خبير اقتصادي يضع دراسات الجدوى الاقتصادیة كنقطة بدء لتعزیز كفاءة الاستثمار في المشاریع

دمشق- هناء غانم:

قد تكون الهيبة التي يحملها اسم دراسة الجدوى الاقتصادية، عند إطلاق أي مشروع عائقاً، وخاصة أمام رجال الأعمال الناشئين، لكن على ما يبدو أن هذا المصطلح ليس صعباً ومعقداً، كما فنده الدكتور عامر خربوطلي خلال جلسة الثلاثاء الاقتصادي التي أقامتها جمعية العلوم الاقتصادية مساء أمس في المركز الثقافي العربي في “أبو رمانة”.. من خلال المحاضرة التي جاءت بعنوان “دور دراسات الجدوى الاقتصادیة في تعزیز كفاءة الاستثمار في المشروعات للمشاریع -الحالة السوریة-“.

خربوطلي أوضح بداية أن المستثمر عند البدء بإقامة مشروع جدید یواجه مجموعة من الأسئلة والبدائل والاختیارات، وبخاصة في أحوال المنافسة وتكلفة رأس المال، حیث یسعى أن تكون القرارات على قدر كبیر من الجدوى والدقة والفاعلیة.
موضحاً أن رأس المال هو أحد عوامل الإنتاج الاكثر تكلفة وندرة، وكفاءة تخصصیه تمثل التحدي الأكبر للمشروع الاستثماري..

خربوطلي: إحداث اختراق تنموي محلي ومن محركات ذاتیة التحدي الأكبر لتجاوز عنق الزجاجة في مرحلة انتهاء التعافي المبكر وتحقیق الانتعاش الاقتصادي المنشود

انتعاش اقتصادي
وعن الحالة السورية قال: بعد أزمة قاسیة مرت بها سورية أدت الى معدلات نمو ضعیفة، وناتج محلي متواضع، وانخفاض قیمة العملة الوطنیة وعجز في المیزان التجاري وغيرها، هذا يتطلب إحداث اختراق تنموي محلي ومن محركات ذاتیة، معتبراً ذلك التحدي الأكبر لتجاوز عنق الزجاجة في مرحلة انتهاء التعافي المبكر وتحقیق الانتعاش الاقتصادي المنشود في ظروف وإمكانيات محدودة شدیدة التعقید، ولا یمكن لأیة عملیة نهوض جدیدة أن تتحقق من دون الاعتماد على ذلك.
المحاضر وضع خمسة مصادر للنمو في الناتج عالمیاً، هي: التقدم التقني، نمو رأس المال، نمو كفاءة التوزیع، نمو العملة، أي إن تراكم رأس المال هو أحد مصادر النمو ولیس المصدر الأساسي ولابد من التركیز على المصادر الأخرى الردیفة والمتمثلة في (الكفاءة ــ الإنتاجیة ــ التجدید التقني ــ ریادة الأعمال).
لافتاً إلى أن المشروعات الجدیدة الناشئة تحتاج لرؤیة مستقبلیة لضمان استمرار نجاحها.

خطة اقتصادية
ويرى خربوطلي أن دراسة الجدوى الاقتصادیة تساعد المستثمر على اتخاذ القرار الصحیح وتبرر تخصیص الموارد المالیة وبالتالي كفاءة استخدام رأس المال. وعلى مستوى الاقتصاد الكلي تقیس معاییر الربحیة الاجتماعیة أو القومیة انعكاس المشروع على (التشغیل- القطع الأجنبي-التقانة- المعرفة الفنیة -البنیة التحتیة- خلق فرص العمل المباشرة وغیر المباشرة…).
أما في القطاع العام، يضيف المحاضر، فتختلف السیاسات الاقتصادیة والاجتماعیة والنقدیة التي تضعها الدولة من فترة إلى أخرى، لعدم وجود السوق المالي وبالتالي تعذر وضع معدل خصم یعكس الحالة الاقتصادیة ومن ثم صعوبة تحدید تكلفة رأس المال.

وعدم توافر البیانات والإحصاءات اللازمة لدراسة الجدوى، وعن الفرص الاستثماریة، وتضارب المتاح منها إذا تم الحصول علیه من مصادر عدة وهذه المشكلة تواجه معظم الدول النامیة، حیث البیانات الإحصائیة عن المتغیرات الاقتصادیة هي بیانات قد تكون غیر كافیة وغیر دقیقة في بعض الأحیان.

معدل النمو المتوقع في سورية 1.5 % وكان النمو الحقيقي المسجل بين عامي 2019 و2020 سلبياً وبنسبة 3.87 %

وصعوبة تحدید نقطة البدایة والنهایة لكل مشروع استثماري بسبب تشابك متغیرات التقییم للمشروعات الاستثماریة ولذلك نجد أن أي قصور في أي مرحلة من مراحل دراسة الجدوى یؤثر على دقة وموضوعیة باقي المراحل الأخرى، وكذلك بسب طول المدة التي تستغرقها عملیات إنشاء وتنفیذ المشروعات الاستثماریة لتعدد الأجهزة المختصة بدراسة قرار هذه المشروعات.  كذلك صعوبة التنبؤ بالمتغیرات المؤثرة في تقییم العائد الاقتصادي للمشروع الاستثماري بسبب عدم استقرار السیاسة الاقتصادیة للدولة في بعض الأحیان من ناحیة (أسعار الصرف، سیاسة التجارة الخارجیة، الضرائب..).
وبين خربوطلي أن أي عملية لتوظيف الأموال ترافقها عادة درجة خطر معينة، لذلك فإن المستثمر يعطي المبلغ الذي يملكه الآن أهمية أكبر من المبلغ الذي سيحصل عليه مستقبلاً، ولهذا السبب يجب أن تغطي عملية الاستثمار على الأقل درجة المخاطرة والحرمان الآني من استخدام أمواله لإشباع حاجاته، لافتاً إلى وجود قاعدة استثمارية تسمى قاعدة القيمة الحالية أو تغير القيمة الزمنية للنقود، وتعتمد هذه القاعدة على حسم أو إرجاع الأموال المستقبلية لمعرفة قيمتها الحالية، وذلك بمعدل حسم مناسب يعبر عن أدنى عائد لا يقبل المستثمر الاستثمار دونه في وقت إعداد الدراسة، علماً أن هذا المعدل يعتبر مرتفعاً في الحالة السورية، فالمعدلات المعتمدة تتراوح بين 22-25 بالمئة، وهذا الأمر لا يمنح المشاريع قيماً حالية جاذبة للتدفقات المستقبلية.
وذكر المحاضر أن معدل النمو المتوقع في سورية هو 1.5 %، مبينا أن النمو الحقيقي المسجل بين عامي 2019 و2020 قد كان سلبياً وبنسبة 3.87 %، وأرجع ذلك إلى عدم كفاءة الاستثمارات، بل وتعثر عمل بعضها بطاقات غير اقتصادية وعدم تحولها لنمو اقتصادي يساهم في زيادة الدخل الفردي.

الاقتصاد السوري يحتاج الى خريطة استثمارية مؤثرة ليس على المستوى الجغرافي أو القطاعي بل على مستوى أولويات هذه المشاريع ما بعد التعافي المبكر

لا توجد منظومة دعم كافية
وحسم المحاضر الأمر عندما أكد أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى خريطة استثمارية مؤثرة ليس على المستوى الجغرافي أو القطاعي، بل على مستوى أولويات هذه المشاريع ما بعد التعافي المبكر، خاصة مع عدم وجود منظومة دعم كافية لإقامة مشاريع ريادية جديدة من ناحية التمويل والمعلومات والاستشارات والتدريب والضرائب، ما يؤثر في الاستثمار باعتباره محدد إعادة انطلاق الاقتصاد السوري وتخطي مرحلة التعافي المبكر وصولاً إلى مرحلة إعادة الإعمار.
ثم عاد وأكد أن مناخ الاستثمار في سورية يحتاج إلى بيئة تشريعية ومالية وضريبية وتجارية وجمركية مرنة وغير معقدة وغير مكلفة. لافتاً إلى أن دراسات الجدوى الاقتصادية في سورية لم تصل لأن تكون الوثيقة الأساسية لضمان التمويل بجميع أشكاله بعد إعادة تحليل الدراسة من جهات التمويل المختصة، موضحاً أن السبب الرئيسي وراء ذلك هو الطاقات الإنتاجية غير الكاملة للعديد من المشاريع الاستثمارية القائمة حالياً نتيجة صعوبة تأمين الطاقة والمستلزمات والعمالة، الأمر الذي يجعل مؤشر التعادل الحرج مرتفعاً ويزيد من تكاليف الإنتاج وبالتالي ارتفاع الأسعار وصعوبة المنافسة على كل المستويات…

