ما يحدث في أسواقنا المحلية يثير ليس الاستغراب فحسب، بل المزيد من الدهشة وحالة من القلق والخوف على مستقبل معيشتنا وحياتنا الاقتصادية، التي أصبحت محفوفة بكثير من المخاطر اليومية، وأخطرها معيشة المواطن وما تحتاجه من مكونات لتأمينها وسط ظروف في غاية الصعوبة على كل المستويات! الأمر الذي أوجد واقعاً ليس بالجديد، فقد اعتدنا عليه في أزمات سابقة، لكن واقع اليوم يتميز بأبعاد مختلفة، من حيث الظروف، والأدوات الفاعلة فيه، والأخطر حجم الاستهداف بحجم حرب كونية طالت البشر قبل الحجر، وظهور مشكلات اجتماعية واقتصادية، تفوق قدرت الدولة ومؤسساتها على فرض الحلول المناسبة في وقتها، وهذا بدوره ساهم بتراجع الإنتاجية في كثير من القطاعات، إلى جانب ترهل المؤسسات الرقابية وانعكاس ذلك على طبيعة الأداء في كثير من المواقع، بحيث أصبح الشغل الشاغل للمؤسسات الرقابية المعنية بحماية السوق المحلية، وخاصة وزارة التجارة الداخلية بأجهزتها الإدارية والفنية وحماية المستهلك, كيفية ضبط السوق المحلي، ومعالجة حالة الانفلات الكبير بالأسعار خاصة السلع الرئيسية ذات الحاجة اليومية للمواطن؟
والأهم البحث عن الوسائل والإجراءات الناجعة في مكافحة الغلاء الذي يفرضه ضعاف النفوس من التجار مستغلين الحالة الراهنة والظروف الأمنية التي يمر بها بلدنا؟
من دون أن نتجاهل الأسئلة الكثيرة التي تدور في ذهن كل مواطن، يثير فضوله ما تشهده الأسواق من انفلات بالأسعار، وحالات الاحتكار للمواد وغيرها، ويقلقه أيضاً تراجع أداء المؤسسات الرقابية على اختلافها وتنوعها.
وحديثنا هذا ليس اتهاماً لجهة بعينها، بقدر ما نواجه حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي دور “التجارة الداخلية وحمايتها” في معالجة أخطاء السوق، فهي لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحدث، وذلك وفقاً للصلاحيات الممنوحة لها في القوانين الناظمة لعملها, مع ظهور نوع من التقصير في المعالجة في بعض الأحيان لأسباب مختلفة، منها ما هو مرتبط بنوعية المخالفة، وآخر مرتبط بطريقة المعالجة, وأخرى مرتبطة بعوامل” جبر الخواطر” وخاصة لمخالفين ارتكبوا مخالفات وتجاوزات ليست مقصودة، أو بطريقة الخطأ فكان الإنذار والتنبيه سيد الموقف مع وعود بعدم التكرار تماشياً مع ظروف الأزمة والحاجة.
والذي ينهي كل هذه الإشكاليات هو إجراء في غاية الأهمية، رغم محاولات تطبيقه المتكررة، وصدور قرارات بهذا الشأن، ونصوص قانونية فرضت تطبيقه بمحتوى إلزامية تنفيذه فارغة من المضمون، وهذا الإجراء يكمن في تطبيق نظام “الفوترة” لمعالجة انفلات الأسعار، وضبط العملية التجارية، وإنصاف الجميع من منتجين ومسوقين ومستهلكين، وقبل هذا وذاك تحقيق الاستقرار للسوق المحلي.
ومن هذا المنطلق نجد أن الفاتورة هي ضمان للمواطن والبائع والمستهلك على السواء، والهدف من ذلك هو حماية المستهلك من خلال تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية على اختلافها وتنوعها، الأمر الذي يحتم على وزارة التجارة الداخلية ومن معها في الأجهزة الرقابية الأخرى، التشديد على تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية “المنتج وبائع الجملة والمفرق ونصف الجملة”، وفي حال تطبيقه نقول إن الوزارة حققت إنجازاً كبيراً على صعيد ضبط السوق الداخلي، ولكن عملية الضبط هذه لا تحقق الغاية المرجوة إذا لم تتبعها خطوات أخرى، لجهة تفعيل العمل الرقابي، وتشديد العقوبات، ورفع سقف الغرامات المالية لأضعاف المادة المخالفة، عندها يلمس المواطن تأثير نظام الفوترة وضبط الأسعار، وانعكاسه بصورة مباشرة على القوة الشرائية له.
والسؤال هنا هل سنشهد خلال المرحلة المقبلة فاتورة متداولة من الجميع مهما كانت عملية الشراء والبيع؟!
Issa.samy68@gmail.com