هل تُصلح محاولة الاغتيال الثانية ما أفسدته مناظرة الثلاثاء؟.. الديمقراطيون يُديرون التداعيات بذكاء ويُبقون ترامب في دائرة الخطر
تشرين – مها سلطان:
السؤال الأساسي والبدهي ما بعد المحاولة الثانية الفاشلة لاغتيال المرشح الجمهوري «والرئيس السابق» دونالد ترامب هو ما إذا كان ذلك سيغير من مجرى السباق الرئاسي أو على الأقل يوسع احتمالات الفوز بالنسبة له، لكن هذه المحاولة على الأكيد أفادت ترامب في جانب واحد وهو حرف الأنظار أو لنقل تقليص مساحة الاهتمام بـ مناظرة الثلاثاء الماضي، مع منافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
محاولة الاغتيال الثانية ستفيد ترامب بلا شك لناحية تقليص الاهتمام بمناظرة الثلاثاء الماضي التي خرجت منها منافسته هاريس بفوز واضح
ومازال التركيز كبيراً على ما أظهرته هاريس من أداء متمكن ومؤثر خلال المناظرة لدرجة وصفها ترامب نفسه بأنها كانت الأفضل في مسيرته السياسية، هذا عدا عن استطلاعات الرأي التي رفعت حظوظ هاريس بالفوز بعد المناظرة، وهناك فريق واسع من المراقبين اعتبرها فازت مسبقاً، حيث لم يتبق على يوم الانتخاب سوى شهر ونصف الشهر.. في حين يدعو فريق آخر إلى انتظار يوم الانتخابات فهو وحده من سيحدد الفائز، فكل الاحتمالات واردة والأميركيون لم يحددوا اتجاهاً واضحاً بعد ما بين ترامب وهاريس.
مفارقات.. ولا إجابات
المفارقة هنا أن لا أحد، ولا أي طرف، يتحدث عن نظرية مؤامرة، أو إن هذه المحاولات قد تكون مدبرة لمصلحة ترامب، كلا الطرفين الجمهوري والديمقراطي يلتقيان في مسألة توصيف محاولتي اغتيال ترامب الحالية «والسابقة في 13 تموز الماضي» على أنها شكل من أشكال «العنف السياسي».
المفارقة الثانية أن أحداً لا يضعها في إطار توجه /اتجاه/ خطير يتسع داخل المجتمع الأميركي يتسع ويتصاعد، بل هناك إصرار على حصرها في إطار العمل الفردي والدوافع الفردية.
المفارقة في هذه المحاولة – وفي سابقتها- أن أحداً لا يتحدث عن كونها مدبرة ولا يتم توجيه اتهامات على مستوى الحزبين المتنافسين ولا كونها تمثل توجهاً خطيراً داخل المجتمع الأميركي
المفارقة الثالثة أن ترامب وحزبه الجمهوري لا يوجهان اتهامات مباشرة إلى الديمقراطيين، وإن كانا يتركان للمراقبين والمحللين الاستفاضة في اتهام الديمقراطيين من دون تعليق على ذلك. ربما يعود الأمر إلى مسألة أن الجمهوريين لا يستطيعون رفع سقف الاستثمار في محاولتي الاغتيال لأنها ستبدو كنوع من الغباء السياسي، وتالياً فتح السباق الرئاسي على جدل لن يكون في مصلحتهم إذا ما اعتبرنا أن الديمقراطيين يستطيعون دحض الاتهامات بسهولة، فهم لن يقدموا على «فعل غبي» يُنصّب ترامب بصورة مسبقة رئيساً للبلاد، وهذا ما كاد يحصل في محاولة الاغتيال الأولى.
الديمقراطيون وعلى رأسهم هاريس، والرئيس جو بايدن، يتعاملون بكثير من الهدوء والحذر والحكمة، ويحصدون نتيجة إيجابية تظهرهم أمام الرأي العام الأميركي بمظهر المتوازن الذي يعرف كيف يتعامل سريعاً مع مثل هذه الحوادث ويحتوي تداعياتها.. ويقطع بالتالي الطريق على الجمهوريين لاستغلالها.
وعليه فإن بايدن ونائبته هاريس يبقيان دائماً في حالة تأهب للرد على كل المستجدات، و بالوتيرة والسياقات نفسهما، فقد أعلن بايدن اليوم ارتياحه لعدم إصابة ترامب، مؤكداً على اطلاع متواصل بشأن محاولة الاغتيال. وأشاد بايدن بجهاز الخدمة السرية وشركائهم في سلطات الأمن على يقظتهم وجهودهم لضمان سلامة الرئيس السابق وحاشيته. وقال: تم احتجاز أحد المشتبه فيهم.. أنا مرتاح لأن الرئيس السابق لم يصب بأذى. وأكد الشروع بتحقيق نشط في هذا الحادث حيث تجمع سلطات الأمن المزيد من التفاصيل حول ما حدث.
وأردف بايدن: كما قلت مرات عديدة، لا مكان للعنف السياسي أو أي عنف على الإطلاق في بلدنا، وقد وجهت فريقي لمواصلة ضمان حصول جهاز الخدمة السرية على كل الموارد والقدرات والتدابير الوقائية اللازمة لضمان استمرار سلامة الرئيس السابق.
بدورها عبرت هاريس عن قلقها إزاء محاولة اغتيال ترامب وأكدت إدانتها للعنف السياسي. وقالت في بيان نشره موقع البيت الأبيض: أشعر بالقلق العميق.. وبينما نقوم بجمع الحقائق حول الحادثة، سأكون واضحة: أنا أدين العنف السياسي.
وأضافت: يتعين علينا جميعاً أن نبذل قصارى جهدنا لضمان عدم تسبب هذا الحادث في المزيد من العنف. وقالت: أشعر بالامتنان لأن الرئيس السابق/ترامب في أمان. وأشيد بعمل جهاز الخدمة السرية الأميركي والشركاء في أجهزة الأمن على يقظتهم.
الحظ حالف هاريس هذه المرة
لا شك في أن بايدن ومعه هاريس مرتاحان لعدم إصابة ترامب بأذى من ذلك النوع الذي يرتد عليهما، ويمكن القول إن الحظ حالف هاريس (بعكس المحاولة الماضية التي قضت على فرص بايدن حيث كان لا يزال مرشحاً قبل أن يتنازل بعدها لنائبته هاريس). هذه المحاولة الثانية كانت من دون خدش واحد لترامب، كما أنها تمت بعيداً عن الإعلام، أي بأقل قدر من الاستعراض الذي لن يخدمه كثيراً في نهاية المطاف.
محاولة الاغتيال الثانية كانت من دون خدش واحد لترامب كما إنها تمت بعيداً عن الإعلام أي بأقل قدر من الاستعراض الذي لن يخدمه كثيراً في نهاية المطاف
أما مسألة أن من يقف خلف المحاولة الثانية – وهو رايان ويسلي روث (58 عاماً) وفقاً لسلطات إنفاذ القانون – مؤيد لنظام أوكرانيا (وتايوان) ضد روسيا (والصين) فهذه لن تخدم ترامب كثيراً في ظل أن الأميركيين، في هذه الانتخابات بالذات، يبدون اهتماماً أكبر للقضايا الداخلية على حساب السياسات الخارجية، حتى أن قضية مثل «الإجهاض» تتقدم على أوكرانيا بصورة كبيرة، وبالمقارنة بين هاتين المسألتين فإن أوكرانيا تصبح غير ذات أهمية في الداخل الأميركي مقارنة مع مسألة الاجهاض، ولكون الناخبين من النساء يشكلون الشريحة الأوسع والأكثر تمثيلاً، وتالياً انتخاباً، وهذا ما يحدد مصير كل من هاريس وترامب.
هذا ونحن لم نتحدث عن قضايا أخرى لا تقل أهمية، كالمهاجرين والضمان الاجتماعي وحيازة الأسلحة.. الخ.
«شخص صالح»
وحسب وسائل الإعلام الأميركية فإن رايان ويسلي روث يقدم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي كـ«شخص صالح يدافع عن القضايا اليسارية». من هذه الزاوية يمكن لترامب الإفادة في ظل اتهاماته المتواصلة لهاريس بأنها ذات ميول يسارية متطرفة، وهو ما تنفيه هاريس بشدة.
ووفقاً للتقارير الإعلامية تم رصد روث من قبل عملاء الخدمة السرية بالقرب من نادي «ترامب الدولي للغولف» في ويست بالم بيتش /ولاية فلويدا، وهو يحمل بندقية من نوع «AK-47»، أطلق العملاء النار عليه، لكنه فرّ، ولاحقاً ألقت الشرطة المحلية القبض عليه على الطريق السريع 95.
وكشفت التقارير أن روث أراد شراء صاروخ من الملياردير الأميركي الشهير أيالوم ماسك «المؤيد لترامب» حيث قال على منصة «إكس» موجهاً كلامه لماسك: أود شراء صاروخ منك. أود تحميله برأس حربي وإطلاقه على قصر بوتين على البحر الأسود.. هل يمكنك أن تعطيني سعراً من فضلك.
ويزعم روث على منصة «إكس» أنه حاول «بيع» فكرة للجيش الأميركي تقضي بإرسال جنود أفغان سابقين للقتال لمصلحة أوكرانيا، لكن تم رفض فكرته مرات عدة قبل أن يستسلم بعد 6 أشهر ويترك الفكرة، كما إنه زار كييف وادعى أنه سيكون على استعداد للقتال على الخطوط الأمامية، إذا سُمح له بذلك.
ماسك وترامب
وكان ماسك علق على استهداف ترامب للمرة الثانية بطرح سؤال بشأن عدم محاولة اغتيال أو قتل أحد الديمقراطيين، وكتب عبر منصة «إكس»: «.. ولا أحد يحاول حتى قتل بايدن أو كامالا». وأضاف: رغم عدم وجود محاولات لاغتيال بايدن، إلا أن رئيس الولايات المتحدة الحالي تحوّل في كل الأحوال إلى جثة متحركة.
وفي وقت سابق، أكد ترامب، عقب المحاولة بأنه سمع طلقات نارية بالقرب منه، وقال: قبل أن تبدأ الشائعات في الخروج عن السيطرة، أردت أن تسمعوا هذا أولاً، أنا بخير وبصحة جيدة. وأضاف: لن يوقفني شيء، لن أستسلم أبداً. فيما أكدت حملة ترامب، أنه في مكان آمن بعد إطلاق نار بالقرب من مكان وجوده.