بايدن في المنطقة لإتمام «طوق الدعم والردع» من دون مؤشرات نجاح.. والكيان الصهيوني سيدخل غزة ليكون في قلب «الغابة الجهنمية»

تشرين – مها سلطان

فعلياً، لم يكن من المنتظر أن يمر مشروع القرار الروسي حول غزة، في مجلس الأمن، روسيا نفسها لم تكن تتوقع أن يمر من دون أن تسقطه الولايات المتحدة الأميركية التي أكدت أنها لا يمكن أن تسمح بأي مشروع قرار يدين «إسرائيل».. ولكن هذه الخطوة كان لا بد منها لترتسم بصورة أكبر معالم الوضع في المرحلة المقبلة، خصوصاً لناحية ما إذا كان ميدان الحرب سيتوسع إقليمياً، في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لإبقائه منضبطاً- ولو بالحد الذي هو عليه حالياً- على إيقاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ثم على إيقاع عملية برية يقول الكيان الإسرائيلي إنه أتم كل الاستعدادات لها، من دون تحديد موعد لبدئها.
وفيما تشير التقارير إلى يومي الخميس أو الجمعة كموعد للبدء، يحط الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة، بهدف إظهار «كامل الدعم» الأميركي للكيان الإسرائيلي، ومن المتوقع أن يتسع جدول زيارة بايدن ليشمل دولاً أخرى في المنطقة غير الأردن، والكيان الإسرائيلي، وهذا يتوقف على مخرجات مباحثاته التي سيعقدها في العاصمة الأردنية عمان مع كل من الملك الأردني عبد الله، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إضافة إلى «اجتماع ثنائي مع نتنياهو» وذلك حسب تصريحات جون كيربي منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض.
ومن نافل القول إنها ستكون «مباحثات حرب» بمعنى أنها ستكون المباحثات الأكثر سخونة في تاريخ العلاقات الأميركية مع المنطقة، رغم ذلك ليس من الهيّن توقع مخرجاتها، هذا من جهة.. ومن جهة ثانية لا بد من التساؤل: هل أن مخرجاتها ستكون مقبولة؟ بمعنى إذا ما أثمرت الضغوط الأميركية تنازلات خلال هذه المحادثات، هل سيتم قبولها من قبل الأطراف المعنية، التي هي على طاولة هذه المحادثات، هل سيتم فرضها، كيف وبأي وسائل، هل ستمنع زيارة بايدن اتساع جبهة «طوفان الأقصى» إذا ما اعتبرناها خاتمة التحشيد، العسكري والسياسي، الذي تعلنه واشنطن منذ انطلاق طوفان الأقصى في الـ7 من هذا الشهر، دون أن ننسى هنا مسألة الـ 2000 من الجنود الأميركيين الذين ستنشرهم الولايات المتحدة في الكيان الإسرئيلي، للوصول إلى الحد الأقصى في مسألة منع – أو ردع حسب التعبير الأميركي – أطرافٍ إقليمية من توسيع الجبهة والمشاركة عسكرياً فيها بصورة مباشرة.
الأجوبة قيد الأيام القليلة المقبلة، وإن كنا نحن في المنطقة خصوصاً، بصورتها بشكل عام على الأقل، حيث إن التفاصيل تبقى رهناً بالمفاجآت التي يحملها سياق التطورات والتصعيد.
حديث المفاجآت لابد أن يقودنا إلى العملية الإسرائيلية البرية، وموعدها، وأهدافها النهائية، وصولاً إلى مسألة ضبطها على مسار ما تريده «إسرائيل» دون خروجها عن السيطرة بصورة تنعكس كارثياً عليها، وهنا بالضبط جوهر التأجيل المستمر لها.
وحتى لا نبني الموقف على سياق مواقف دول المنطقة، حيال طوفان الأقصى ثم العدوان الإسرائيلي المستمر جواً على قطاع غزة، لنأخذ المواقف الإسرائيلية – الأميركية التي يُظهرها الإعلام الإسرائيلي والأميركي، لنتبيّن فعلياً السبب الحقيقي وراء التأجيل ووراء التحشيد العسكري الأميركي الكبير، وبشكل عام الجميع يشكك بنجاح «إسرائيل» في هذه العملية، بل ويحذرونها من مفاجآت قد لا تخطر على بالها، ما يحولها إلى عملية انتحارية بالنسبة لها.
تحت عنوان « لماذا تأخر الغزو البري لغزة» كتبت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية كيف أن الجيش الإسرائيلي أوحى بأن هذا الغزو سيبدأ إما يوم الخميس، أي بعد غد، أو في اليوم الذي يليه، أي الجمعة، وذلك من خلال إعطائه مواعيد نهائية للفلسطينيين لإخلاء شمال غزة على أن تنتهي هذه المواعيد بحلول منتصف نهار الجمعة المقبل.
تقول «جيروزاليم بوست»: طبول الحرب بدأت تٌقرع في وقت مبكر يومي الأحد والاثنين الماضيين، ومهّدت القوات الجوية الطريق بأيام من القصف المدمر، ومع ذلك، فقد وصلنا الآن إلى يوم الثلاثاء، وجميع العلامات تشير إلى أن الغزو أصبح بعيداً، وليس وشيكاً بعد.

فما الذي تغير؟
تجيب الصحيفة الإسرائيلية: يبدو أن هناك عوامل عدة، أحدها ما نقلته مصادر لصحيفة «جيروزاليم بوست»، أن أحد العوامل هو القلق المتزايد من أن حزب الله (المقاومة اللبنانية) ينتظر اللحظة التي تكون فيها معظم القوات البرية التابعة للجيش الإسرائيلي جاهزة للزحف البري على غزة ليفتح جبهة كاملة في الشمال.. فحقيقة أنه لم يشارك حتى الآن، مُبقياً هجماته عند عتبة منخفضة- إلى حد ما- لا تثبت أنه تم ردعه، حسب تعبير الصحيفة، بل هي جزء من خدعة حرب متقنة لإغراء «إسرائيل» وإعطاء الجيش الإسرائيلي شعوراً زائفاً بالأمن، على غرار عملية طوفان الأقصى.
مع ذلك، ومن وجهة نظر الصحيفة، فإن هذا لن يمنع العملية البرية، لكنه ربما يكون قد تسبب في تأخيرها للتحقق بشكل أفضل من الإشارات المتعلقة بنوايا حزب الله، فضلاً عن تعزيز القوات الشمالية تحسباً للأسوأ.
أما العامل الآخر، حسب الصحيفة الإسرائيلية فهو أن هناك اعترافاً عميقاً في أوساط الجيش الإسرائيلي وعلى المستوى السياسي، بأنه جيش لم يخض حرباً كهذه منذ عقود، و«أن الاندفاع إلى التدخل دون استعداد، لمجرد إشباع التعطش للانتقام بشكل أسرع، يمكن أن يكون خطأ كبيراً».
خير مثال على وجهة النظر هذه، ما حدث في جبهة الشمال «اللبنانية» صيف عام 2006، والتي كانت عبارة عن فوضى كاملة، رغم أن القوة الجوية كانت هي الجزء الناجح.
وترى «جيروزاليم بوست» أن تحقيق «مفاجأة استراتيجية» سيكون مستحيلاً نظراً لأن المقاتلين الفلسطينيين هم الذين بدؤوا الحرب، وبما أن الجيش الإسرائيلي يرغب أيضاً في تحقيق مفاجأة تكتيكية ضدهم، فإن الأمر يتطلب التخطيط.
وتضيف: هناك عدة عوامل أخرى للتأخير، والتي يمكن أن تشمل الضغط الأمريكي لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين والمخاوف الداخلية بشأن الرهائن الإسرائيليين في غزة، وإعطاء المزيد من الوقت للفلسطينيين للإخلاء (حسب زعم الصحيفة) التي تؤكد نقلاً عن مصادر عديدة كما تقول«أنه لم يُقرَر بعد ما الذي سيحدث لغزة بعد الغزو البري».
وتختم بالقول إنه فقط بعد الحرب سنعرف ما إذا كان هذا الوقت الإضافي (قبل الغزو) قد تم إنفاقه بحكمة في صياغة خطة غزو وما بعد الغزو، لتكون أكثر ذكاء وفعالية، أم أنه كان إهداراً للوقت.
صحيفة «آي 24 نيوز» الإسرائيلية نشرت بدورها تقريراً تحت عنوان «وزير الدفاع الأمريكي طلب من إسرائيل عدم توجيه ضربة استباقية لحزب الله».
وحسب ما ورد في التقرير، فقد عرض وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، تقديم دعم جوي للجيش الإسرائيلي إذا قام حزب الله بتنفيذ هجوم عليه.
وعرض أوستن مقابل تراجع «إسرائيل» عن تنفيذ ضربة استباقية، أن تزودها الولايات المتحدة بطيارين أمريكيين ودعم جوي، ولكن فقط إذا بادر حزب الله بالهجوم أولاً.
هذا إضافة إلى حاملتي الطائرات، آيزنهاور وفورد، اللتين تتمركزان شرق المتوسط بالقرب من السواحل اللبنانية.
صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تحدثت عما سمته «الغابة الجهنمية» من الألغام والأنفاق التي سيواجهها في غزة.
وحذرت الصحيفة الأميركية – في تقرير موسع لها- من خطورة الدخول البري الإسرائيلي إلى غزة، مُشيرةً إلى أنّ الخبراء في حرب المدن يُحذّرون من أنّ «التضاريس التي سيدخلها الجيش الإسرائيلي مزعجة، وأنّ نهاية اللعبة غير مؤكّدة».
