زكريا عباس … رغم فقدانه البصر تغلب على رحلة المصاعب بإرادته وعزيمته ونال درجة الدكتوراه بعلم الاجتماع بدرجة امتياز

اللاذقية- سراب علي: 

إصابته بعمر السبع سنوات أفقدته بصره وهزمته وأبعدته عن مقاعد الدراسة ١١ عاماً، شكلت عنده العزيمة بعد سنوات الانقطاع بتشجيع من أصدقائه وأهله، فأصبح زكريا عباس خير دليل على قوّة الإرادة، إذ تخطّى حواجز الصعاب وكسر قيود المجتمع ونال ما يستحق، فأصبح المستحيل ممكناً والحلم حقيقية، طوى عناء واستياء سنوات من الهزيمة بعزيمة هي أقوى من أن توصف، فكانت رحلة الدراسة بكل صعوباتها وهمومها، ورغم فقدانه البصر فقد نال درجة الدكتوراه في علم الاجتماع منذ أيام بتقدير ممتاز ومعدل ٩٠ من أصل ٩٥ ليصبح زكريا عباس دكتوراً رغم فقد البصر.

من رحم ومعاناة الواقع ناقش عباس أطروحة الدكتوراه في كلية الآداب والعلوم الانسانيّة بجامعة تشرين بعنوان: (أثر المنعكسات الاجتماعية والاقتصادية للحرب على سورية في واقع الزواج وموقف الشباب منه)، مقتدياً بمقولة (أفكاركم أقداركم) مؤمناً بقدرته وبما يمكن أن يقدّم.

كما كان العمل التطوعي جزءاً من حياته، إذ يشغل عباس حالياً أمين سر جمعية المكفوفين باللاذقية وعضو مجلس إدارة فيها منذ ٤ سنوات وهو متطوع في دائرة العلاقات المسكونية والتنمية في جبلة وبفضل عمله التطوعي استطاع مساعدة الكثيرين ودعمهم.

١١ عاماً والمستقبل مجهول

تحدث عباس لـ”تشرين” عن إصابته التي تعرض لها في رأسه بعمر السبع سنوات في مدرسته وأدت إلى انفصال الشبكية وبالتالي فقدان البصر، وهذا شكل نقطة تحول كبيرة في حياته كان نتيجتها ابتعاده عن الدراسة مدة ١١ عاماً ليصبح المستقبل أمامه مجهولاً.

وأضاف: إن دعم الأصدقاء والأهل شكل نقطة تحول ثانية غيّرت حياتي، فتواصلت مع جمعية المكفوفين في اللاذقية، وتقدمت لدورة محو الأمية ونلت بعدها شهادة محو الأمية ليستمر دعم الأهل والأصدقاء من حولي وحصلت على الشهادة الإعدادية عام ٢٠٠٦، وأنا بعمر الـ ١٧ عاماً، بمساعدة الجمعية والأصدقاء تم تأمين التسجيلات للمنهاج ونلت ٢٥٧ درجة من أصل ٢٩٠.

وتابع عباس قوله: تقدمت عام ٢٠٠٨ للشهادة الثانوية وكان حينها دعم الأصدقاء مستمراً، وكانوا يسجلون المواد لي ويساعدونني في الحفظ، ونلت مجموع قدره ١٩٠ درجة، فزادت إرادتي وتعلقي بمستقبلي وتابعت دراستي في قسم علم الاجتماع بجامعة تشرين، وكنت الطالب الوحيد من ذوي الاحتياجات الخاصة في دفعتي وكنت أحقق كل عام تفوقاً وأحصل على شهادة الباسل للتفوق الدراسي.

دعم الأصدقاء والأهل

لم تخلُ سنين زكريا الأربع من الصعوبات خلال دراسته في الجامعة، حيث النظرة الاجتماعية السلبية ونظرة الناس المليئة بالشفقة المتبوعة بكلمة (يا حرام) وخاصة عندما حاول الاعتماد على نفسه وقرر أن يستقل السرفيس وحده من جبلة مكان سكنه إلى اللاذقية من دون مرافق سوى صديق كان يرافقه إلى السرفيس، وصديق آخر يستقبل وصوله عند باب الجامعة ليتردد على مسامعه كلمات: ( يا حرام ليش أهله تاركينه لحاله متل الشحاد، الله يعينه وغيرها الكثير..) أثرت سلباً عليه حتى انقطع لفترة طويلة عن الجامعة، وعاد بدعم من حوله لترافقه صعوبات جديدة تمثلت بنقص الوسائل التقنية في ذلك الوقت، حيث كان بأمس الحاجة لحاسوب محمول أو جوال حديث للاحتفاظ بالتسجيلات للمحاضرات وحلقات البحث، ولكن وضع أسرته المتواضع والحالة المادية السيئة حالت دون ذلك، حتى تبرعت دكتورة في القسم بحاسوب محمول له، وتعطل الحاسوب فاستعار حاسوباً آخر من جمعية المكفوفين، وتابع دراسته حتى التخرج من الجامعة بمعدل 82.22.

مشيداً بتعاون والدته مع أصدقائه ودعمهم له، حيث كانوا يتناوبون على إيصاله إلى الجامعة من جبلة إلى اللاذقية وكذلك تجهيز التسجيلات والمحاضرات كلها له.

قوانين ولكن ..

وأضاف عباس: بدأت معاناة أخرى استمرت السنتين في عام ٢٠١٢، إذ لم يشفع لي تفوقي أمام القوانين والقرارات في الجامعة لأكون معيداً فيها، فحسب القوانين أنا شخص غير مؤهل صحياً لأدرس الطلاب، واستطعت عام ٢٠١٤ أن أتلقى الدعم من السيد الرئيس بشار الأسد وتم تعييني معيداً في الجامعة.

ولفت عباس إلى أن بداية التدريس شكلت الاستغراب من قبل الطلاب أن يكون أستاذهم مكفوفاً، قائلاً: كنت أستعمل الذكاء المهني في التدريس، حيث كنت أدخل القاعة قبل الطلاب بوقت، وأتعرف على تفاصيل القاعة وعدد المقاعد، وفي المحاضرة كنت أتجول بينهم، وأعرف كيف يتحركون من ترتيب المقاعد و بعدها أصبحت صديقاً لهم ولايزالون يتواصلون معي حتى الآن.

ومنذ سبع سنوات بدأ بالتحضير للماجستير وحصل عام ٢٠١٩ على رسالة الماجستير، وكان هذا بدعم زوجته وأصدقائه، ليستمر بإرادته القوية وفكره السليم وبصيرته التي لم يطفئها وهن المجتمع أن يكون دكتوراً جديراً بهذا اللقب وجديراً بثقة من حوله، ليثبت أنه لا مستحيل مع الإرادة القوية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار