زراعة الجوز تكسب الرهان الزراعي والصناعي وتملأ الجيوب.. تكاليف أقل وربحية أكثر و«القشارات» مهنة جديدة ملتصقة بموسم القطاف
تشرين- رشا عيسى:
أثبتت زراعة الجوز أنها محاولة زراعية ناجحة في عدد من المحافظات وتحظى باهتمام المزارعين والصناعيين والتجار على حد سواء، ولهذا لقي هذا المنتج قبولاً مهماً في الأسواق نظراً لأهميته الغذائية والاقتصادية ولإمكانية تخزينه، لكونه يمتاز باستخدامه المزدوج صناعياً وغذائياً، سواء لناحية مذاقه اللذيذ أم استخراج الزيوت منه والاستفادة من أخشاب الجوز سواء لصنع الأثاث أم لديكورات المنازل، بينما يتراوح سعر الكيلوغرام من الجوز النواة بين 80 ألفاً و120 ألف ليرة حسب حجم الحبة وكذلك تبعاً للمنطقة.
ووسط هذا الإقبال على الجوز، يرغب الكثير من المزارعين بالاعتماد على زراعته على أطراف أراضيهم القريبة من مجاري السواقي أو التوسع بهذه الزراعة القليلة التكلفة إجمالاً، بينما تنشط في المحافظات الساحلية حركة (الضمانة) لتجار من محافظات أخرى وبأسلوبين مختلفين، إما بالاعتماد على التخمين لعدد الثمار على الأشجار أو بيعها، بعد قطاف الثمار بالاتفاق بين الطرفين على سعر الحبة الواحدة، لتزدهر مهنة جديدة تدر أرباحاً لا بأس بها ترافق عملية قطاف الجوز وهي ما يسمى (قشارات الجوز) التي تنتشر في الأرياف، وهي عبارة عن آلات تعمل على الكهرباء وتفصل القشر الأخضر عن الجزء الصلب الداخلي لثمرة الجوز.
زراعة مريحة ومربحة
(سامح) وهو أحد مزارعي الجوز يشرح كيف أن زراعة الجوز سهلة ومربحة ولا تتطلب تكاليف كبيرة، وتحتاج فقط إلى المياه والتقليم أحيانا، إضافة إلى حمايتها من بعض الأمراض، وتتم هذه الحماية بشكل يدوي، إلا أن مرحلة القطاف هي الأصعب نظراً لأن أشجار الجوز تتميز بارتفاعاتها الكبيرة .
13 ألف طن الإنتاج السنوي من 594 ألف شجرة منتجة
ويبيع سامح مئة حبة من الجوز بـ25 ألف ليرة من أرضه مباشرة، ويتراوح سعر كيلو الجوز المفروط بين 80 ألفاً ومئة وعشرين ألفاً.
وأكد أن 200 حبة جوز كاملة يمكن أن تزن بعد فرطها كيلوغراماً واحداً، أما إذا كانت الحبات كبيرة فإن مئة حبة جوز تعمل كيلو غراماً كاملاً، وهذا يتبع لحجم حبة الجوز.
حركة «الضمّانة»
اللافت للانتباه في قرى اللاذقية هو الاتجاه نحو ما يسمى بـ«ضمانة الجوز» لتجار من محافظات أخرى، كما يوضح (ياسين) الذي لجأ إلى تضمين عدة أشجار من الجوز يزرعها على أطراف بستان الحمضيات الذي يملكه. ويشرح كيف أنه تم قطاف الحبات وبيعها بالعدد للتاجر مباشرة من الأرض، بينما جاره المقيم في دمشق قام بتضمين حبات الجوز وهي على الأغصان أي _(على أمه) حسب المصطلح الدارج_ وتم تقدير الكمية ووزنها وتم بيع الكيلوغرام من حبات الجوز بـ6000 ليرة للضمّان، موضحاً أن الحبات لم تكن ناضجة كفاية، وذلك لرغبتهم باستخدام القشرة الخضراء الخارجية للصباغ أي لأغراض صناعية.
وورأى أن زراعة الجوز تمتاز بالربحية وتعد أقل تكلفة من النواحي كلها، وأنه في حال تعرضت أشجار الجوز للتلف لأي سبب كان فإن بإمكانها أن تفرع من جديد.
قشارات الجوز
تعد (قشارات الجوز) مهنة جديدة بدأت تنتشر خلال موسم قطاف الجوز، وتعمل آلة القشارة كهربائياً وتساهم في تقشير الغطاء الأخضر الذي يغطي حبة الجوز ما يسهل لاحقاً على المزارعين تجفيف الحبات في الشمس ومن ثم تكسيرها للحصول على حبات الجوز اللذيذة.
وتبين (أم أحمد)، وهي سيدة تملك قشارة جوز، أن الفكرة راودتها لاقتناء هذه الآلة منذ سنتين مع اتجاهها وجيرانها لقطاف الجوز مبكراً قبل أن تنتزع القشرة الخضراء طبيعياً عن الحبات، وكانت المهمة صعبة جداً، حيث كانوا يضطرون لدفن حبات الجوز تحت التراب فترة من الزمن للتمكن من فصل القشرة الخضراء، وكان الاتجاه لهذه الخطوة يأتي تجنباً لعوامل السرقة أو لأي مخاطر أخرى قد تكلف المزارعين جزءاً من المحصول.
وتضيف: هذه الآلة تعمل كهربائياً ولها شكل أسطواني وسهلة الاستخدام وسريعة جداً وتكلفة كل كيلوغرام أخضر من الجوز 200 ليرة، ويمكن أن يقل السعر في حال كانت الكمية كبيرة، وهذا يستند إلى الاتفاق مع الزبون، لكن المشكلة الوحيدة هي أنهم ينتظرون عودة التيار الكهربائي للعمل ما يضطر البعض للانتظار ساعات قبل أن يأتي دوره.
مميزات وافرة للجوز السوري
مدير إدارة بحوث البستنة في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية الدكتور أسامة العبد الله أكد لـ«تشرين» أن هذه الزراعة قديمة جداً، حيث يتميز الجوز المزروع في سورية بنكهته ورائحته المميزة والشهية، ويستهلك الجوز في حالته الطازجة أو المصنعة في صناعة الحلويات والمأكولات، وتتميز ثمرة الجوز بقيمتها الغذائية الجيدة والمتكاملة، إضافة للقيمة الغذائية، إذ إن خشب الجوز معروف بصلابته وسهولة صقله وتصنيع الموبيليا والأثاث والحفر منه، كما يستعمل في تصنيع الأخمص للبنادق الحربية.
وبيّن العبد الله أنه لا توجد في سورية أصناف، وإنما تنحدر جميع الأشجار من الأصل المحلي المعروف بالبلدي وهو الأصل البذري للجوز العجمي, لذلك فإن الأشجار المزروعة الناتجة عن غراس بذرية متباينة في المواصفات والنمو.
وعموماً هي شجرة هامشية تزرع على ضفاف السواقي والأنهار وحول الحقول وفي المنازل ولا توجد في سورية أصناف محددة منها ولا بساتين متخصصة مزروعة بالجوز.
وقد عرف من الناحيتين الزراعية والاقتصادية أن هناك 15 نوعاً للجنس (juglands ) وأهمها: الجوز الأسود وهو أكثر أنواع الجوز الأميركي أهمية حيث ينتشر في جبال روكي, وقد أدخلت زراعة هذا النوع في سورية عام 1991، إضافة إلى الجوز المنشوري الذي يصل ارتفاع أشجاره إلى (20-25م) وهي شجرة ذات تاج كروي والجذر متعمق في التربة، وتمتاز بمقاومتها للصقيع ويستخدم هذا النوع كأصل للجوز العجمي وتكثر زراعته في الصين، والجوز العجمي وهو من الأنواع الجيدة للجوز إلا أنه يتأثر بالصقيع الربيعي والخريفي، وتنتمي معظم أنواع الجوز في سورية إلى هذا النوع وتعمر هذه الأشجار من (200-300) سنة، والجوز الأصفر وتتميز ثمار هذا النوع بكبر حجم الثمار، والجوز الفرك ويعتبر كأصل جيد، وهو من الأصناف المرغوبة وتتميز ثماره بسهولة الكسر، والجوز الياباني وتكون ثمار هذا النوع ملساء وثماره قلبية، ويعد الجوز العجمي من أهم أنواع الجوز في العالم، حيث تنحدر منه معظم الأصناف التجارية المعروفة وفقاً للعبد الله.
حياة طويلة
الباحث الزراعي الدكتور مجد درويش شرح لـ«تشرين» عن خصائص الجوز الذي يعد من الأشجار المثمرة المعمرة المتساقطة الأوراق الكثيفة الأغصان ذات الثمار الوحيدة النواة، حيث يمكن أن تمتد فترة حياة الشجرة لأكثر من قرن وارتفاعها يصل إلى أكثر من ١٠ أمتار، وتنتشر زراعة هذه الأشجار في أغلب دول العالم لقدرتها على التكيف والنمو تحت ظروف مناخية وأنواع مختلفة من الترب الزراعية.
وتزرع أشجار الجوز لغرض قطاف ثمارها التي تتم الاستفادة من «نوياتها» كمكسرات ذات قيمة غذائية واقتصادية عالية، حيث يمكن تخزينها واستهلاكها في تحضير أنواع مختلفة من الأطعمة والحلويات، فضلاً عن زيت الجوز الصالح للأكل الذي يمكن استخراجه منها.
وما يزيد الأهمية الاقتصادية لهذه الأشجار هو الحصول على أخشابها التي تمتاز بجودة عالية وتستخدم على نطاق واسع في صنع الأثاث المنزلي وغيرها من تصاميم الديكور.
ويرى درويش أن الاهتمام برز في الآونة الأخيرة بإعادة تشجير البساتين والأراضي بهذه الأنواع النباتية نظراً لفوائدها واستعمالاتها المتعددة غذائياً وصناعياً والاستفادة من ثمارها الخضراء في تحضير بعض الصبغات الكيميائية ومنها صبغات الشعر، حيث تسوق الثمار بوزن أخضر.
وأوضح درويش أن زراعة الجوز تنجح بشكل كبير بالقرب من السواقي والمجاري المائية وفي المنخفضات ذات الرطوبة النسبية الجيدة نوعاً ما، وتمتاز زراعتها بمزايا مهمة وهي قلة احتياجاتها لعمليات الخدمة الزراعية (حراث وتسميد ومكافحة) مقارنة بغيرها من الأشجار المثمرة، إلا أنه وهو ما يجب الإشارة إليه أن هذا النوع من الأشجار يحتاج لعمر ٧-١٠ سنوات حتى يبدأ بإنتاج الثمار، وتصل الشجرة لذروة إنتاجها بعد حوالي ٣٠ سنة، كما أن شجرة الجوز تقوم بإفراز بعض المواد الكيميائية المثبطة ذات الخاصية الأليلوباثية (Allelopaty) التي من شأنها أن تقتل النباتات المزروعة في الأرض نفسها، وقد تحتاج الأرض بعد إزالة أشجار الجوز منها لسنوات حتى يتم تنظيفها من هذه المركبات ليصار إلى زراعتها بنوع نباتي آخر.
وشرح درويش أنه يمكن للمزارعين الاستفادة من أطراف البساتين وخصوصاً بالقرب من السواقي المائية لزراعتها بالجوز، كما يمكن استغلال المساحات الهامشية من الأراضي وإدخالها في عجلة الإنتاج الزراعي، إلا أنه من وجهة نظرنا فإذا ما تم التشجير على كامل مساحة الأرض للبستان المزروع فمن المفضل أن يستمر المزارع في هذا النوع النباتي بأرضه وذلك لما سيواجهه من صعوبات بإعادة زراعة نوع نباتي آخر بالنظر للمواد المثبطة التي تفرزها أشجار الجوز وجذورها في التربة.
أطراف البساتين
تم الترويج في السنوات الأخيرة لاستخدام بعض أصناف الجوز القزمي (أصناف أميركية) التي تمتاز بحجم صغير للمجموع الخضري وبإنتاجية عالية تصل لثلاثة أضعاف الجوز العادي، كما تبدأ هذه الأصناف إنتاجها بعمر ١-٢ سنة، وتصل إلى ذروة الإنتاج بعد ٥ سنوات، إلا أنه ما يؤخذ عليها هو قصر فترة حياتها وقد لا تكون مكسراتها بجودة الجوز العادي نفسها.
وبذلك يمكن القول إن الاعتماد على هذا النوع من الأشجار المثمرة يعد ذا أهمية كبيرة، فالاستعمالات المتعددة لهذا النوع النباتي من جهة وانخفاض تكاليف العملية الزراعية وإمكانية حفظ وتخزين الإنتاج وتسويقه على فترات ولسنوات، كل هذه الأمور تعطي هذا المحصول ريعية عالية وكفاءة اقتصادية مجدية للمزارعين في أوقاتنا الراهنة.
وتبلغ المساحة المزروعة بأشجار الجوز 3012 هكتاراً، والعدد المثمر من الأشجار يبلغ 594 ألفاً، ويقدر الإنتاج بحوالي 12914 طناً.