مناظرة الثلاثاء ومهمة ترامب التي باتت أصعب…. هاريس: الرئاسة أقرب لي؟!

تشرين – د. رحيم هادي الشمخي:

انقسم الأميركيون – وليس اختلفوا – على من فاز في المناظرة الرئاسية الأولى التي جمعت بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وبين الانقسام والاختلاف شعرة، لكنها قاصمة في كثير من الأحيان. الانقسام يكون أعلى حدة وأخطر، فيما الاختلاف يأتي أهدأ وأكثر عقلانية وتقبلاً للرأي الآخر، ولأن الأمريكيين انقسموا فإن المخاطر المستقبلية تصبح أعلى احتمالاً على المستوى الوطني إذا ما أخذنا بجدية التحذيرات من احتمال «الحرب الأهلية» وإن كنا فعلياً لا نأخذها بجدية (وهذا رأي ذاتي) فللولايات المتحدة نظام تأسيس شديد البأس داخلياً، والأميركيون متشددون جداً عندما يتعلق الأمر، أي أمر، بالدستور وموجباته التي أقرها الآباء المؤسسون بصورة صارمة جداً، ومنذ التأسيس في عام 1776 لم تشهد البلاد حالة تمرد أو اضطرابات متعلقة بالدستور وبنظام التأسيس، وهنا لاتعد الحوادث الداخلية التي تشهدها بعض الولايات ضمن ذلك الإطار بقدر ما هي حوادث بخلفيات اجتماعية بصورة أساسية.
وحتى إذا ما أخذنا عملية الانتخابات الرئاسية نفسها فهي بدورها لا تشذ عن قواعد نظام التأسيس الصارمة وإن كان يتخللها في بعض الأحيان زوايا حادة، ولا يمكن هنا وضع الاضطرابات التي جرت بعد خسارة ترامب الانتخابات الماضية ومهاجمة أنصاره للكابيتول ضمن إطار التمرد على الدستور ونظام التأسيس، بدليل أنها لم تعمر سوى ساعات (وإن كان يحلو لبعض المراقبين وصفها ببداية اضطرابات الحرب الأهلية باعتبارها مؤشراً مهماً وخطيراً على تغير المزاج الأميركي العام، والميل المتزايد لدى الأمريكيين باتجاه العنف السياسي) فقد كانت سابقة، ومن هنا تنطلق المخاوف من تجددها بصورة أوسع وأخطر إذا ما خسر ترامب.
بكل الأحوال، وفي عودة للمناظرة بين ترامب وهاريس، فقد انقسم الأمريكيون حولها كما قلنا، وإن كان الاتجاه العام يفيد بأن هاريس هي التي تقدمت، ربما هذا يعود بشكل أساسي إلى أنها خالفت كل التوقعات التي أكدت هزيمة كبيرة لها بمواجهة ترامب المتمرس، لقد كان أداؤها عالي المستوى ومفاجئاً للجميع بمن فيهم ترامب وحزبه وأنصاره، وهذا أنتج حالة إعجاب وتعاطف في آن معاً نحو هاريس، انسحبت حالة عامة، وذلك بغض النظر عن كل ما قيل عن الانحياز الواضح لمن أداروا المناظرة، وكان ترامب عقبها مباشرة وصف ساحة المناظرة بأنها كانت ثلاثة ضد واحد، أي هاريس مع مقدمي المناظرة، ديفيد موير ولينسي ديفيس، ضد ترامب، هذا عدا عن أن المناظرة جرت على قناة «سي إن إن» المعروفة بدعمها للديمقراطيين، أي لهاريس.
ربما كان هذا أكثر ما تحتاجه هاريس في الوقت الحالي لإرباك ترامب، والتأثير في الناخبين، خصوصاً فيما يسمى الولايات المتأرجحة التي توصف بساحة المعركة الحقيقية بين هاريس وترامب.. ويبقى أن نترقب في الأيام المقبلة سلوك ترامب وكيف يمكن أن يحقق اختراقاً حاسماً في مدى زمني أقل من شهرين على يوم الانتخابات المقرر في الـ5 من تشرين الثاني المقبل.
ترامب في الأساس لم يعتبر نفسه خاسراً في المناظرة بل اعتبرها «انتصاراً عظيماً» وأنها كانت الأفضل في مسيرته السياسية حسب قوله عبر شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال».
ماذا في آخر الاستطلاعات ما بعد المناظرة؟
رغم أن الاستطلاعات أعطت هاريس 63 بالمئة مقابل 37 بالمئة لترامب، إلا أن هذا ليس بالضرورة أن يترجم إلى أصوات، إذا ما أخذنا المسار المعقد لانتخاب الرئيس، وكان 4% فقط من الناخبين قالوا إنهم غيروا رأيهم بعد المناظرة لناحية التصويت لهاريس وليس لترامب، وعملياً هذه ليست نسبة مؤثرة، لذلك يتعين الانتظار لنرى مدى تأثير المناظرة وأرقام الاستطلاعات في الأيام المقبلة.
ولا نستطيع هنا تجاهل استطلاعات الرأي على المستوى الوطني وهي مازالت تعطي تعادلاً بين ترامب وهاريس، وهي هنا أهم من استطلاعات الرأي العامة، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تضم 50 ولاية، إلا أن معظمها يصوت دائماً لنفس الحزب تقريباً، ولهذا يوجد عدد قليل فقط من الأماكن التي يتمتع فيها المرشحان بفرصة الفوز، وهذه الأماكن هي التي سيتم فيها الفوز بالانتخابات وخسارتها، والمعروفة باسم «ساحة المعركة» الأساس (الولايات المتأرجحة).
هذه الساحة، تعطي نتائج متقاربة للغاية بين ترامب وهاريس، ما يجعل من الصعب معرفة من يتقدم في السباق، وحسب استطلاعات الرأي الأخيرة هناك أقل من نقطة مئوية واحدة (لمصلحة هاريس) تفصل بينهما في عدة ولايات، ويشمل ذلك ولاية بنسلفانيا، وهي ولاية رئيسية لأن لديها أعلى عدد من الأصوات الانتخابية المعروضة وبالتالي يسهل على الفائز الوصول إلى 270 صوتاً مطلوبة.

وكانت بنسلفانيا وميتشيغان وويسكونسن معاقل ديمقراطية قبل أن يحولها ترامب إلى جمهورية في طريقه للفوز بالرئاسة في عام 2016، ثم استعاد الرئيس الحالي جو بايدن هذه الولايات في عام 2020 وإذا تمكنت هاريس من فعل الشيء نفسه، فستكون في طريقها للفوز.
ولكن، ماذا عن أن الأميركيين ما زالوا بالمجمل يبدون غاضباً من أداء بايدن ونائبته هاريس، خصوصاً في القضايا الداخلية الرئيسية، الاقتصاد، والهجرة، والقانون والنظام؟
ماذا عن أن أغلبية الناخبين يتفقون مع التقييم الأساسي الذي يقدمه ترامب للوضع الحالي للأمة الأميركية بعد أربع سنوات من رئاسة بايدن ونائبته هاريس؟
الأجوبة ستكون في يوم الانتخاب.
بكل الأحوال، من المرجح على نطاق واسع، أنه لن يكون هناك مناظرة أخرى بين ترامب وهاريس، وإن كانت هذه الأخيرة ستطلب مناظرة ثانية بهدف توسيع حرج ترامب أمام حزبه وأنصاره، ولمزيد من التأكيد على أنها هي من فازت في المناظرة، وبما يضمن استمرار تدفق الأموال الانتخابية لحملتها.
ترامب، وفقاً لتصريحاته ولمزاجه ما بعد المناظرة، لن يوافق على مناظرة ثانية في الظروف نفسها، وعلى القناة نفسها، وبالإدارة المتحيزة نفسها، وهو سَيَلقى تفهماً من قبل حزبه وأنصاره، فلا يوجد سبب أو اعتقاد حول أنه سيحظى بمناظرة عادلة، وفق تصريحات لعدد من أنصاره ما بعد انتهاء المناظرة مع هاريس.
وعليه فإن ترامب سيتجه للتعويض على الأرض مع ناخبيه بشكل منفصل عن أي مواجهة مباشرة مع هاريس، وبالعموم هو يتمتع بجاذبية فريدة ومقنعة، وفق حزبه وأنصاره.
مع ذلك، ورغم مستجدات ما بعد المناظرة، فإن مسار السباق الرئاسي مازال مفتوحاً على مفاجآت، وعلى أحداث قد تخالف كل التوقعات، وما علينا سوى الانتظار والمراقبة، ولكل حادث – في حينه – حديث.

أكاديمي وكاتب عراقي

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار