الكيان مُجبر على السير إلى هزيمة كاملة في الجنوب.. المقاومة طرف حاكم ومسيطر براً.. ‏واشنطن تتحدث عن مصالحها المهددة في المنطقة فكيف ستدير التصعيد مع إيران هذه المرة؟

تشرين – مها سلطان:

مأزق مزدوج يحاصر الكيان الإسرائيلي في حالة شديدة من اللايقين، وبما يجعله يعيد حساباته ‏ألف مرة، فلا هو قادر على بدء العملية البرية على جبهة الشمال/ جنوب لبنان بعد أن عاد ‏جنوده بين قتيل وجريح في المحاولة الأولى أمس الأربعاء في بلدة العديسة.. ولا هو قادر ‏على تنفيذ «الرد» الذي يريده بعد ليلة الصواريخ الإيرانية في ظل التصريحات الإيرانية ‏الواضحة جداً بأن أي رد إسرائيلي سيقابله رد إيراني أشد وأقسى، وما على الكيان إلا أن يقامر ‏ليرى.. والتصريحات الإيرانية لا تخص الكيان فقط، بل تنسحب على الولايات المتحدة ‏الأميركية نفسها.‏
وفيما تغطي التوقعات والتحليلات وجه الميدان بكثير من المسارات الكارثية في المرحلة ‏المقبلة، يبدو أن الكيان الإسرائيلي سينكفئ إلى حين- من دون أن ينسحب ذلك على الغارات ‏العدوانية التي توسعت وتكثفت على جنوب لبنان والعاصمة بيروت موقعة مزيداً من الشهداء ‏والجرحى والدمار- فالكيان مجبر بعد «اختبار العديسة» على العودة بجنوده إلى الثكنات.. ‏فعملية جس النبض فشلت وعاد جنوده بلا نبض، وباتت العملية البرية التي تبجح بها لأيام في ‏مهب اللايقين، الذي قد يقودها إلى التوقف كلياً، بينما تكثيف الغارات العدوانية على الجنوب ‏وبيروت لن يفيده في شيء، لأنه لن يعيد المستوطنين إلى الشمال (كما تعهد متزعم حكومة ‏الكيان بنيامين نتنياهو).‏

تكثيف الكيان للغارات الجوية لن يُعيد المستوطنين إلى الشمال لذلك فهو مجبر على العملية ‏البرية مهما كانت الخسائر إلا إذا كان يعول على تدخل أميركي من نوع ما لإنقاذه

لذلك فإن نتنياهو مجبر على العملية البرية، وإن توقف إلى حين بعد كمين العديسة الذي أثبت ‏أن المقاومة اللنبانية/ حزب الله لم تتأثر بالاغتيالات ولا الغارات الجوية، وأنها لا تزال ‏متماسكة عسكرياً وميدانياً. ‏

ولكن كيف سيحل الكيان هذه المعضلة؟
نتنياهو أراد نقل سيناريو غزة إلى لبنان، غارات جوية مكثفة تمهد ميدان العملية البرية ‏بأقصى قدر من التدمير والاغتيالات «والحرب النفسية»، وفي الهدف البعيد تم التخطيط ‏لتتخطى العملية البرية الجنوب إلى العاصمة بيروت، لم يكن الهدف فقط «منطقة آمنة» بعمق ‌‏15 كم، إنما تطويق وتطويع كامل بيئة المقاومة اللبنانية الشعبية والعسكرية وصولاً إلى ‏القضاء عليها كلياً، وهذا يستدعي مد العملية البرية إلى كامل الجغرافيا اللبنانية بزعم أن حزب ‏الله يوجد في كل مكان، أما المبيّت فهو التوغل والبقاء، ولكن سرعان ما تم إحباط نتنياهو، ‏أولى المحاولات كانت كافية ليفهم الكيان الإسرائيلي الرسالة، ومع ذلك فهو لن يتراجع عن ‏العملية البرية، لأنه مجبر عليها مهما كانت الخسائر كبيرة، وهو هنا ربما يعول على تدخل ‏أميركي من نوع ما لإنقاذه.‏
عملياً لا يستطيع نتنياهو تخفيض سقف الأهداف التي وضعها على الجبهة الشمالية، وهي ‏بمجملها أهداف مستحيلة التحقيق بما فيها هدفه إعادة المستوطنين، حيث إن نتنياهو يدرك أن عودة ‏المستوطنين لن تكون إلا عن طريق التوغل البري، وبالمجمل كان هناك اعتقاد واسع داخل ‏الكيان بأن الغارات الجوية مهدت بصورة كبيرة للعملية البرية لكن بعد كمين العديسة (وكذلك ‏في بلدتي يارون ومارون الراس) انقلب الاعتقاد إلى يقين بأن هذه العملية ستكون مكلفة جداً ‏على مستوى الخسائر في الأرواح والعتاد، فالتوصل إلى اتفاق أو تسوية لوقف إطلاق النار ‏لا يبدو متاحاً في ظل الشروط التي يضعها نتنياهو.‏
ووفق المحللين العسكريين فإن التوغل البري يختلف جوهرياً عن الضربات الجوية المكثفة.. ‏وعلى عكس هذه الضربات فإن التوغل البري بمجرد أن يبدأ يصبح الميدان غير مرن. ويمكن ‏وقف الغارات الجوية في أي لحظة، أما في التوغل البري فيكون الالتزام أكبر بكثير ويتطلب ‏وقتاً لإنجاز المهام المحددة.. وإذا كان الحديث عن لبنان وعن هدف تدمير البنى التحتية (تحت ‏الأرض) لحزب الله، فإن هذا الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً، وبنتائج غير مضمونة على ‏الإطلاق.‏

الجنوب منطقة جبلية لا تخدم التوغل البري بمعنى أنها منطقة حاكمة تضع الجنود ‏الإسرائيليين تحت سيطرتها الكاملة لذلك فإن أي عملية برية إسرائيلية محكومة بخسائر فادحة

وفي هذا الصدد يقر تامير هيمان، قائد ما يسمى الفيلق الشمالي الإسرائيلي، بأن التاريخ في ‏لبنان يثبت أن العمليات البرية تميل إلى التوسع إلى ما هو أبعد من التخطيط الأولي، وأحياناً ‏بطريقة لا تتناسب مع الهدف.‏

ويوضح هيمان كيف أن الجنوب اللبناني منطقة جبلية (لا تخدم التوغل البري) ويصفها بأنها ‏منطقة سيطرة وتهديد، بمعنى أن قوات الكيان الإسرائيلية واقعة تحت سيطرتها وتهديدها الدائم، ‏وبالتالي يجب الاستيلاء عليها، وهو ما قد يقود إلى أن التوغل البري قد لا يقتصر على ‏الجنوب، وقد يتوسع باتجاه العاصمة بيروت وحتى خارجها (كما يضيف هيمان) في سبيل ‏القضاء على حزب الله.‏
لكن السؤال: إذا كان جنود الكيان يعجزون عن التقدم لأكثر من بضعة أمتار في الجنوب، ‏فكيف يمكن للكيان أن يفكر بتوسع بري يصل حتى بيروت؟
بعد كمين العديسة، أكد حزب الله في بيان أن هذه «ليست سوى البداية»، مشدداً على أنها جولة ‏أولى فقط من المعارك البرية مع الكيان. ‏

ماذا الآن؟
في الإعلام الإسرائيلي تم التركيز على سؤال: ماذا الآن؟ ‏
كارميت فالنسي من «معهد دراسات الأمن القومي» التابع لـ«جامعة تل أبيت» أكدت أن حزب الله ‏ما زال يشكل تهديداً ويتمتع بقدرات عسكرية متقدمة، وقالت: «إذا كان نصر الله شخصية ‏نعرف استراتيجياتها ونستطيع أنْ نتوقعها، فإن الفراغ الذي خلّفه يقلب التفاهمات والمعادلات ‏كلها التي وضعت فيما يتصل بحزب الله، وفي المستقبل سيكون أمام إسرائيل عمل شاق في ‏التحليل والتعامل مع خصم جديد في حقبة ما بعد نصر الله».‏
صحيفة «هآرتس» سألت: هل ستندم «إسرائيل» على اغتيال نصر الله؟ ورأت أنه «من ‏الأفضل تخفيف هتافات النصر»، فعندما تكون إيران وحزب الله مصابين بالصدمة، علينا توقع ‏الاستعداد وتوقع الأسوأ.‏
وفي «معاريف» تحدث اللواء احتياط، اسحاق بريك في مقال له عن الجحيم الذي ينتظر ‌‏«إسرائيل» في حال استمرت بالحرب، وأكّد أنها لن تستطيع هزيمة حزب الله، متسائلاً: كيف ‏سينتصر الجيش الإسرائيليّ على حزب الله؟ ليجيب: لن تستطيع ذلك، فحزب الله سيبقى ‏موجوداً كما هي حماس في غزّة، مؤكّداً «أنّ إسرائيل حتى لو قامت بتسوية كل لبنان بالأرض ‏وتحويله إلى أنقاض مثل القطاع فإنّ “حزب الله سيواصل إطلاق الصواريخ والمسيّرات علينا» ‏على حدّ تعبيره.‏

على حافة الهاوية
في الأثناء، تقر الولايات المتحدة تدريجياً بأن الوضع في الشرق الأوسط بات يهدد مصالحها ‏الاستراتيجية، وأن الأمر ليس متعلقاً فقط بالتصعيد الذي يتسع بين إيران والكيان والإسرائيلي ‏وإنما بمجمل الوضع الذي يضع الشرق الأوسط على حافة الهاوية، وفق كيرت كامبل نائب ‏وزير الخارجية الأميركي.‏

إدارة بايدن بدأت تقر تدريجياً بأن «الصراع الذي طال أمده في الشرق الأوسط» لا يهدد ‌‏«إسرائيل» فقط بل بات يهدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة ‏

وتحدث كامبل خلال مناقشة في مؤسسة «كارنيغي» عن أن الوضع في المنطقة مفتوح على ‏مزيد من التصعيد، قائلاً: «نحن ندرك أن الوضع في المنطقة، بغض النظر عن مدى أهمية ‏الرد على الهجوم الإيراني على إسرائيل، هو حقاً على حافة الهاوية».‏
وأشار كامبل إلى أن «الصراع الذي طال أمده في الشرق الأوسط لا يعرض إسرائيل للخطر ‏فحسب، بل يهدد أيضاً المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة».‏
يأتي هذا فيما تختلف أوساط الغرب حيال ما تسميه خيارات «إسرائيل» في الرد على هجمات ‏إيران الصاروخية «مساء الثلاثاء الماضي» بين خيارات محدودة وأخرى تصعيدية.‏
ووفق مركز «سترانفور» الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية فإن الكيان قد يذهب ‏بالاتجاهين.. ريما ينتهج خيارات تصعيدية أوسع نطاقاً في الجغرافيا وعدد الأهداف وبما ‏يستدرج مزيداً من «الهجمات» الإيرانية، باعتبار أن هذه الهجمات هي أوسع وأكبر من ‏هجمات نيسان الماضي رداً الاستهداف الإسرائيلي للسفارة الإيرانية بدمشق.‏. وربما يتجه إلى خيارات محدودة عبر ضرب عدد محدد من الأهداف الاستراتيجية داخل ‏إيران، ويرى المركز الأميركي أن «تقتصر إسرائيل على جولة واحدة فقط تضرب خلالها ‏أهدافاً مختارة حول القطاعات النووية والطاقة والصواريخ وربما المسيّرات أو القطاعات ‏العسكرية الصناعية الأخرى في إيران، وبكميات محدودة».‏
واعتبر مركز سترانفور أن من شأن ذلك أن يحدّ من التهديد المباشر لاندلاع حرب إقليمية ‏شاملة، ولكن لن يقضي على ذلك التهديد، مشيراً إلى أنه حتى الهجمات المستهدفة قد تؤدي إلى ‏جولة أخرى من «الانتقام الإيراني المباشر».‏
ويتجاهل المركز الأميركي أن الأهداف التي ذكرها تمثل قطاعات أساسية ورئيسية، فكيف له ‏أن يدرجها في إطار الخيارات المحدودة التي لا تقود إلى تصعيد كبير يصل إلى اندلاع حرب ‏شاملة؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
صناعة دمشق وريفها تقترح تشكيل لجنة تَدخّل من الجهات المعنية واتحاد غرف الصناعة لحل مشاكل الاستيراد والإسراع بتخليصها بهدف الاستمرار بالعملية الإنتاجية السوداني يبلغ أردوغان: العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة في سورية مجلس الشعب يتابع مناقشة تقرير لجنة الموازنة والحسابات حول مشروع موازنة ‌‏2025 زيادة المعروض السلعي وتشديد الرقابة على الأسواق.. مجلس الوزراء يوافق على خطتي "التربية والتعليم العالي" لاستيعاب تلاميذ وطلاب حلب تشكل خطراً على العين..ما متلازمة النظر للحاسوب؟ الخارجية الإيرانية: إيران أوصلت رسالة واضحة بشأن دعمها الحاسم لسورية ضد الإرهاب الحزب الشيوعي البرازيلي والمركز البرازيلي للسلم يعربان عن تضامنهما مع سورية بمواجهة الإرهاب توقف عملية إحصاء الثروة الحيوانية في مجال زراعة حماة واستكمالها في الغاب بين المد والجزر الحسكة تواصل تأهيل آبار مياه الشرب في ريف المحافظة جلسة لمجلس الأمن حول سورية تكشف وتوثّق.. أميركا تستبق بالتصعيد وجيشنا يعيد رسم ‏معادلات الميدان