١٠ ملايين «نتنياهو»
دعونا نعترِف ببراعةِ التنظيمِ داخلَ مكوّنات ومؤسّسات الكيان الصهيونيِّ، من «نتنياهو» حتى أحدث مستوطنٍ وافدٍ إليهم، تنظيم لو امتلكناه، نحنُ العربَ، لما كان بقي شيءٌ اسمُه «إسرائيل»، بل؛ ربما لم ينشأ الكيانُ أساساً.
قد يكون الأساسُ في ذلك غريزيّاً، كقاعدة لما نصنّفه «إيديولوجيا»، لكن النتيجة هي عصابةٌ متجانسةٌ ومتماهيةٌ إلى حدّ التطابق؛ إذ لا يمكنُ التفريقُ بين مستوطنٍ ومجنّدٍ وسياسيٍّ في منسوب الحقد على «الآخر»؛ أياً كان هذا الآخر، وكذلك الشراهةُ المُفرطة للدم والقتل، وربما؛ هم الحالةُ الفريدةُ في هذا العالم التي لا يمكنُ التفريقُ فيها بين حكومةٍ ومواطنً، فالجميعُ حكومةٌ، والجميعُ مجندٌ، والكلُّ حاقدٌ حقداً بلا حدودٍ.
ويبدو من السذاجة الاستمرارُ في متابعة أخبار التنازع داخلَ حكومة الكيان الصهيونيِّ إزاء ما يجري في «غزّة»؛ لأنه يشبهُ، تماماً، الصراعَ بين الذئاب بشأن كيفيّة الإجهاز على «الفريسة» ثم على الحصص؛ فكلُّ ما يرشحُ عن حكومتهم وعن الانقسامات في الآراء هو تصيّدٌ سياسيٌّ وتنازعُ سلطة على جثامين وجماجم الأبرياء والأطفال، حتى تباينُ الآراء على مستوى الشارع الاستيطاني هناك، يذهبُ في الاتجاه ذاته، بين محازبين ومناصرين، لطرفٍ ضد آخر، لكنَّ الجميعَ، حكومةً ومستوطنين، متفقونَ على حتميّة الإبادة الجماعيّة لسكان القطاع.
نجحوا في تصدير صورٍ براقّةٍ مزيّفة عن الحريّات الإعلامية لديهم، فثلاثُ أكبر صحفٍ هناك تغصُّ بعشرات مقالات الرأي الناقدة لأداء «نتنياهو»؛ رأس حَربتهم في آلة القتل والتدمير، لكنَّ أحداً من الكتّاب لم يخرج عن النطاق المحدود جداً المتعلّق بواجهة الحدث في «غزّة»، ولمْ نقرأ، أو نسمعْ كلمةً أو تلميحاً عن خلفيّات ما يجري والمشروع الذي يجري التحضيرُ له، والمتعلّق بالقناة البديلة لـ«السويس»، والمعبر الهنديّ وخطوط الغاز إلى أوروبا، وكأنّهم «روبوتاتٌ» مُبرمجة بعقلٍ واحدٍ؛ لا تخطئُ الهدفَ، ولاتجتهدُ، ولاتتمرّدُ!.
هم ماهرونَ فعلاً في فنون التعمية و تحويل الانتباه وإشغالِ العالم عن البُعد الحقيقيِّ والعميق للحرب على «غزة».
حتى الإعلامُ العالميُّ وكبارُ الكتّاب، كما كبار الساسة، جميعُهم يتفادى التطرّقَ إلى المشروع الأميركيِّ- الصهيونيِّ الجاري تنفيذُه، حاليّاً، وما يجري تسريبُه هو محاولاتٌ فرديّة، يجري تمريرُها على شكل «فيديوهات» تتناقلُها «الميديا» الجديدة؛ وكأنَّها منشوراتٌ سريّة لأحزابٍ محظورةٍ.
نفهمُ أن الموقفَ معقّدٌ، وأن للسياسة مقتضياتها، وللساسة برودتهم المطلوبة، لكنْ، ماذا عن الإعلام الموصوف «حرّاً» والرؤوس الحامية على امتداد هذا العالم الذي حوّلته تكنولوجيا الإعلام إلى«قرية صغيرة»؟!.
أم إنّ لـ «مُختار» هذه القرية سطوتَه العابرة للبرّ والبحرِ و الفضاء ؟!.