رفح بوابة الكيان لترتيبات «اليوم التالي» للحرب.. تفاوضٌ مُجزأ بنيّات مبيّتة و«أونروا» إلى التصفية وتمهيدٌ لتهجير جديد.. الأخطر لم يأتِ بعد
تشرين- هبا علي أحمد:
يعمد كيان الاحتلال الإسرائيلي والداعمون له، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية كما هو واضح، إلى تجزئة الملفات فيما يخص العدوان المتواصل على غزة، فلا يريد هذا الكيان إنهاء الحرب من دون صورة «نصرٍ» له، ومع ذلك يفاوض ويناور بحثاً عن تنازلات من جهة، وإطالة أمد مجازره الوحشية من جهة أخرى ريثما ينضج التفاوض ويؤدي إلى نتيجة ما، ويذهب بالتزامن مع ذلك باتجاه ما زعم أنها «عملية محدودة» في رفح والتي يبدو أنها حاجة للكيان ليس فيما يتعلق بتحقيق صورة «نصر» فقط، بل بما هو أخطر من ذلك وتحديداً فيما يتعلق بترتيبات «اليوم التالي» للعدوان، وبذلك تكون الصورة كأنها على الشكل التالي: تفاوض على جزء من غزة من دون يقين بنيّات العدو المبيّتة لما بعد التفاوض إنّ وصل إلى خواتيمه، أما رفح جنوب القطاع فلها ترتيبات أميركية- إسرائيلية أخرى بما يشي بأن الأخطر لم يأتِ بعد.
الكيان يعمد إلى تجزئة الملفات فيما يخص عدوانه فلا يريد إنهاء الحرب ويفاوض ويذهب باتجاه معركة في رفح بما يشي بأنّ الأخطر لم يأتِ بعد
اتفاق إسرائيلي- أميركي
كل يوم هناك جديد في سياق العدوان على غزة، وكل يوم تتكشف المخططات والنيّات المبيّتة الخبيثة للعدو وهذا ليس غريباً، فهو في نهاية المطاف عدو محتل ويشهد انتكاسات استراتيجية يحاول التعتيم عليها من خلال الظهور بمظهر إمكانية الاستمرار في «السيطرة»، أما من جهة الأميركي فهو داعم قلباً وقالباً لكل ما يريده الكيان مهما صدر عنه من تحذيرات من عواقب ما يقدم عليه الكيان في رفح مثلاً، فتبقى مجرد تصريحات لا ترقى لأن تكون تحذيرات حقيقية أو دفاعاً عن حقوق الإنسان، وجديد الكيان ما تحدّثت عنه وسائل إعلامه حول اتفاق إسرائيلي – أميركي على نقل إدارة معبر رفح إلى شركة أميركية خاصة تعمل في مناطق الحروب بعد إنهاء جيش الاحتلال نشاطه العملياتي في معبر رفح، فالسيطرة على معبر رفح من وجهة نظر إسرائيلية – أميركية تُعد خطوة في طريق التمهيد لشكل «الإدارة المدنية» للقطاع بعد الحرب، مشيرة إلى أن «إسرائيل» أبلغت كلاً من الولايات المتحدة الأميركية ومصر بأن هدفها هو «مصادرة إدارة المعبر من حماس».
أي شكل من أشكال الوصاية على معبر رفح يُعدّ احتلالاً وبالتالي هو هدف مشروع للمقاومة وإدارة الوضع الداخلي هي شأن فلسطيني خالص يجري التوافق عليه وطنياً
ورداً على الاتفاق الإسرائيلي- الأميركي أكدت الفصائل الفلسطينية رفضها فرض أي جهة كانت أي شكل من أشكال الوصاية على معبر رفح أو غيره، مشيرة إلى أنها تعدّ ذلك شكلاً من أشكال الاحتلال وبالتالي هو هدف مشروع للمقاومة، مشدّدة على أنّ أي مخطط من هذا النوع سيجري التعامل مع إفرازاته كما يجري التعامل مع الاحتلال، داعية الأطراف كلها إلى رفض أي شكل من أشكال التعاون مع مثل هذه المخططات، مؤكّدةً أنّ إدارة الوضع الداخلي هي شأن فلسطيني خالص يجري التوافق عليه وطنياً، عبر الآليات المتبعة والمتوافق عليها.
في السياق، شهدت منطقة شرق رفح قصفاً مدفعياً عنيفاً وإطلاق نار كثيفاً من طائرة مروحية، بالتزامن مع إطلاق الطائرات الإسرائيلية قنابل فوسفورية بشكل مكثف.
وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي على رفح، تواصل المقاومة الفلسطينية تصديها لتوغل آليات جيش الاحتلال العسكرية في شرق رفح، كما تواصل في اليوم الـ215 من العدوان الإسرائيلي استهداف قوات الاحتلال في محور «نتساريم» جنوب مدينة غزة، ونقلت مصادر إعلامية أنّ المقاومة تخوض اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال وآلياته المتوغلة شرق مدينة رفح ولاسيما مشروع عامر والشوكة ومنطقة معبر رفح.
القتال في رفح لن يدفع في اتجاه إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة والطريقة الوحيدة لإعادتهم هي توقيع صفقة مع «حماس» حتى لو كان ثمنها مؤلماً لـ«إسرائيل»
الثمن المؤلم
ومع استئناف المفاوضات بين المقاومة الفلسطينية من جهة وكيان الاحتلال والوسطاء من جهة أخرى والتي وُصفت حسب وسائل إعلام بمفاوضات «الفرصة الأخيرة»، والمقررة في القاهرة اليوم بحضور مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز، أكدت صحيفة «هآرتس» أنّ القتال في رفح لن يدفع في اتجاه إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة، بل سيقوّض احتمال حصول ذلك، مشدّدة على أنّ الطريقة الوحيدة التي تتيح إعادة الأسرى من القطاع هي توقيع صفقة مع «حماس»، حتى لو كان ثمنها مؤلماً لـ«إسرائيل»، مشيرة إلى أنّ رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يفضّل التهديد باحتلال رفح، بدلاً من أخذ موافقة «حماس» على مقترح الوسطاء في المفاوضات وتحويلها إلى صفقة لإعادة الجميع كما تطالب عائلات الأسرى، لافتة إلى أنّ الذين يدفعون ثمن هذه السياسة هم الأسرى أنفسهم، إذ أودى القتال بحياة بعضهم وبنيران الجيش الإسرائيلي، بينما ما زال الذين بقوا على قيد الحياة معرّضين للخطر.
وخلصت الصحيفة إلى أنّ هذه هي اللحظة المناسبة لتنحية شعبوية وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وأعضاء آخرين من اليمين المتطرّف في الحكومة، من أجل اتخاذ القرار الصحيح المتمثّل في إبرام الصفقة.
بالتزامن، نظّمت عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تظاهرات احتجاجية تُطالب بالدفع نحو صفقة لإعادة الأسرى، وذكر موقع «والاه» الإسرائيلي أنّ المتظاهرين قطعوا طريق «أيالون» شمالاً في «تل أبيب» للمطالبة باستعادة الأسرى، مشيراً إلى أنّ الاحتجاج يجري على خلفية المباحثات المتقدمة بشأن صفقة محتملة، والقدوم المتوقع لرئيس الـ«سي آي إيه» وليام بيرنز إلى «إسرائيل»، في محاولة لجسر الخلافات مع «حماس».
يُشار إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي أرسل وفداً، بتفويض محدود ومستوى متوسط، إلى العاصمة المصرية القاهرة للمشاركة في المحادثات غير المباشرة مع المقاومة الفلسطينية، التي أرسلت ممثّليها أيضاً، تزامناً مع وصول وفد قطري وآخر أميركي بقيادة بيرنز الذي تنقّل في الأيام الماضية بين مصر وقطر، في إطار السعي للتوصل إلى اتفاق.
أميركا تسعى إلى استبدال «أونروا» بالرصيف البحري.. والمعالجة الإنسانية للوضع في غزة تتمثل في وقف الحرب وليس بناء الرصيف
بديل «أونروا»
من ضمن المخططات الخطرة أيضاً ميناء الرصيف الأميركي، الذي يدخل ضمن ترتيبات «اليوم التالي» للحرب بطبيعة الحال، إضافة إلى أجندات آخرى حذر منها خبراء تتعلق بالضرورة بتصفية القضية الفلسطينية عبر تصفية كل ما يمّت لها بصلة، إذ أشار خبراء إلى أنّ تخصيص أميركا 320 مليون دولار للرصيف البحري كان يمكن تخصيصها لتوجيه الغذاء والمساعدات إلى أهل غزة عبر معابر مع دول الجوار، وأنّ المعالجة الإنسانية للوضع في غزة تتمثل في وقف الحرب وليس بناء رصيف بحري خاضع للسيطرة الإسرائيلية، ما يدل على أنّ أسباب بناء هذا الرصيف ليست إنسانية بل سياسية، إذ يخطط الأميركيون للتعامل مع رصيفهم المعلوم باعتباره البديل عن وكالة الغوث «أونروا».
ونبّه الخبراء إلى أنّ الرصيف الأميركي فيه بعض العناصر الغريبة والغامضة، فهو يمكن أنّ يستعمل ليس لنقل البضائع فقط، بل إنه لا يحقق أهداف الأمن الغذائي على المدى البعيد، ولا يوجد ما يمنعه من استقبال بواخر لنقل الركاب، بمعنى التمهيد للتهجير.