السفير عطية: الغرب حول منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى ساحة لتصفية حساباته الجيوسياسية العدوانية مع دول لا تتماهى مع سياساته
تشرين:
أكد مندوب سورية الدائم لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي السفير ميلاد عطية أن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية حولت المنظمة إلى ساحة لتصفية حساباتها الجيوسياسية العدوانية الاستعمارية، مع بعض الدول التي لا تتماهى مع سياساتها، ولم تعد هذه المنظمة مؤهلة لتحقيق الغرض منها في ظل هذا الواقع، وبات من الصعب استعادة مصداقيتها وقيامها بإنجاز المهام المنوطة بها.
وقال عطية في بيان أمام الدورة الـ 106 للمجلس التنفيذي لمنظمة الحظر: تستمر الدول الغربية بانتهاك نصوص وأحكام اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، وممارسة كل أشكال الضغوط على الأمانة الفنية للمنظمة، وترفض سماع أي رأي يخالف توجهاتها وما لا يخدم أجنداتها السياسية، حيث شكل اعتماد وتمرير قرار الدورة الاستثنائية الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في حزيران عام 2018، وما نتج عنه من إنشاء فريق غير شرعي، خرقاً فاضحاً لنصوص الاتفاقية، وهناك الكثير من الأمثلة على تلك الانتهاكات، وكان آخرها مخالفة ما تنص عليه الفقرة الـ23 من المادة الثامنة في الاتفاقية، من خلال إبعاد روسيا عن عضوية المجلس التنفيذي، إضافة إلى اعتماد الكثير من القرارات المسيسة من خلال التصويت والابتعاد عن توافق الآراء.
وأشار عطية إلى أن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية حولت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى ساحة لتصفية حساباتها الجيوسياسية العدوانية الاستعمارية، مع بعض الدول التي لا تتماهى مع سياساتها، وأضحت استقلالية هذه المنظمة على المحك، ولم تعد مؤهلة لتحقيق الغرض منها في ظل هذا الواقع، وبات من الصعب استعادة مصداقيتها وقيامها بإنجاز المهام المنوطة بها، موضحاً أنه نتيجة التدخل السياسي من قبل الدول الغربية تواجه المنظمة حالياً أزمة مصداقية وخلافات واستقطاب وانقسامات داخلها.
ولفت مندوب سورية الدائم لدى منظمة الحظر إلى أن الدول الغربية تستكمل نهجها باعتماد قرارات مسيسة تستهدف دولاً أطرافاً في الاتفاقية من خلال اللجوء إلى التصويت، وخير مثال على ذلك القرار المسيس والمثير للجدل الذي تم اعتماده من خلال التصويت في الدورة الـ28 لمؤتمر الدول الأطراف ضد سورية، مبيناً أن هذا القرار لا يعكس إرادة الدول الأطراف في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بل إرادة 69 دولة فقط من أصل 193 دولة، وهو يتعارض مع أحكام الاتفاقية وولاية المنظمة، وبني على فبركات وأكاذيب وخداع وتضليل واتهامات باطلة لا أساس لها، ويمثل خطوة خطيرة أخرى نحو فقدان هذه المنظمة لمصداقيتها، ويعمل على تحقيق أغراض تتعارض مع أهداف المنظمة.
وأوضح عطية أن نتيجة التصويت على مشروع القرار المذكور تشير إلى أن أكثر من ثلثي الدول الأطراف في الاتفاقية ترفض هذا النهج والسلوك الغربي الهدام، لافتاً إلى أن ما يجري في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية جزء من نمط عمليات الخداع ذات الدوافع الجيوسياسية التي تم تنفيذها قبل ثلاثة عقود في العراق وغيرها من الأماكن الأخرى في العالم والشواهد كثيرة.
وأشار عطية إلى أن سورية نفذت كل ما يترتب عليها من التزامات بموجب عملية انضمامها إلى اتفاقية الحظر، وبذلت قصارى جهدها وعملت بكل جد والتزام ومصداقية وشفافية خلال الـ 11 عاماً المنصرمة، وتعاونت بشكل كامل مع الأمانة الفنية للمنظمة وفرقها وقدمت كل التسهيلات المطلوبة لإنجاح مهماتها، وخلال الفترة من تشرين الثاني 2023 حتى أيار 2024، عقدت ثلاث جولات من المشاورات بين خبراء اللجنة الوطنية السورية وفريق تقييم الإعلان، وقدمت سورية خلالها كل ما هو مطلوب منها من تعاون وتسهيلات لإنجاح مهمة هذا الفريق، ليس من الناحية اللوجستية فقط، بل كل المعلومات المطلوبة، وأسفرت نتائج المشاورات عن حل 3 مسائل عالقة في الإعلان الأولي السوري، لكن رغم كل ذلك تحاول الأمانة الفنية للمنظمة وبعض الدول الغربية استباق نتائج المشاورات الجارية بين سورية وفرق الأمانة الفنية، من خلال توجيه اتهامات مسيسة لا أساس لها على الإطلاق، مثل اتهام سورية بعدم التعاون وبأنها لا تزال تخفي برنامجاً كيميائياً.
وأعرب عطية عن قلق سورية الشديد حيال ما تتعرض له روسيا من استهداف من قبل الدول الغربية، وخاصة محاولاتها الأخيرة توجيه اتهامات باطلة لموسكو باستخدام مواد كيميائية سامة في أوكرانيا، حيث تستخدم الدول الغربية السيناريو الذي اتبعته ضد سورية، في طريقة الاستهداف والتصعيد وكيل الاتهامات الباطلة التي لا أساس لها على الإطلاق، عندما فشلت في تحقيق أجنداتها السياسية المعادية لسورية وروسيا.
وأكد عطية أن الإرهاب الكيميائي يشكل أحد الأخطار الجسيمة التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، معرباً عن الأسف لتجاهل الأمانة الفنية للمنظمة، بوصفها منظمة دولية كل التقارير الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وتلك التي تقدمها اللجان والفرق المتخصصة إلى مجلس الأمن، وتؤكد جميعها أن المجموعات المدرجة على قوائم مجلس الأمن ككيانات إرهابية، مثل تنظيم هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” وتنظيم “داعش” تمتلك أسلحة متطورة، ومنظومات جوية استخدمتها في مناسبات متعددة بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، مشيراً إلى أن هذه التقارير تؤكد التحذيرات التي أطلقتها سورية منذ عام 2011، والرسائل التي أبلغت فيها سورية مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة والأمانة الفنية لمنظمة الحظر، حول تحضيرات الإرهابيين لاستخدام أسلحة كيميائية، ومن حالات متعددة تم فيها استخدام تلك الأسلحة في أكثر من حادثة ضد المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري، من دون أن تلقى تلك الرسائل أي اهتمام من قبل الأمانة الفنية للمنظمة.
وشدد مندوب سورية الدائم لدى منظمة الحظر على أن سلوك الدول الغربية، ضاعف خطر الإرهاب الكيميائي، وشجع التنظيمات الإرهابية على امتلاك أسلحة كيميائية واستخدامها ضد المدنيين وقوات الجيش العربي السوري، الأمر الذي قابلته الدول الغربية في المنظمة بالتجاهل التام والتبني الكامل لروايات المجموعات الإرهابية، بل واستخدام تلك الروايات ذريعة للعدوان العسكري على سورية، كالعدوان الثلاثي الأمريكي الفرنسي البريطاني في عام 2018، واتهام سورية باستخدام أسلحة كيميائية.
وطالب عطية جميع الدول الأطراف في الاتفاقية بالتقيد بما تنص عليه الفقرة الـ 18 من قرار مجلس الأمن رقم 2118، وجميع القرارات الصادرة عن المجلس التنفيذي للمنظمة ومجلس الأمن ذات الصلة، والتي تؤكد جميعها على الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم للجهات من غير الدول التي تحاول استحداث أسلحة نووية أو كيميائية أو بيولوجية ووسائل إيصالها، أو حيازة هذه الأسلحة والوسائل أو صنعها أو امتلاكها أو نقلها أو تحويلها أو استعمالها، موضحاً أن المعاقل المتبقية للإرهاب الدولي على الأراضي السورية تنتشر في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال الأمريكي والتركي في شمال شرق سورية وشمال غربها وجنوب شرقها.
وجدد عطية تأكيد سورية على أن تحقيق عالمية اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية يمثل خطوة مهمة جداً في ضمان إقامة نظام عالمي فعال ضد الأسلحة الكيميائية، إلا أن هذا الأمر لن يتحقق من دون إلزام “إسرائيل” بالانضمام إلى اتفاقية الحظر، وبقية الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، حيث لا تزال “إسرائيل” تتستر على ترساناتها من أسلحة الدمار الشامل وترفض الانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، بغطاء ومساعدة الولايات المتحدة الأمريكية.
وأعاد عطية التذكير بالتهديد الذي أطلقه الوزير في حكومة الاحتلال عميحاي الياهو قبل أشهر قليلة لضرب أبناء غزة بالسلاح النووي، مبيناً أن هذا يؤكد ما دأبت “إسرائيل” على إخفائه حول حقيقة امتلاكها لهذا السلاح خارج أنظمة الرقابة الدولية بدعم من حلفائها في الإدارة الأمريكية وبعض الدول الغربية، الأمر الذي يشكل تهديدا جديا للأمن والاستقرار وحياة شعوب المنطقة، لكن للأسف لم يحظ هذا التهديد الرسمي العلني بأي اهتمام من الدول الغربية الداعمة للكيان الإسرائيلي.
وقال عطية: نعيش فصول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يشنها الاحتلال بسلاح أمريكي غربي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ عدة أشهر، وأدت إلى استشهاد أكثر من 38 ألفاً معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة ما يزيد على 85 ألفاً، وتدمير 90 بالمئة من المنازل والبنى التحتية في القطاع، بدعم مباشر سياسي وعسكري من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، وهذا الأمر لا يحتاج إلى إثبات، ويكفي العودة لتصريحات ومواقف الإدارة الأمريكية، وآخرها ما أعلنه جو بايدن خلال المناظرة مع دونالد ترامب في الـ28 من حزيران الماضي، أن الولايات المتحدة أكبر مصدر لدعم “إسرائيل” في العالم، وأنها تزودها بكل الأسلحة التي تحتاجها ومتى تحتاجها.
وأشار عطية إلى أن حرب الإبادة والجرائم ضد الإنسانية أكدت عدالة القضية الفلسطينية على مستوى العالم، وبذات الوقت كشفت حقيقة الكيان الصهيوني الإجرامية، وكذب ادعاءات الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الغربية عن حقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من الشعارات الأخرى، كما كشفت هذه الحرب حقيقة مبادئ الحرية والديمقراطية التي نادت بها الدول الغربية، وتبين أنها تقوم على الكذب والنفاق، لافتاً إلى أن خير مثال على ذلك هو الاستمرار بتقديم كل أشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي لـ “إسرائيل”، وعمليات القمع الوحشية غير المسبوقة، التي تعرض لها طلاب الجامعات في العديد من الدول الغربية لمجرد أنهم قالوا كلمة حق ورفضوا الانحياز الأعمى لقياداتهم السياسية مع الصهيونية،
وطالبوا بوقف جرائم الإبادة الجماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني، حيث تحول الحرم الجامعي في الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا إلى غوانتنامو آخر، وبات واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية شركاء حقيقيون في جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، وهم يشجعون بسياساتهم هذا الكيان على الاستمرار في حرب الإبادة ومواصلة جرائمه واعتداءاته المتكررة على الأراضي السورية.
وأكد عطية دعم سورية لطلب دولة فلسطين بالتحقيق في حوادث استخدام الكيان الصهيوني لأسلحة كيميائية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ومطالبة الأمانة الفنية بالتحرك والقيام بمهامها وفقاً لولايتها، كما تحركت الأمانة الفنية في أماكن أخرى، فالتذرع بعدم وجود أدلة وبأن الوضع الأمني لا يسمح بالتحقيق هو أمر غير مقبول، ويؤكد ازدواجية المعايير، متسائلاً: هل قامت فرق التحقيق التابعة للأمانة الفنية بزيارة مواقع الحوادث المزعومة في سورية.. الجواب لا.. وكل التقارير التي صدرت عن المنظمة في حوادث مزعومة في سورية لم تقم فرق المنظمة بزيارة مواقع تلك الحوادث على الإطلاق.
ولفت عطية إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها مستمرون بفرض سياسات الهيمنة والحصار والإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تمثل أداة للإكراه والضغط الاقتصادي والابتزاز السياسي، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة وفوق ذلك، تتحدث هذه الدول عما تسميه “النظام القائم على القواعد” كبديل لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ وقواعد القانون الدولي، لكن الثابت أن هذا النظام هدفه تحقيق مصالح سياسية وعسكرية واقتصادية ضيقة للولايات المتحدة وحلفائها فقط، ويبرر ممارسة أعمال العدوان والاحتلال والنهب للثروات في العديد من الدول ومنها سورية، حيث تقوم الولايات المتحدة بنهب ثروات سورية في شمال شرق البلاد وحرمان شعبها منها، إضافة إلى تدريب ورعاية الإرهابيين في تلك المنطقة.
وأعلن عطية انضمام سورية لبيان دول حركة عدم الانحياز والصين الأطراف في الاتفاقية الذي قدمته سفيرة أوغندا إلى هذه الدورة، معرباً عن تأييد سورية لما جاء في الوثيقة المهنية والموضوعية التي قدمتها الصين إلى الأمانة الفنية والدول الأطراف حول التقدم المحرز على صعيد إتمام تدمير الأسلحة الكيميائية التي خلفتها اليابان في أراضي الصين.
يشار إلى أن اجتماعات الدورة الحالية للمجلس التنفيذي بدأت أمس الأول بمشاركة 41 دولة عضواً في المجلس، ونحو 70 دولة طرفاً في اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية بصفة مراقب، من بينها سورية التي يمثلها المندوب الدائم السفير ميلاد عطية، ونائبه السفير الدكتور لؤي العوجي، على أن تختتم الدورة غداً.