هل يُمكّننا شكل الشخص وصوته من الحُكم السليم على الأشخاص؟
تشرين – إلهام عثمان:
نظرة سريعة وخاطفة لوجه شخص ما أو سماع صوته؛ تجعلنا نرسم أحكاماً مستقبلية تجاهه، والغريب أن تلك النظرة، كفيلة في إطلاق واتخاذ أحكام وقرارات مستقبلية تجاه الآخرين، من خلال صورة ثابتة “لوجه أو صوت جديد غير مألوف”، فإما أن تأسرنا أو تبعدنا.
إطلاق حكم
نبرة الصوت و تعابير الوجه اللطيفة منها أو الحادة هما من يساعد في إطلاق أحكامنا ورأينا “المتحيز” للآخرين، هذا ما أكده الخبير الاجتماعي محمد اللادقاني من خلال حديثه لـ”تشرين”, لكنهما في ذات الوقت.. يساعدان على الانجذاب للشخص الآخر وتقبله، فإما أن نرحب به ونبني معه صداقة وعلاقة متينة، أو نرفضه سلفاً, فالعديد من القررات الفورية تستند إلى قوالب نمطية مكتسبة، والأمر نفسه ينطبق على الأصوات وفق اللادقاني، حيث نربط المشاعر والسمات المميزة، مع طريقة سماعنا صوت شخص ما، وهنا يوضح أننا كبشر ننظر للصوت على أنه “وجه سمعي”، يحتاج المستمع فيه إلى كلمة واحدة فقط لتكوين رأي بشأن المتحدث أمامنا.
المحمد: التلاعب بالصوت وتعابير الوجه يمكن إدراكها من عواطف حقيقية بتغييب تعابير الوجه والصوت عن “قصد”
وفي سياق متصل أشار أحد طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية مازن المحمد لـ”تشرين”, إلى أن التلاعب بنبرة الصوت وتعابير الوجه، تعتبر أهم المهارات والأدوات التي يستخدمها الممثلون في تقمص شخصيتهم في الأدوار المطروحة عليهم، ومن خلال تلوين صوته والتلاعب بطبقات الصوت، ما يمثل مشاعر حقيقية يمكننا إدراكها، ويكون ذلك بتغييب تعابير وجهه وصوته عن “قصد”.
اللادقاني: نحن كبشر ننظر للصوت على أنه “وجه سمعي”
من جهته نوه اللادقاني بأن العلم يخبرنا دائماً أن ما نشاهده “جميعنا” هو الشيء ذاته، عندما ننظر إلى وجه شخص ما، فبعض الناس يجدون الوجوه الجديرة بالثقة فنحن نقرر من نريد أن نصادق، وإن كنا نريد أن نتواصل ونشكل علاقة وثيقة معه، طبعاً بناءً على انطباعنا الأول عنه.
النزعات اللاواعية
ليس من الغريب أن يكون لدى الناس هذه الأنواع من النزعات اللاواعية، وفق منظور اللادقاني، فالبشر عندما يفكرون في الأمر من ناحية التطور في ماضينا، و قبل أن تكون لدينا لغة محكية كرئيسيات غير بشرية، كان التواصل بالإشارات والإيحاءات، بما فيها من إشارات الوجه والصوت والجسم أمراً “بالغ الأهمية”، للبقاء على قيد الحياة وتكوين مجموعات.
الانطباعات الأولى
الانطباعات الأولى قد تكون مذهلة في بداياتها ألا أنها خادعة حسب رأي اللادقاني، فوجوهنا وأصواتنا تكشف الكثير عنا، وأصواتنا توضح ما في داخلنا، إذ إن مستوى الثقة الذي تبنيه عند رؤية شخص آخر حتى لو كان غريباً تماماً، قد يشمل أحكاماً غير عادلة بما فيها عقوبة ما أو قرار توظيفه الفوري، وهذا ما نشاهده كثيراً من خلال مقابلات التوظيف.
دليل استخدام السلوك
يعتبر الوجه بالغ الأهمية لتوضيح طريقة تواصلنا مع الآخرين، كما أن النبرة وطبقات الصوت وغير ذلك، أسباب تجعل التفاعل بشكل صحيح، وأنه حكماً لا يوجد دليل استخدام للسلوك، فهناك كثير من الحالات التي يكون فيها الوجه متطابقاً ويحمل الملامح نفسها، لكن السياق والمحتوى والصوت تغير طريقة فهم هذا الشخص بشكل كبير، من حيث تنغيم الصوت ونوع النبرة و الأسلوب في التواصل مع الآخرين، فتظهر النوايا والمشاعر والعواطف التي يشعرون بها فيما يريدون.
رؤية أعمق
“تشرين” تسأل: كيف يمكننا قراءة مزاج شخص ما؟ هنا يوضح اللادقاني أنه يتم ذلك عن طريق “تغير ملامح وجهه”, فهو يرسم ملامحه حسب حالته المزاجية، إلا أن نبرة الصوت تمنحنا رؤية أعمق وأصدق من ملامح الوجه، حيث يمكن للشخص التحكم أحياناً برسم ملامح وتعابير وجهه، ألا أنه لا يستطيع التحكم بنبرة صوته، فالأصوات هي إشارات صادقة، بشكل خاص، ومن الصعب جداً إخفاء شيء ما مسموع بصفتنا منصتين، فإننا كبشر خبراء في اكتشاف أصغر التغيرات في صوت شخص ما، هذا ما يجعل تزييف نبرة الصوة صعباً جداً، ويشير بشكل عام إلى أننا قادرون على التحكم بتعابير وجوهنا أكثر من تعابير أصواتنا بكثير, فكل كلمة نقولها.. تكشف عنا أكثر مما ندرك.
اللادقاني: الأصوات إشارات صادقة..و من الصعب جداً إخفاء شيء مسموع بصفتنا منصتين
من جهته نوه اللادقاني إلى أننا كمستمعين نتأثر بالشخص الذي يتحدث إلينا لا شعورياً ونتفاعل معه، أي نتبنى قلقه أو شكه أو إثارته أو حتى سعادته كما لو كانت تخصنا، ويكون ذلك نوعاً من “المزامنة” التي تربط بين شخصين بما يسمى بالتقليد لا شعورياً (نتفاعل)، وأن الصوت أداة تمكننا من جذب وإقناع وتحفيز الآخرين ويتعلق ذلك بتوصيل رسالتنا، فليس ما تقوله هو المهم.. بل كيف تقوله وهنا نجد؛ أن الأمر كله يتعلق بكيفية استخدامنا لأصواتنا لإيصال المحتوى لمن نرغب.
التقليد
غالباً ما يثير الشخص المبتسم نوعاً من السعادة بداخلك وفق منظور اللادقاني، فعندما ترى شخصاً مبتسماً تبدأ أحياناً في الابتسام لا شعورياً، فكلما أحببنا شخصاً ما
(زاد تقليدنا له)، أي نقلد أكثر.. عندما نريد أن نكون محبوبين.
وختم اللادقاني إن أهم قرارات الحياة السريعة قد تكون غير عقلانية في بعض الأحيان، فيما يتعلق بمن نرغب، لكن في حقيقة الأمر ليس لدينا إدراك عميق لتلك المشاعر ونحفزها غالباً فنحن نتعايش معها، إلا أن هذه الأشياء تحدد جميع سلوكياتنا.