خبيرتان اجتماعيتان ترسمان خريطة طريق لـ«إنتاج» طفل قائد يحسن إدارة الأزمات

تشرين- إلهام عثمان:
جل ما تتمناه كل أسرة ومجتمع تنشئة “طفل قائد” واثق بنفسه قادر على حل وإدارة أزماته, لكن هذا ليس بالأمر السهل، بل يحتاج للجهد والصبر والتشاركية الإيجابية بين الأسرة والمدرسة والإعلام, لتكلل هذه الجهود أخيراً بتنشئة طفل قائد واثق بنفسه في اتخاذ القرارات السليمة من دون مساعدة أحد.

مفهوم المسؤولية
من المفاهيم الأساسية التي تساهم في تطوير الطفل تعليمه المسؤولية، هذا ما أكدته اختصاصية التربية والإرشاد الأسري د. مريم الحاج عثمان في تصريح لـ”تشرين”, مبينة أنه منذ الطفولة المبكرة حتى الطفولة المتأخرة, يجب جعل الطفل مسؤولاً ومحاسباً عن أفعاله وتصرفاته وأقواله, فتقع المهمة وبالدرجة الأولى على عاتق الأسرة, فينعكس ما تعلمه من خبرات على صحته النفسية والوجدانية والعقلية، ما يولد لديه ثقة عالية بالنفس تتجلى في حله أزماته بإيجابية.

نجاتي: التدرج في تعليم الطفل فن القيادة منذ الصغر يجعله لا يشعر بصعوبة العوائق التي تعترضه لاحقاً

دور الأسرة
من مؤشرات نمو وتطور المسؤولية عند الطفل أنه يصبح مستقلاً (على أن تكون الاستقلالية إيجابية وليست سلبية)، في اتخاذ قراراته ومن دون مساعدة الغير، وفق رأي الحاج عثمان.
وتلعب الأسرة دور الحاضن الأول في تعليم الطفل إدارة أزماته في المستقبل, على أن تكون تدريجياً وليس دفعة واحدة، حسب رأي الحاج عثمان, فتبدأ بتمرين الطفل وزجّه في التحديات الصغيرة والملائمة لسنه, ففي الشهر السابع وما فوق يمكن للأم في مرحلة زحفه أن تضع بعض “العوائق” أمامه من وسائد أو غيره, وتركه يتجاوز العوائق معتمداً على ذاته، أو بوضع قطعة قماش على رأسه وجعله يأخذ قراراً بإزاحتها عن رأسه مدافعاً عن نفسه, وفي عمر السنتين يمكن وضع خيارات متعددة أمامه من ثياب أو أطعمة بأشكال وألوان مختلفة لجعله ينتقي منها ما يرغب فيه “هو” لا نحن, وفي عامه الخامس نستطيع أن نطرح مشكلة ما، ونجري حواراً متبادلاً معه لإيجاد الحل المناسب للمشكلة, كما يمكن أن نجعله يعتمد على الأحرف والأرقام لإيجاد الحلول, فتصبح لديه خبرة في التعامل مع أي مشكلة تصادفه فيحلها بما يتناسب مع قدراته العقلية, شرط ألا نحرمه من طفولته بتحميله فوق طاقته، وتضيف: أما في مرحلة المراهقة فتوكل إليه بعض المهام اليومية في البيت, كأن يساعد الأم في تنظيف حجرته أو المساعدة في تعليم إخوته الأصغر سناً.

عثمان: مفهوم المسؤولية يُكتسب بالتدرج وليس دفعة واحدة لتمكين الطفل من “مفاتيح” يستطيع تطبيقها بسهولة فيصبح لاحقاً ناجحاً في المجتمع ولا يعرف المستحيل

امتلاك المفاتيح
من جهتها كشفت الاختصاصية النفسية غنى نجاتي من خلال حديثها لـ”تشرين” أن المدرسة تعد البيئة الثانية بعد الأسرة في تعلم الطفل فن ومهارات الطفل القائد في إدارة الأزمات, فيتعلم كيف يهتم “بنظافته الشخصية”, كأن يساعد في تحضير مائدة الطعام، هنا تحديداً يصبح الطفل قادراً على امتلاك “المفاتيح” التي تساعده لاحقاً في حل أزماته بسهولة, فيصبح ناجحاً ولا يعرف المستحيل.
كما أوضحت نجاتي أن التدرج في تعليم الطفل فن القيادة منذ الصغر يجعله لا يشعر بصعوبة العوائق التي تعترضه لاحقاً لأنها لم تكتسب دفعة واحدة.

تحذير من “الهليكوبتر”
وهنا حذرت الحاج عثمان من حماية الأسرة المفرطة للطفل، حيث يكونون بالمرصاد لأخطاء ومشكلات طفلهم, إذ يجب إعطاء الطفل دفة القيادة ليتعلم كيف يدافع عن نفسه فيتعلم من أخطائه ويتخذ قراره السليم, فالأم والأب المفرطان في الحماية يطلق عليهما ” الهليكوبتر”, وتوضح: السبب أنهما يحومان حول أطفالهم ومن كل الاتجاهات للدفاع عنه وحل مشكلاته، لكنهما في حقيقة الأمر يضيعان على أطفالهم فرصاً كثيرة في اكتساب مهارات وخبرات وتجارب حياتية تساعدهم في إدارة أزماتهم.
كما أكدت الحاج عثمان أن الأسرة والمدرسة تحتاج للصبر الكبير في تعليم الطفل المهام والخبرات مختلفة ليتحمل المسؤولية, وذلك بتوفير أنشطة إيجابية يومية لتدريبه حتى يصبح قائداً.

الفشل الإيجابي
وأشارت الحاج عثمان إلى أن الفشل جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية بإدارة الأزمات عند الطفل، فالإخفاق يعني أن يتعلم درساً للمستقبل، فيستفيد من أخطائه في مواجهة صعوبات الحياة، بذلك يصبح أكثر تحملاً للمسؤولية. كما يبرز دور المدرسة والمجتمع في تنمية الشخصية القيادية للطفل, وفق رأي الحاج عثمان بتوفير مناخ ونماذج وتجارب سلوكية إيجابية، والابتعاد قدر المستطاع عن السلوكيات السلبية, التي سيستقي منها الطفل لاحقاً.

البيئة السلبية
ولفتت الحاج عثمان إلى أن البيئة السلبية تؤثر في الطفل كثيراً، لكونها الدعامة الأساسية لتكوين الطفل القائد، فإذا كانت سلبية وتخلو من النموذح الإيجابي، فإنها تؤدي لاحقاً إلى الحرمان العاطفي فلا يستطيع اتخاذ قرارات صائبة, وتؤدي بالتالي إلى لحرمان العاطفي، فالقيادة لا تعتمد على السلطة بالإكراه، بل هي فن تواصل وإنصات له للعمل على تفكيك المشكلة إلى أجزاء وإيجاد الحلول المناسبة، وتقول: لكي نصنع طفلاً قائداً يجب إشباع الجانب الوجداني والعاطفي والجسدي لديه بالحب والاهتمام, فيصبح قادراً على مواجهة مشكلاته المحرجة، فيتعلم كيف يجامل الآخرين بأفراحهم وأحزانهم.
وشددت الحاج عثمان على أن للإعلام دوراً مهماً وحيوياً في تعليم الطفل إدارة أزماته بتوفير نماذج ناجحة، من خلال ما تعرضه شاشة التلفاز من برامج تعليمية هادفة ومسلسلات وبرامج ترفيهية وإعلانات.
من جهتها أسفت نجاتي لأننا لا نستطيع السيطرة على وسائل الإعلام سيطرة صحيحة وكاملة، فالصفحات الرسمية والتلفاز التابعة للمؤسسات الحكومية والوزارات، هي صفحات مدروسة بشكل كامل بما تبثه، على عكس ما تبثه صفحات «الفيس واليوتيوب» وغيرها.

مهارات التواصل
فن “مهارات التواصل” مع الآخرين أبرز سمات الشخصية القيادية للطفل, فإذا كان لديه تواصل جيد مع الآخرين حتماً ستكون لديه قيادة جيدة، فالقيادة بلا مهارات غير مجدية، وننمي مهارة التواصل حسب رأي الحاج عثمان بالابتعاد عن النقد السلبي والسخرية وإيجاد الفرصة المناسبة لمدح الطفل على نشاطاته وإنجازاته, وأن يتحمل نتيجة أفعاله مهما كانت، وأن نجعله يواجه منافسات بعد عمر عشر سنوات، لا سيما أن التفكير”الناقد” يبدأ يعمل في هذه السن كتفكير دماغي، بإدراكه الأمور أين أخطأ وأين أصاب، فتصبح لديه ثقة بنفسه في التعامل مع الآخرين، وأن يكون “مسؤولاً نزيهاً”، فالشخصية القيادية المسؤولة من دون نزاهة حكماً سترتكب الأخطاء والأمور السلبية، فالثقة والأخلاق إضافة إلى النزاهة هي بالمقام الأول عند الأطفال لإدارة الأزماتهم, و”الصدق والتحكم العاطفي والاستماع للآخرين”.

التخطيط
حتى نعلم الطفل كيف يخطط، وفق الحاج عثمان، يجب أن نضع له هدفاً واضحاً قابلاً للتطبيق، وتعليمه كيفية التخطيط الكبير بشرط “تجزئة الهدف” إلى أهداف وأمور صغيرة, حتى يصل الطفل إلى الهدف المنشود، وهنا تحديداً يصبح الطفل ذا شخصية قيادية, فيأخذه هدفه الصغير لهدفٍ أكبر وأسمى من المخطط له، كما علينا تشجيع “الفضول الطبيعي” لدى الطفل لا سيما أنه موجود بالفطرة عند الطفل، ولا تتم القيادة من دون العمل التعاوني والوصول للهدف ذاته, بممارسة الأنشطة الحركية التي توكل إليه.

البيئة السلبية
حسب رأي نجاتي، تؤثر البيئة السلبية فيما يتعلمه الطفل في إدارة أزماته، فيصبح شخصية انسحابية في مواجهة مشكلاته بدل التصدي لها، وتقول: هناك بيئات تشجع على إلقاء اللوم على الآخرين والتملص من المسؤولية، وأخرى تشجع على التلاعب العاطفي والاستغلال العاطفي بأن يشعر الآخرون بالذنب، إلا أن أفضل بيئة تلك التي تشجع على إيجاد حلول أو حلول بديلة وتجزئتها لتناسب الجميع.
وهنا يجب ألا ننظر الى ما قد يخلفه الطفل من فوضى، فمثلاً: إذا بادر الطفل ولأول مره بإعداد “سندوتش” تاركاً المطبخ في فوضى فعلينا ألا نؤنبه، مشيرة إلى أن المبادرات تجعل من الطفل إنساناً منتجاً ولديه صلابة نفسية وسيكولوجية لتحمل الصدمات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار