ملف «تشرين».. إنها البداية فقط.. وما ينتظر «إسرائيل» أكبر وأشد

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

لا نعرف كيف حصل هذا الأمر.. ماذا حدث لنا.. وكيف وقعنا في هذا الفخ القاتل مرة ثانية.. كيف أخفقنا بهذه الصورة الكارثية وأي مصير ينتظرنا؟
أسئلة سيبقى الكيان الإسرائيلي يطرحها لسنوات طويلة، إذا افترضنا أنه سيبقى غاصباً محتلاً على الأرض الفلسطينية لسنوات ما بعد طوفان الأقصى.
جولة واحدة فقط على الإعلام الإسرائيلي والغربي تكفينا لتكتمل بهجتنا وعظيم فرحنا بما تسطره المقاومة الفلسطينية من بطولات.. ولتصل آمالنا إلى عنان السماء، إنها لحظة الحقيقة حقّت، ودقت ساعتها.
*   *
«بي بي سي» البريطانية وفي تغطية لـ«طوفان الأقصى»، كتبت تحت عنوان «كيف أخفقت المخابرات الإسرائيلية في إحباط الهجوم من غزة»؟ لمحرر الشؤون الأمنية فيها فرانك غاردنر.
غاردنر قال إنه سأل هذه الأسئلة للمسؤولين الإسرائيليين فلم يتلق منهم سوى جواب واحد: لا نعرف؟!
100 مقاوم فلسطيني فقط بدؤوا الهجوم، اخترقوا الحدود المحصنة بأحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا الذكية، يسندهم وابل من الصواريخ التي تتساقط على «إسرائيل» التي فشلت بكل ما تملكه من إمكانيات هائلة استخباراتياً وعملياتياً في توقع الهجوم.. بل إن المسؤولين الإسرائيليين وطيلة أشهر يهددون بالقوى الكاملة إذا ما انطلقت رصاصة واحدة من قطاع غزة، وهم كانوا كما يقولون يتوقعون الهجوم ومستعدون له، ولكن ما الذي حدث؟
لقد فاجؤونا.. تمكنوا من خداعنا ومباغتتنا. هكذا يتحدث المسؤولون الإسرائيليون.
ولكن هذا لا يشفع ولا يبرر الهزيمة لمن يتبجح ليل نهار بأن لديه أقوى «وأذكى» جهاز استخبارات على مستوى العالم وليس فقط على مستوى المنطقة.. وأقوى جيش وقوة ردع عسكرية لا راد لها بفعل عمليات التسليح الأميركي المتواصلة منذ عقود لهذا الجيش، وكل ذلك تبخر في لحظة.
ويضيف غاردنر: على الأرض، تم تحصين الحدود مع غزة بكاميرات وأجهزة استشعار فضلاً عن دوريات المراقبة العسكرية المنتظمة، ويفترض أن السياج الذي تعلوه الأسلاك الشائكة «حاجز ذكي» مصمم لمنع أي اختراقات من هذا النوع، ومع ذلك اقتحم المسلحون الفلسطينيون- حسب تعبير غاردنر- هذا الحاجز بكل بساطة.. قطعوا الأسلاك وأحدثوا فيها فتحات دخلوا منها إلى «إسرائيل».. ودخلوا بحراً وبالمظلات الشراعية أيضاً، لقد أظهروا «قدرات خارقة للعادة في التنسيق والأمن، نفذوا عملية شديدة التعقيد بما فيها جمع آلاف الصواريخ وإطلاقها على غفلة من أجهزة الأمن الإسرائيلية».
ويتابع: لا غرابة أن تطرح وسائل الإعلام الإسرائيلية تساؤلات عاجلة إلى القادة العسكريين والسياسيين في البلاد بخصوص ما حصل، في الذكرى الخمسين لحرب أكتوبر 1973 التي فاجأت إسرائيل أيضاً.
لقد أخبرني مسؤولون إسرائيليون أن تحقيقاً واسعاً تم فتحه، ويقولون إن «الأسئلة ستبقى مطروحة لسنوات مقبلة»، يضيف غاردنر قائلاً:  ولكن «إسرائيل» حالياً لها أولويات أخرى عاجلة، فهي بحاجة إلى «احتواء التسلل عبر حدودها الجنوبية والقضاء عليه، وإبعاد مقاتلي حماس الذين سيطروا على العديد من المواقع في الجانب الإسرائيلي من السياج». ثم عليها أن تحل قضية أسراها (وهم كما يبدو بالمئات) الذين باتوا في أيدي «حماس».
لكن الهاجس الأكبر بالنسبة لـ «إسرائيل» حسب ما يقول غاردنر هو «توقيف استجابة الآخرين لنداء حماس بحمل السلاح وتجنب انفجار الأوضاع في رام الله وربما زحف عناصر حزب الله المدججين بالسلاح عبر الحدود الشمالية».
*   *
ما عرضه غاردنر، وهو صورة مماثلة لما يتحدث عنه كل الإعلام الغربي تقريباً، هو نفسه ما يتحدث عنه الإعلام الإسرائيلي الذي استمر اليوم في حديث الأمس نفسه عن الصدمة التي ما زالت «إسرائيل» تغرق بها.
تقول صحيفة «هآرتس» في مقال تحت عنوان «7 أكتوبر 2023: تاريخ سيبقى عاراً على إسرائيل»: لا يمكنك المبالغة في تقدير حجم وقوة موجات الصدمة المدوية لهجوم يوم السبت. هذا هو يوم الغفران عام 1973 مرة أخرى، مع فارق أساسي واحد: الخسائر التي لحقت بإسرائيل في عام 1973 (3 آلاف قتيل) كانت على حساب الجيش. لقد أودى هجوم يوم السبت، الذي من المؤكد أن يتصاعد، بحياة المئات وأرعب بلداً بأكمله وكان مهيناً بقدر ما كان مميتاً.
وفي مقال آخر تحت عنوان «السيناريو الكابوس» تقول هآرتس: غزة ليست الساحة الوحيدة التي يمكن أن تشتعل فيها النيران، الجبهات يمكن أن تمتد إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وربما أيضاً حزب الله في الشمال، مع المكون العربي داخل «إسرائيل» نفسها.
وفي «يديعوت أحرونوت» نطالع: « لا يمكن التقليل من أهمية الأمر أو صياغته بعبارات أقل حدة: لقد فوجئ الجيش الإسرائيلي، أقوى جيش في الشرق الأوسط وواحد من أكثر الجيوش هيبة في العالم.. فوجئ تماماً، بالهجوم، وتضيف: «لقد انتصروا في حرب نفسية كبرى وستبقى ذكراها خالدة إلى الأبد».
وتقول «جيروزاليم بوست»: إن النطاق الكامل للكارثة غير معروف حتى الآن، «هناك شيء واحد واضح: أحداث السابع من أكتوبر 2023 – وهو أحد أحلك الأيام في تاريخنا – سوف يتغير كل شيء. لن يعود أي شيء كما كان».
*   *
رئيس الموساد السابق إفرايم هاليفي وصف طوفان الأقصى بأنه «هجوم فريد من نوعه.. لقد اخترقوا عمق إسرائيل وسيطروا على قرى» وفق قوله.
وأضاف: لم نتلق أي تحذير من أي نوع، وكانت المفاجأة تامة أن الحرب اندلعت في صباح السبت (أمس).
وتابع هاليفي: إنه أمر يفوق الخيال. لقد أطلقوا خلال أقل من 24 ساعة ما يزيد على 3000 صاروخ، لم نكن نعلم أن لديهم كل هذه الكمية من الصواريخ، وبالتأكيد لم نتوقع أنها ستكون فعالة كما هي اليوم.
*   *
في واشنطن، قال كيفن مكارثي رئيس مجلس النواب الأميركي «الذي تم عزله قبل أيام على خلفية الحرب الأوكرانية»: الصواريخ طغت على نظام القبة الحديدية المخصص لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى في الجو، ولكن يجب إعادة تحميلها لاعتراض الصواريخ القادمة بشكل مستمر.
ويوضح: 5000 صاروخ غزت القبة الحديدية.. لا يمكن لهذه القبة أن تستوعب هذا العدد الكبيرة.
ويضيف: بعدها دخلوا «إسرائيل» وهذا غير مسبوق.. «لم يحدث أن سيطر أجنبي بالفعل على أراض داخل إسرائيل  منذ عام 1948» ويقصد مكارثي تأسيس إسرائيل في ذلك العام.
*   *
هذا ما يقوله العدو الإسرائيلي وداعمه الأميركي والغربي، ونحن نقول: إنها البداية فقط، وما ينتظر «إسرائيل» أكبر وأشد، فيما الحرب الإقليمية غير مستبعدة.. وكل احتلال إلى زوال مهما طال زمنه.. الكلمة للشعوب المقاومة والدول المقاومة، وما عدا ذلك لن يكون إلا هباء وعبثاً.

كاتب وأكاديمي عراقي
اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. الارتباك الأميركي يُوسّع حجم الفضيحة ويُعمق الهزيمة الإسرائيلية.. أي دعم سينفع في رد «طوفان الأقصى»؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار