بغداد مدينة السلام.. بناها المنصور وأعزها الرشيد
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
بدأ بناء بغداد عام 762 بأمر من الخليفة (أبو جعفر المنصور)، وقد حدد المنصور بنفسه هذا الموقع على نهر دجلة، نظراً لقربها من نقطة تقاطع العالم، ولم يمض سوى 4 سنوات حتى تم بناء المدينة بالشكل الدائري الشهير والذي حدده الخليفة المنصور، ويأتي اسم بغداد من لوح بابلي قديم، ويعني الحديقة أو الجنينة أو الخصب في ربوع عشتار.
جذبت المدينة العلماء والشعراء والفلاسفة والموسيقيين من مختلف بقاع الدول المحيطة، كما أنجبت العديد منهم أيضاً، وكانت واحدة من أعظم المدن التي عرفها العالم، وذلك رغبة من المنصور نفسه بأن تصبح عاصمة الدولة العباسية واحدة من أقوى مدن العالم، وقد احتاج بناء تلك المدينة بأسوارها العملاقة الآلاف من المهندسين والعمال من نجارين وحدادين وعمال حفر حتى أصبحت تلك المدينة الشهيرة الدائرية التي تحدّث عنها العالم، ويظل يتحدث عنها حتى اليوم منارة للحضارة وقلعة للعلم والأدب والفن.
بغداد أيقونة الحضارة العربية ومنارة العلم والثقافة والفكر القومي العربي، حج إليها الوافدون من كل حدب وصوب لينهلوا من بلاغة مدارسها ومناهج إرثها الحضاري، فهناك مدرستها (المستنصرية) التي أمّها الدارسون من الصين والهند وبخارى وسمرقند وجنوب آسيا وخراسان والروم ومن بلاد فارس ومن كل أنحاء الأرض ليحصلوا على معالم الحياة العربية الجديدة التي انفرد بمعرفتها أساتذة وشعراء ومؤرخون وفلاسفة كبار، وكان للعصر الذهبي في عهد المأمون دور للترجمة فاستطاعت أن تترجم من اللغات الرومية والفارسية إلى اللغة العربية وبالعكس.
أما الفن الرفيع الذي ساد (المسرح العباسي) في عصر الرشيد والمأمون فقد كان فناً وحيداً من نوعه تميّز عن كل فنون العالم، وخاصة مدرسة الموسيقا بقيادة (إسحق الموصلي وتلميذه زرياب) اللذين عاشت بغداد على أنغام موسيقاهما.
كما أن مجالس بغداد الشعرية في شارع الرشيد ومدارسها الثقافية قدمت لكل رواد الحركة الثقافية الأدبية في هذه المجالس العامرة، وكان الشعراء أمثال (أبو نواس والمعري) وغيرهم، يتبارون في الشعر أمام الخلفاء العباسيين، ولا ننسى دور الجواري ومغنيات بغداد اللواتي توافدن من القفقاس وفارس وبيزنطة ومصر كان لهن الدور الكبير في إنعاش حركة الغناء في مسارح بغداد.
وأخيراً فإن حكايا ألف ليلة وليلة هي قصة حب، وبغداد قصة حب لم تنتهِ فصولها بعد.
يقول الشاعر علي بن الجهم:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ويقول الشاعر مصطفى جمال الدين:
بغداد ما اشتبكت عليك الأعصر
ولا ذوت ووريق عمرك أخضر
بغداد بالسحر المندى بالشذى الفواح
من حلل النسائم يقطر