دراسات الجدوى الاقتصادية في سورية لم تصل لتكون الوثيقة الأساسية لضمان التمويل بجميع أشكاله بعد إعادة تحليل الدراسة من جهات التمويل المختصة

نتائج ومقترحات

تقدم د. خربوطلي بعدة مقترحات تطوير دراسات الجدوى الاقتصادية في سورية، مؤكداً أنه لا معنى لأية سياسات اقتصادية أو مالية أو نقدية أو تجارية إذا لم تؤد في النهاية إلى تحقيق معدلات أعلى من الدخل الفردي الحقيقي، فالسياسات ليست مطلوبة لذاتها بل لهدف أكبر وهو تحسين مستويات المعيشة.
والأهم تمتين الروابط والتناغم ما بين السياسة النقدية والمالية والسياسة الاقتصادية من خلال تحقيق معدلات نمو مرتفعة وتخفيض معدلات الخصم للقيم الحالية تخفيضات ضريبية للمشاريع القائمة والجديدة لرفع القيم الحالية للتدفقات الداخلة وكبح جماح التضخم بعد التحكم بالكتلة النقدية المطروحة في التداول.
وركز على ضرورة الاهتمام بصورة أكبر بالدراسة التسویقیة وتوفیر المعلومات اللازمة لها والتركیز في المسوحات المیدانیة التسویقیة وتشجیع قیام شركات متخصصة في هذه المجالات، وإصدارها دورياً، مع ضرورة العمل على توفیر المعلومات الإحصائیة بجمیع جوانبها المناسبة بلا تأخیر وتعدیل البیانات بما یتناسب مع الأوضاع الاقتصادیة والمالیة وتشمیل المجموعات الإحصائیة السوریة لأقسام جدیدة تساعد في توفیر المعلومات العملیة لدراسات الجدوى.
بالإضافة إلى التزام القطاعين الخاص والعام بتقدیم بیانات كاملة وصحیحة عن طبیعة عملهما: (عدد العمال، الآلات، حجم الإنتاج، عدد الوحدات المنتجة).
والسماح للباحثین من القطاع الخاص أو من الجامعات ومعاهد البحث بإجراء الدراسات والأبحاث اللازمة التي تخدم مصلحة الاقتصاد الوطني مهما كان نوعها من خلال الاطلاع على المعلومات والإحصائيات بصورة مبكرة.
والعمل على رفع كفاءة الكوادر الوطنیة في مجالات دراسات الجدوى سواء في القطاعین الخاص أم العام، والاستفادة من الخبرات العربیة والأجنبیة، والأهم وضع المعاییر الكفیلة بقیاس أثر المشروع على الاقتصاد الوطني بصورة كمیة، وإلزام الأجهزة الحكومیة المختصة بتقییم المشاریع باعتمادها وبخاصة في مجال العمالة أو القطع الأجنبي والمعرفة الفنیة، إضافة إلى توجیه المؤسسات التمویلیة المحلیة بإعادة تقییم المشروعات الاستثماریة وعدم الاكتفاء بدراسة الجدوى التي غالباً ما تكون ضعیفة والتي یتم الموافقة على تشمیل المشروع من خلالها.
إضافة إلى إعداد دراسات جدوى أولیة لقطاعات معینة مهمة للاقتصاد الوطني، للمساهمة في ترویج المشاریع الاستثماریة والإعلام عنها في النشرات والمواقع الإلكترونیة، مع التوجیه أن تكون الدراسات التي یتم التقدم بها للجهات الرسمیة والمصارف معدة من قبل مكاتب استشارات اقتصادیة مسجلة بصورة نظامیة ومعتمدة من قبل نقابة المهن المالیة والمحاسبیة حصراً..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار