلك مفاتيح الانطلاق الواثق.
دور وحضور
لعل ما سبق مطلب تجاري واقعي من الغرف ذاتها، قبل أن يكون رؤية قد تقتنع بها الحكومة، لتوجيه بوصلة الاستثمار نحو “الميدان الذكي”.
فالتعويل اليوم يبدو على استثمارات العالم الرقمي، وإن لم تكن طبقة التجار ورجال الأعمال عموماً جاهزة بتناغم واكتمال هيكلها التنظيمي، للقيام بعبء التوطئة ومن ثم المبادرة…فسيكون أهم قطاع استثماري مجزٍ في خطر..ولا نظن أن تجارنا من هواة البقاء في المساحات الزلقة والرجراجة والمتأرجحة.
توجّه إستراتيجي
التوجه الحكومي وتوجّه الدولة نحو الاستثمارات الرقمية، والتركيز على ريادة الأعمال في هذا المجال، توجه يجب أن يجد له مواكبة رشيقة من قبل قطاع الأعمال، فلم ترشح مثلاً أي معلومات عن استجابة قطاع الأعمال للمشروع الحكومي الواعد المتمثّل بـ ”المدينة التكنولوجية”، التي جرى إطلاقها مؤخراً، فهي ذات خصوصية وأهمية كبيرة لأنها ستكون موطن استثمارات نوعية حقيقية.
• توجّه الدولة نحو الاستثمارات الرقمية والتركيز على ريادة الأعمال في هذا المجال، توجه يجب أن يجد له مواكبة رشيقة من قبل قطاع الأعمال
ويمكن أن نستشف ذلك من مدير الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات منهل جنيدي، الذي أكد أن نسبة كبيرة من مشاريع ريادة الأعمال مختصة بتكنولوجيا منظومات الاتصالات والتطبيقات، وتعتمد على تكنولوجيا المعلومات لتنفيذ منتجاتها وخدماتها، لافتاً إلى أن الهيئة بدأت بتنظيم هذا القطاع منذ نحو العام تقريباً وكان يتم منح الموافقات الفنية فقط في المرحلة الأولى.
كل هذا جيّد لكن ما هو موقف ورؤية و “مشروع” رجال البزنس السوري..؟
وإن أرادوا المساهمة فما هي أدواتهم، من سيتولى إدارة وفك ” شيفرة” ومفردات الاستثمار الرقمي، إن لم يكن لديهم عضو احترافي متخصص في هذا المجال الراقي والمعقّد في آن معاً..؟
مبادرة حكومية جادّة
نتحدّث عن استثمار لا عن رحلة ترفيهية في عالم الأعمال، فالدولة أو الحكومة ممثلة بأذرعها المتخصصة من وزارة الاتصالات إلى هيئة الاستثمار السورية تسارع باتجاه استدراك الفجوات في هذا القطاع الواعد… فوزير الاتصالات المهندس إياد الخطيب يؤكد في تصريح سابق، أنه تمّ العمل على إستراتيجية التحول الرقمي في سورية، لتكون متوافقة مع الإستراتيجيات الموجودة في الدول العربية والأوروبية، وتم وضع خطة لعام 2030 وتم البدء بها منذ عام 2021، وبعض الوزارات كانت سباقة في ذلك كوزارتي النقل والداخلية.
وأكد الخطيب أن الموارد موجودة وقد قامت وزارة الاتصالات ببناء مركز التميز السوري- الهندي في هيئة تقانة المعلومات وتم تخريج نحو 700 طالب متدرب مع شهادات تمكنهم من العمل بأي دولة في العالم.
ورأى الخطيب أن العالم يعيش حالياً ثورة الاتصالات والإنترنت، ويوجد الكثير من الدول تعدّ صناعة المعلومات والتكنولوجيات مصدراً رئيساً من الناتج الإجمالي فيها، إذ تشكل صناعة التكنولوجيات 48 بالمئة من ناتج الدخل القومي، وقد استفادت من عدة ميزات أهمها وجود شريحة كبيرة فيها من الشباب المثقف، وفي عام 2006 بدأت الدول العربية بالتنبؤ بأهمية هذه الصناعة، إذ تم إحداث المدينة التكنولوجية في دبي والسعودية، لافتاً إلى أن سورية ليست بعيدة عن ذلك.
• الخطيب: العالم يعيش حالياً ثورة الاتصالات والإنترنت ويوجد الكثير من الدول تعدّ صناعة المعلومات والتكنولوجيات مصدراً رئيساً من الناتج الإجمالي فيها، إذ تشكل صناعة التكنولوجيات 48 بالمئة من ناتج الدخل القومي
في متناول الذراع الاستثمارية
أما مدير عام هيئة الاستثمار ندى لايقة، فتلفت إلى أن المنطقة الاقتصادية المتخصصة للتكنولوجيا وتقانة المعلومات كانت مطروحة، وكانت تمثّل رغبة عدد من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب منذ العام 2018، وهي مهمة لتوطين شركات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع التكنولوجي في منطقة واحدة، والجهة الفنية وزارة الاتصالات والتقانة وستقدم الأرض والبنى التحتية اللازمة، فيما ستقدم هيئة الاستثمار الموافقات والحوافز المنصوص بقانون الاستثمار من أجل تسهيل وتشجيع الاستثمار في هذه المنطقة، فهي كانت مطلباً ومقترحاً منذ فترة ليست بعيدة لإحداث المنطقة لكن المنطقة الاقتصادية يجب أن تستند إلى الجهة العامة لدراسة تفصيلية لواقع المنطقة قبل إحداثها.
• لايقة: المنطقة الاقتصادية المتخصصة للتكنولوجيا وتقانة المعلومات كانت مطروحة.. وكانت تمثّل رغبة عدد من المستثمرين المحليين والعرب والأجانب منذ العام 2018، وهي مهمة لتوطين شركات الاتصال وتكنولوجيا المعلومات والتصنيع التكنولوجي في منطقة واحدة
وخلال الفترة السابقة – تضيف لايقة – وجدت مشروعات تكنولوجية ضمن المدن المناطق الصناعية وجزء منها حاصل على إجازة استثمار وجزء آخر بموجب قوانين سابقة مثل القانون 10 والمرسوم /8/ لعام 2007، وهي موجودة لكن ضمن بند متكامل بين الجهة الفنية والمنظمة والجهات المعنية لتنظيم انتشار المشروعات خارج المدن الصناعية بشكل عشوائي، لتكون في منطقة اقتصادية واحدة تتوافر فيها جميع الخدمات اللازمة لجذب الاستثمارات ضمن نظام استثماري مدروس للمنطقة.
لا تنكفئوا
كل هذا ونعود للتساؤل عن دور هياكل قطاع الأعمال في مثل هذا التوجه العام، ألا يفترض أن تكون الغرف كلها مع اتحاداتها، صاحبة المبادرات والسباقين إلى حيث القيمة المضافة الحقيقية في الاستثمار، وإلى حيث الاستثمار الجاذب فعلاً، وكيف هيأت نفسها على مستوى البنية لمثل هذا المستقبل ؟؟
مبادرات الغرف لن تكون إلا عبر تطعيم مجالس إداراتها بأعضاء متخصصين بـ “الكار الرقمي”، وإن لم تفعل فستكون مقصّرة وتضع نفسها في مكان غير لائق.