ونقلت الصحيفة، عن متخصّصين بالمجالات العسكرية، أنّ الجنود الإسرائيليين الذين يستعدون لهجومٍ بري، سيواجهون غابةً جهنمية من المباني والألغام والأنفاق المكتظة، عندما يدخلون غزة، وهو«الوضع المحفوف بالمخاطر، والذي يمكن أن يسبب معاناةً إنسانية هائلة، ويجر دولاً أخرى إلى الحرب» حسب ما يقول مسؤولون ومحللون أميركيون مُطّلعون على الأحداث.
وتضمّن تقرير الصحيفة تحليلاً للجنرال المتقاعد في مشاة البحرية الأميركية، كينيث فرانك ماكنزي جونيور، والذي شغل منصب رئيس القيادة المركزية الأميركية سابقاً، قال فيه إنّه يعتقد «أنّ المقاتلين الفلسطينيين سيعودون بقوة، وسيكون الأمر بمثابة حمام دمٍ للجميع»، مُتوقعاً أنّ يستمر القتال «على مدى فترةٍ زمنية أطول كثيراً»، ومُشيراً إلى أنّ ذلك يحدث مع «تورط الإسرائيليين في حالةٍ من الفوضى، وعدم القدرة على التنبؤ بحرب المدن».
ويقول الخبير في مكافحة الإرهاب، والأستاذ في جامعة جورج تاون الأميركية، بروس هوفمان، إنّ التحديات التي سيواجهها الإسرائيليون في غزّة ستكون «بصورة أكبر مما واجهته القوات الأميركية في معركة الفلوجة، في أثناء حربها في العراق».
وذكّر هوفمان بتصريحات الناطق باسم أحد فصائل المقاومة الفلسطينية والتي أكّد فيها أنّ المقاومة «قامت بالتحضير والتخطيط، طوال عدّة أعوام» لعملية طوفان الأقصى، مُشيراً إلى توقع المقاومة أن يرد الجيش الإسرائيلي بعمليةٍ برية، وأوضح أنّه «بات من الحكمة التقليدية أنّه لا يوجد حل عسكري لمواجهة المقاومة».
وحسب المسؤول الكبير السابق في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» ميك مولروي، فإنّ المقاومة الفلسطينية «أصبحت فعّالةً للغاية» في القتال في المناطق الحضرية، مُشيراً إلى أنّها «استعدت جيداً لدخول القوات الإسرائيلية» رغم تفوّق هذه القوات تسليحاً ومعدات.
وأشار مولروي إلى أنّه «من أجل تطهير المباني والأقبية وشبكة الأنفاق الواسعة (حسب تعبير الصحيفة) سيتعين على الإسرائيليين إنزال قوات المشاة الخاصة بهم، والقتال بصورة أساسية، وفق قاعدة جندي في مقابل جندي، ومن مبنى إلى مبنى، في المناطق المبنية».
وتوقّع المسؤول السابق في البنتاغون أن تدخل القوة الهجومية الرئيسة للجيش الإسرائيلي عبر معبر «إيرز» وهو المعبر الموجود في أقصى الطرف الشمالي مِن القطاع، وكانت المقاومة اقتحمته وقتلت وأسرت الموجودين فيه.
وقال مولروي، في تحليله: إنّ القوات، التي يُحتمل أن تتقدم، ستشمل دباباتٍ قتالية وناقلات جندٍ مُدرعة، مُضيفاً إنّ الجيش الإسرائيلي قد يحاول أيضاً التوغّل في قطاع غزّة من الشرق، الأمر الذي سيؤدي فعلياً إلى «تقسيم المنطقة إلى قسمين، بهدف الحد مِن قدرة الفصائل الفلسطينية على نقل المقاتلين والمعدات».
ولكن السؤال: هل سينجح هذا التخطيط الميداني الإسرائيلي، أم علينا انتظار ما يحمله الميدان من مفاجآت؟
الآن.. بين النظريات المطروحة، هناك من يتحدث عن أن «إسرائيل» على الأكيد ستدخل في «مفاوضات خلف الكواليس» لتجنب فشل عمليتها البرية، ويقولون: ربما بدأت هذه المفاوضات بالفعل مع دول تدعم الفلسطينيين، وحين يحصلون على« تنازلات متبادلة» فإن كل هذا سينتهي، وبالتالي سيتم تجنب التصعيد، هذا أحد السيناريوهات.
لكن هؤلاء أنفسهم يعودون إلى مسألة أن التصعيد واستمراره، هو السيناريو الأكثر احتمالاً، مع مجمل التوقعات التي تقول بتعذر الوصول إلى تنازلات.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار