بين «خليل الكافر» و«يوحنّا المجنون».. «نزار بريك هنيدي» يستمعُ لما تكلّم به جبران

تشرين- راوية زاهر:
(هكذا تكلّم جبران) دراسة في الأدب الجبراني للدكتور نزار بريك هنيدي، صّادرة عن الهيئة السورية للكتاب، وزارة الثقافة.. تأتي هذه الدراسة في خطوة جريئة لا تخلو من المغامرة، غاص فيها الدكتور نزار في أدب كاتب وشاعر ورسام ومتصوّف، وهو الأديب الذي وصل حدود العالمية بمقياس الانتشار وركوب صهوات اللغات، وهو جبران خليل جبران.
عنون الدكتور نزار مؤلَفه البحثي بعنوان (هكذا تكلّم جبران).. ويحملنا بلا مقدمات إلى الكتاب الذي جال الآفاق وتخطاها شهرة للفيلسوف نيتشه (هكذا تكلم زرادشت) في حالةٍ من التماهي مع الطبيعة والنفس والجدليات الملكوتية والمجانين.
بدأ الباحث كتابه في السيرة الذاتية لجبران متكئاً على السيرة الذاتية الكاملة التي كتبها ميخائيل نعيمة، منذ نعومة أظفاره وولادته في بلدة (بشري) اللبنانية ورحيله إلى أمريكا، والإنجازات التي حققها، وفتحت له باب العالمية. وخلال ذلك فَنّد الدكتور هنيدي كتب ومؤلفات جبران بدقة.. وكانت بداية مشواره الأدبي مع كتاب (الموسيقا)، وقد قيل فيه الكثير، وكان عليه الكثير من المآخذ التي تبددت فيما بعد مع المؤلفات اللاحقة.. ومهما قيل في، فإنه يبقى اللبنة الأولى من لبنات هذا الصرح الخالد (صرح الأدب الجبراني).. ليتلوه في عام ١٩٠٦م مؤلف ( عرائس المروج) وقد تضمّن ثلاثة نصوص: «رماد الأجيال والنار الخالدة، مرتا البانية، يوحنا المجنون».. وقد ركز في (رماد الأجيال والنار الخالدة) على قضية التقمص، وأفرد قصصاً كثيرة كشاهد على معتقده وعلى إيمانه بالتقمص، إذ قال ميخائيل نعيمة :«ما كان يحسب ولادته في شمال لبنان مصادفة عمياء، بل كان يعتقدها نتيجة لحياة سابقة.. فجبران كما يؤكد لنا في كتاب عرائس المروج لم يكن مجرد قصّاص يبدع نصوصاً قصصية وإنما كان كما سيكون في كتبه اللاحقة فيلسوفاً وحكيماً.
وفي عام ١٩٠٨م صدر له الكتاب الثالث (الأرواح المتمردة)، وقد اعتمد فيه على سرد حادثة أو حكاية غير عابئٍ بالشروط الفنية، وقد طالعتنا قصة (خليل الكافر) نفسها حيث تكون الخطة العصماء وحدها كفيلة بتثوير جموع الفقراء والقضاء على الظالمين، وقلب المجتمع من حال إلى حال.. فالأرواح المتمردة كانت امتداداً لعرائس المروج، ولكن بشكلٍ أكثر عمقاً وشمولية،. وقد اندرجت محاوره تحت عناوين الحب والقهر الاجتماعي للمرأة، واضطهاد الأغنياء للفقراء، وفساد رجال المؤسسة الدينية، لتصير لغة جبران أكثر إشراقاً وتعابيره أقوى تماسكاً وصوره أعلى تحليقاً وأشدّ إيحاءً ما أضفى على نصوصه مسحةً من الشاعرية.
ونسير مع كتاب جبران الرابع (الأجنحة المتكسرة) والصادر عام ١٩١٢م في نيويورك، وأهم ما ميزه أن جبران حاول أن يقارب من خلاله شكل الرواية، بعد أن أخذت مؤلفاته السابقة شكل القصة القصيرة.. وقد بحث فيه مقارنة بين بطلة روسو (جولي) في رواية هيلويز الجديدة وبطلة جبران سلمى.. من حيث التشابه في تزويجهما حسب التقاليد:
– رفض الهرب مع الحبيب.
– ووفاة البطلتين بعد الولادة ومحاولة إنقاذ الأبناء.
تميز جبران خليل جبران بإضفاء الرومانسية على كل شخوصه وأبطال روايته.. وقد أفرد الدكتور هنيدي رأياً لـ(مي زيادة) في رواية (الأجنحة المتكسرة) التي قالت عنها :«إن الأجنحة المتكسرة قصيدة منثورة».
وفي عام ١٩١٤م أصدر جبران كتاب (دمعة وابتسامة) في نيويورك، وحوى القصص والحكايات والمقالات والخواطر ونصوصاً من النثر الفني، حملت نسج ومنوال الكتب السابقة من حيث توظيف الأحداث والشخصيات لإظهار المظالم والمآسي التي يراها في المجتمع وللإفصاح عن آرائه ومعتقداته الفكرية والفلسفية، لكنه في هذا الكتاب يبدو أكثر وعياً بخصائص الفن القصصي وأكثر امتلاكاً لأدواته الإبداعية وأقل وقوعاً في المثالب التقنية التي لمسناها في كتبه السابقة.
ثم نأتي إلى (المواكب) حيث جبران وعالم الغاب الفاضل، فهي القصيدة الطويلة الوحيدة التي نظمها جبران وفق الشكل التقليدي من حيث التزامه بالوزن والقافية واعتمادة على المقطعية؛ فالغاب هو عالم جبران المثالي كمحاولة لرفض حياة المدنية التي أسقطت الإنسان من علوه.. ففي الغابات لا حاجة للأمل ولا العدل ولا الدين ولا السلطة.. ولا وجود في الغاب للعقم، ففيها الحياة متكاملة، ينتفي فيها الظلم والجور، وفي التحول الواقعي فيها يكمن سرّ الوجود.
١-أعطني الناي وغنّ
فالغنا يرعى العقول.
٢-وأنين الناي يبقى
من مجيد وذليل
٣-أعطني الناي وغنّ
فالغنا خير الصلاة
٤-وأنين الناي يبقى
بعد أن تفنى الحياة.

فالفن بنظره هو وحده الباقي وهو الطريق الوحيد للخلاص من براثن الواقع.. وبعد اليأس والقنوط ينقلب جبران على الإنسان في مؤلف (العواصف) وقد مازه التشاؤم والسخط على الناس والنفور منهم وتعاظم الإحساس بالغربة والوحدة والإيمان بالقوة وتمجيدها ومن ثمّ تصوير المسيح كرمز للقوة والتمرد، وعدم جدوى الفن والكتابة والكلام.. كما أكثر جبران، وأبدع في نصوص وقصائد وأشعار وكتب كثيرة، وكان له كتاب (البدائع والطرائف) الذي يحتوي على مجموعة من النصوص التي تجلت فيها مواقف جبران الوطنية والاجتماعية بأبلغ وأجمل تعبير (لكم لبنانكم ولي لبناني)..
وأخيراً، وليس آخراً كان مؤلف جبران (المجنون) صادراً باللغة الإنكليزية بمساندة صديقته ماري هاسكل التي وجه لها الكثير من الرسائل، ومن أهم كتبه (النبي) الذي ترجم إلى الكثير من لغات العالم.
وأجمل ماعرف عن جبران الرسم الساحر بالكلمات التي تضاهي براعة رسام كاركاتير معاصر..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اقتراح تعديلات على قانون التجارة خلال ثالث حوارات قطاع الأعمال بحمص ركزوا على استبدال عقوبة الحبس.. تجار دمشق وريفها يقدمون مقترحاتهم لتغيير قانون حماية المستهلك "صفحات منسية من تاريخ المسرح السوري".. محاضرة للناقد والكاتب المسرحي جوان جان خان الكتان الأثري يحتضن مهرجان "ليلك" ليضيء على إبداعات المرأة الحلبية وقدرتها على التغيير مهرجان حلب المسرحي يدشن  انطلاقته بعمل "عويل الزمن المهزوم" على خشبة مسرح دار الكتب الوطنية عدوان إسرائيلي يستهدف موقعين بريف حمص الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث صندوق مشترك للقضاة.. وقانوناً بصندوق مشترك وبدل مرافعات لمحاميّ الدولة وزير الأشغال العامة والإسكان: نسعى نحو تلبية التطلعات المجتمعية العمرانية وزير التربية: القانون رقم 31 جاء ليواكب التطورات والتغيرات في المجال ‏التربوي والتعليمي ‏ إصدار قانون الضريبة الموحد وتنظيم جباية الضرائب واعتماد الأتمتة مقترحات جلسة الحوار التمويني بدرعا