في اليوم الـ 39.. الكيان الإسرائيلي يتخبط أكثر و«الرأس المكشوف» يُقيد خيارات واشنطن.. التحشيد العسكري الثقيل بلا قيمة تذكر؟!

تشرين- مها سلطان:
إذا ما صحّ «القلق» الأميركي تجاه مسألة أن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى جر الولايات المتحدة باتجاه تصعيد إقليمي أوسع، فإن كل ما يفعله هذا الكيان هو تعميق القلق الأميركي.. وإذا ما اعتبرنا أن التهديد الإسرائيلي أمس «بمهاجمة لبنان برياً إذا اضطر الأمر» تهديد قابل للتنفيذ في الأيام المقبلة – مع ما تشهده جبهة الشمال من ارتفاع وتيرة الاستهداف والتصعيد – فإن القلق الأميركي لا بد أن يرتفع منسوبه، إذ إن الكيان الإسرائيلي هنا لا يخاطر بتوسيع التصعيد فحسب، بل يخاطر بهزيمة أخرى له وللولايات المتحدة، وربما بصورة أكبر للولايات المتحدة التي باتت تدرك تماماً حقيقة ما يسمى «الرأس المكشوف» في المنطقة، فالولايات المتحدة باتت في هذا الوضع تماماً أياً يكن من أمر التحشيد العسكري الثقيل الذي تراكمه والذي لن تستطيع اللجوء إليه إلا ضمن قواعد محددة مضبوطة، بينما الضربات التي تستهدف قواعدها بصورة يومية ومتصاعدة بالكم والعدد والجغرافيا، لا تخضع فعلياً لمثل هذه القواعد، وفصائل المقاومة في المنطقة ليست في وضعية الرأس المكشوف رغم ما تعلنه الولايات المتحدة عن ضربات جوية تستهدف مواقع لها، والتي يأتي الرد عليها في كل مرة أعنف وأقوى.
*** ***
وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، فإن القلق الأميركي يتجاوز جبهة الشمال ليشمل كل المنطقة، الصحيفة الأميركية أكدت أن الرئيس الأميركي جو بايدن «رفض خيارات قصف أكثر عدوانية على سورية والتي اقترحتها «البنتاغون» خوفاً من إثارة صراع أوسع مع إيران»، مشيرة إلى تململ «جمهوريين في الكونغرس» من «الرد المحدود للبيت الأبيض الذي لم يؤدِ إلا إلى هجمات أكثر تكراراً وأكثر خطورة ضد القوات الأميركية في المنطقة».. فمنذ 17 تشرين الأول الماضي تجاوز عدد الضربات التي تعرضت لها القواعد الأميركية الـ50 ضربة فيما الإصابات في صفوف الجنود الأميركيين تجاوزت الـ100 إصابة، باعتراف «البنتاغون».
وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن إدارة بايدن تقترب من انتخابات رئاسية مصيرية، فإننا ندرك مسألة أن هذه الإدارة لا تريد المغامرة بتوسيع الهزيمة على جبهة غزة، أو الدخول في هذه الانتخابات وهي في «حالة حرب» إذا جاز التعبير، بمعنى في حالة مواجهة أوسع في المنطقة ومخاطرة بتراجع أكبر للنفوذ الأميركي فيها.
وعلى ذمة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن فإنه «ليست لدى الرئيس بايدن أولوية أعلى من سلامة الأفراد الأميركيين، وهو من يوجه أمر الهجمات للتوضيح أن أميركا ستدافع عن نفسها وجنودها ومصالحها».. لكن أوستن لم يذكر إلى أي مدى يمكن أن تصل أولوية بايدن، وهل سيتم الاكتفاء بهذه «الضربات المحدودة»، وفق تعبير «الجمهوريين المتململين» التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الخسائر الأميركي؟ ربما إدارة بايدن هي في المرحلة الأكثر انحشاراً وضيقاً في الخيارات المتاحة، وهذا أمر طبيعي في ظل أن الولايات المتحدة لطالما اعتمدت بصورة كليّة بالمجمل على الخيارات العسكرية الموسعة أو الثقيلة، لكنها في المنطقة وصلت إلى المرحلة التي لا تستطيع فيها اعتماد هذا الخيار.. فلقد سحبت فصائل المقاومة منها ميزة المبادرة والبدء والتصعيد، لتصبح مجبرة على التفاوض وإن كان هذا التفاوض يتم على قاعدة من الابتزاز والتهديد، هنا لا بد من التذكير بجولتي آموس هوكشتاين، كبير مستشاري بايدن، ووليم بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» في المنطقة الأسبوع الماضي، اللذين عادا إلى بلادهما من دون أن نعرف بماذا عادا، حتى إن نتائج جولتيهما غابت عن وسائل الإعلام بشكل عام، بما فيها الأميركية، فهل عادا بلا نتائج؟
*** ***
كل ما سبق يبدو أنه يدفع الولايات المتحدة إلى ممارسة مزيد من الضغوط على الكيان الإسرائيلي، ليس لإنهاء حربه على غزة، بل للإسراع في إنهائها أياً تكن الوسائل ومهما كان حجم التدمير أو أعداد الضحايا، ولأن إدارة بايدن في مرحلة انتخابات مصيرية، فهي تعتمد في هذا الضغط على شركائها الأساسيين، وفي مقدمهم بريطانيا وألمانيا، كما أن إدارة بايدن في مرحلة انتخابية صعبة في ظل أنها باتت تتأثر مباشرة بما يجري على جبهة غزة، وبما تفرزه الحرب الإسرائيلية على أهل غزة من غضب شعبي عالمي ينعكس في صورة تظاهرات عارمة مستمرة تدين الكيان الإسرائيلي وداعمه الأميركي، وتدعو إلى وقف الحرب على أهل غزة العزل بمواجهة أعتى ترسانات الحرب والعدوان.

لكن إدارة بايدن لا تريد وقف هذه الحرب، وهي إن كانت تتحدث عن «هدن» وتتماشى نوعاً ما مع دعوات وقف الحرب، إلا أنها بالمقابل تدفع بشركائها، من أمثال قادة بريطانيا وألمانيا إلى التقدم بخطوات تعرقل كل الجهود والمبادرات لوقف الحرب، إذ لا تبدو الولايات المتحدة في وارد إغلاق جبهة غزة على هزيمة للكيان الإسرائيلي، وهي فعلياً هزيمة لها، ستنعكس على كامل نفوذها في المنطقة.
وعليه، فإن الكيان الإسرائيلي يُوغل أكثر فأكثر في إجرامه ضد أهل غزة، مُعمّقاً ومُعمّماً المأساة الإنسانية التي طالت كل شبر من غزة، حتى المشافي حوّلها الكيان إلى «مواقع إعدامات جماعية» لا ترحم كبيراً ولا صغيراً.
عدّاد الأيام وصل إلى اليوم الـ39 ولا تزال المذبحة الإسرائيلية مستمرة بحق أهل غزة، لكن المرحلة المقبلة ستشهد ارتباطاً أكبر بين عدّاد غزة وعدّاد التصعيد في المنطقة، أياً تكن المحاولات الأميركية لمنع توسع التصعيد فهناك سياق من التطورات الحتمية يفرض نفسه وبما لا يمكن معه الحديث عن المنطقة نفسها التي كانت قبل الـ7 تشرين الأول الماضي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار