بوصلةُ الإنقاذِ السّريع
لعلها ليستْ مفاجأةً أن نكتشفَ مع انطلاقةِ جلساتِ العصفّ الذهني القطاعية حول خيارات “الإنقاذ” الاقتصادي وامتداداته إلى البُعدِ الاجتماعيّ، أن بيئة مثلِ هذا المشروع الاستراتيجيّ- الوطنيّ ليست ناضجةً بعدُ، على الرّغم من إلحاحِ الحاجةِ، وقد تكون المشروعاتُ الصغيرةُ والأصغرُ كاستحقاقٍ ارتقى للتوّ إلى نسقِ ما هو في مقدمةِ أولوياتِ الدولة، مناسبةَ الاكتشافِ أو على الأقل التيقّنَ من هذه الحقيقة.
وإن كنّا قد عقدنا النيّةَ وجددنا العزيمةَ وبقرارٍ لا رجعةَ عنهُ على “كسر عقدة” مشروعاتِ الإنقاذِ التنمويّ الأفقيّ بكل اتساعِ طيفه، فإن ثمةَ ترتيباتٍ لازمةً للتوطين الممأسسِ لها، على المستويات التشريعيةِ والإجرائيةِ متعددةِ الأوجهِ إدارياً وتمويلياً وتشغيلياً، وهذا بكل تأكيد سيستغرقُ كفايته من الوقت، فمن عادة مثل هذه الاستحقاقاتِ ألا تسامحَ بشرط الزمن الذي يبدو ضرورياً لإنضاج بيئة الاستجابةِ المرنةِ لها.
هنا نقف أمامَ خياراتٍ متنازعةٍ – على قلّتها- أو بالأحرى خيارين، فإما انتظارُ الجهوزيةِ التامة لبيئة الانطلاق.. أو الانطلاقُ مباشرةً والشروع بالتطبيق على الأرض ولو على طريقة “ماتيسّر”.
والحقيقة، يبدو الخيار الثاني أكثرَ واقعيةً، بالنظر إلى إلحاح الحاجة لفعل شيء ما يعيدُ تحريك عجلةِ الإنتاج والتنمية وفق لوائح الميزات والمقومات المنسوبة إلى ما نسميه عادة “الخصوصية السورية”، وتشمل المناخَ والطبيعةَ والمهاراتِ المكتنزةَ تاريخياً، وكلها مادة أولية لإنتاج سلاسل القيم المضافة الحقيقية والدسمة في الواقع.
نتحدث بواقعية.. والوقائع تؤكد أن لدينا آلاف المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر أسريةِ الطابعِ المنتشرة أفقياً وغير المرخصة، نشأت من وحي الحاجة مدعومةً بالخبرات التشغيلية المصقولة بالتقادم، وهذه مطارحُ جاهزةٌ لاستهدافها بشيء من التنظيمِ والدعم والمأسسة، لتطويرها وتعزيزها وتوسيع دائرةِ تمكين أصحابها بذات الاتجاهات التي نخطط أو نطمح لها.
ففي سورية أصحاب مشروعاتٍ صغيرةٍ يجيدون العمل باحترافية ومهارة وإصرار وهِممٍ عالية، لكنهم ليسوا مفوّهين.. ليس لديهم مَلكةُ الكلامِ ولم يتعلموا تدبيجَ لوائح المطالب، علينا نحن أن ندرس لهم الآفاق الممكنة لتطوير مشروعاتهم وإعادة تنظيمها وتنميتها وتعزيزها في سياق الرؤى التي نعدُّ ونستعدُ لها اليوم.. ولنُسمّها ما شئنا.. فالمسمياتُ ليست موضعَ خلاف، لكن نظنّ أن التسميةَ الأنسبَ لها هي “مشروعات الفقراء” .. الفقراء المدفوعون بعزم الحاجة، ولطالما كانت الحاجةُ أمَّ الاختراع.
هذه المرة علينا أن نكون مرنين كفايةً ونقاربَ هذه المشروعات بالطريقة التي يمليها الواقع، لا التي يفرضها “صَلف الدارسين” وبطء حراكِ المعنيين بضبط الارتباط بين التخطيط والتنفيذ، أي ربما علينا أن نبدأ بالعكس حيث يبدو العكس هو الصحيح، ولنبدأ من الأسر و الكوادر الخبيرة التي سبقت التخطيط بالتطبيق، وامتلكت إرادةَ العمل التي ربما ستكون لاحقاً “الإرادة والرغبة” أحد معوقات توطين ونشر مشروعات جديدة وفق النموذج الذي نصبو إليه جميعاً.. لنبدأ من مشروعات الأسر البسيطة وهي ستدلنا على الطريق الصحيح الذي لو مشينا عليه لن نضلّ الهدف.