«بورصةُ دمٍ» هذه المرّة
لا يبدو حجمُ الدمار وحمّامات الدم في الأرض المحتلّة مُريباً بوقائعه، بقدر ما هو مثيرٌ للتساؤل والترقّب، بدلالاته ومؤشّراته، التي تشي بأنّ ثمّةَ انعطافةً حادةً في ارتسامات المواقف الدوليّة على الأرض؛ قد تظهرُ قريباً أو تتأخّر قليلاً، ريثما تنضجُ طبخةٌ ما، يجري ترقّبها بحذرٍ في هذه الأيام.
فلعلّ المسألةَ باتت أبعدَ من مجرد صراعٍ محدودٍ على جغرافيا ضيّقة؛ لأنّها، على الأرجح، أُدرِجت في سياق حسابات مصالح كبرى تتصلُ بـ«الكباش» الدوليِّ، بأبعاده السياسيّة والاقتصاديّة.
من هنا، باتَ كثيرون، اليومَ، يتوقون إلى الحسم، سياسيّاً كان أم عسكريّاً..المهمُّ أنّه حسمٌ، بل، ولعلّ بعضُهم يستعجلُ الجلادَ، سرّاً، للإجهاز على الضحيّة، فالصمتُ على الإحراجٍ يجب ألا يطول؛ لأنه يحتاج إلى جَلَدٍ وحنكةٍ وتدبيرٍ لتسويغه، وهو مأزقٌ لا يقلُّ خطورةً على أصحابه عن خطورة الحروب الطويلة التي لا طاقةَ للكيان الغاصب على تحمّلها عادةً.
المأزقُ صعبٌ ؛ فالحسمُ يحتاجُ إلى توغّلٍ برّيٍّ في غزّة لتحقيق الهدف وإتمام فصول الـ«سيناريو».
والتوغّل البرّي مهمّةٌ خطيرةٌ ومعقّدةّ، وهو التحدّي الأكبرُ والمُحرج كثيراً لـ«الأميركيِّ»، ولمَنْ جاء ليفردَ مظلّته لتغطيتهم، والإحجامُ عنه أو تأجيلُه بات وصمةً تتنابزُ بها التياراتُ المُتصارعةُ على السلطة داخلَ الكيان.
تأجيلُ التوغّل البرّيِّ والانشغالُ بـ «تدبيج المسوّغات» هو أوّلُ ملامح الإخفاق الذي استنتجه كلُّ مراقب أجّلَ حكمَه الموضوعيَّ على ما يجري؛ كي لا يتسرّعَ، ويطلقَ أحكاماً تبدو إنشائيّةً تعبويّةً أكثر ممّا هي واقعيّةٌ.
الإخفاقُ في غزّة والرعبُ الذي يستحكمُ بقادة الكيان من العمليّة البريّة؛ وهي استحقاقٌ بالنسبة لهم، ومتمّم لازمٌ لـ«السيناريو» بأبعاده العابرة للحدود، هو دافعُ العدو لتنفيذ ضرباته المسعورة واستهداف الأراضي والمنشآت المدنيّة السوريّة؛ لتحويل انتباه الداخل والخارج عن أكبر مأزقٍ يواجهُ الولاياتَ المتّحدة و«ربيبتها» في التاريخ الحديث، بكلّ ما تمَّ تحضيرُه من تقانةٍ عسكريّة وحاملات طائراتٍ ومعداتٍ وعتادٍ، على نحوٍ، يوحي بأن ثمّة استعدادات تُنجزُ لخوض حربٍ عالميّة، لا لمواجهة بضعة آلاف بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة.
الذئابُ الجريحةُ تكونُ أشدَّ شراسةً، ولا يُمكن التنبّؤ بردود أفعالها؛ لكنَّ الثابتَ في سلوك هذه الحيوانات أنّه يُجهزُ بعضُها على بعضٍ، عندما تضرّجُها الدماءُ.
نتوقّعُ أن تكونَ الحربُ طويلةَ الأمدِ؛ وهذا يعني أنّ ثمّة أوراقاً ورهانات وحسابات مصالح ستتكشّفُ، وستظهرُ صراعاتٌ، مباشرةٌ وغير مباشرةٍ، بين ذوي المصالح أنفسهم، وقد بدأتْ الصراعاتُ بين «ساسة الكيان»، ولن تتأخّر لتتمدّد خارجاً؛ لأنّ «بورصات السياسة» حسّاسةٌ أيضاً، كما بورصات المالِ.