ترجيح

أثناء التحكيم تعبر الأعمال برشاقة فيتخطى الجيد حواجز “الشروط” سريعاً، ويتعثر “الرديء” خارجاً من السباق، لكن تبقى بعضُ “الأعمال” المحيرة التي تقف في الوسط تماماً فلا يستطيع المحكّمُ وضعها مع الجيد ولا مع “الرديء”! أعمال “الوسط” هذه لم تجد حلاً إلّا فيما يُعرف بالترجيح! كان هذا في “الفقه” وآرائه واجتهاداته وتشعباته، وفي أحكام القضاء وفضّ النزاعات وليس وليداً مع ألعاب كرة القدم المعاصرة التي انتهت إلى ضربات الجزاء بعد أن حافظ فريقان على سوية لعب عالية لكن يجب على واحد منهما أن يخسر!
في مجالات أخرى التي يتحتم فيها “الترجيح” يوافق ناقدٌ على عمل إبداعي، ويرفضه آخر، كما في مجال المطبوعات، هنا يتوجب الترجيح، ويُعطى العمل لطرف ثالث يحسم “قلقلة” الميزان الذي كان فيه اختلاف كفتين، فيذهب إلى الرفض أو القبول!
في عالم المسابقات، بحسب تجربتي، يُستخدم ما يشبه التصويت وهو شكلٌ من أشكال “الترجيح” الذي قد لا يحتمل “تسخين” الحجج والذرائع أما في مجال النشر والطباعة فالمناخ يكون أهدأ، لأن هناك طرفاً واحداً مضافاً هو من سيعطي إحدى كفّتي الميزان ثقلها العادل، ومن المفارقات أن “المرجّح” يستخدم نفس القواعد ونفس قطع الميزان لتستقيم الكفَّتان فلماذا يكون الخلل الذي استوجب الترجيحَ أصلاً؟ رغم أن من قلل من شأن “الموزون” يدافع عن رأيه بصلابة، لكن قد يكون هناك بعضُ المخفيّ لم يبدُ له بوضوح أو أن وسائله المعتَمَدة، غابت وقتَ نصبِ الميزان، ولطالما سمعنا أو رأينا أنَّ أعمالاً خسرت في ميزان التقييم ولم تحظَ بترجيح لسبب أو لآخر، جعلها الزمن في ذروة تستحقها، أو كان العكس تماماً، حظيت بوزن ذهبي، ثم سقطت بين معادن رخيصة!
دقيق جداً ميزان الفنون، حيث لا وجود للأوزان النحاسية المتدرجة في الغرامات، قبل اختراع الميزان الإلكتروني الدقيق في مؤشراته، ولا وسائل لإصلاح حامل الكفتين إذا أصابه خلل في الاستقامة ليثق البائع والشاري بإشارته إلى الكمية المطلوبة! لهذا يجب أن يُنزَّه ميزان الفنون من الخلفيات الشخصية والمواقف المسبقة والهوى الإيديولوجي وتصفية الحسابات مما لا يمكن أن يُقاس بأوزان معدنية من نحاس أو غيره (هي أوزان تامة لا تحتمل شكوكاً ولا اجتهادات) ولعلّ التجربة الطويلة وحدها هي من تصطفي “المرجّح” وتعطيه المصداقية حين يكون هناك خلافٌ على عملٍ فني، يحتاج إلى وضعه في مكانه اللائق!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار