تساؤلات مُعلقة حول «الانفتاح العربي».. الميدان السوري على وقع استمرار التحشيد الأميركي والاستدارة التركية الجديدة.. ومسار «الرباعية» من التجميد إلى التوقف
تشرين – مها سلطان:
منذ انعقاد القمة العربية في مدينة جدة في السعودية 19 أيار الماضي وحتى اليوم.. لا شك بأنها مدة طويلة قياساً بحجم التفاؤل الكبير الذي ساد في أعقاب القمة لناحية العلاقات السورية- العربية وعودتها إلى طبيعتها، وما يُمثله ذلك من رافعة معنوية واقتصادية لمساعدة سورية في مواجهة الحرب الإرهابية العسكرية والاقتصادية وتداعياتها، والتي ضاعفت من وطأتها كارثة الزلزال التي وقعت في 6 شباط الماضي.
كان التفاؤل كبيراً لناحية عودة الأشقاء العرب وتحديهم للحصار الأميركي ووقوفهم إلى جانب سورية وجهودها في إعادة الإعمار والنهوض الاقتصادي.. وفيما كان الترقب سيد الموقف طوال الأشهر الماضية، ولم يحدث أي خرق بارز، بدأت الأسئلة تتوالى- ومازالت- عن مآلات العودة العربية والانفتاح العربي على سورية، ومتى نرى أول ترجمة عملية لها.. وهل إن الولايات المتحدة نجحت في ضغوطها لاحتواء العودة وكبح مساراتها؟
هذه الأسئلة وإن كانت تتوسع بين السوريين، مع تقلص مجالات العمل والرزق، بفعل جريمة الحصار الأميركي الذي يتوالى فصولاً، وفي كل فصل يضيق أكثر فأكثر ويحاصر حتى الحد الأدنى من متطلبات السوريين المعيشية.. هذه الأسئلة تتسع أيضاً إقليمياً ودولياً، فالأعداء والمتآمرون والطامعون يرونها فرصة تمتد أمامهم لممارسة مزيد من الضغط على الدولة السورية لانتزاع حقوق وطنية وسيادية وبما يقوض قوتها وهيبتها، بينما الأصدقاء والحلفاء يحذرون من استمرار جريمة الحصار وأنها تقوض السلم والأمن في سورية وفي كل المنطقة، وإذا ما أضفنا إليها البيئة التشاؤمية السائدة حيال الانفتاح العربي على سورية ولكونه «مجمداً بأمر أميركي» فإن هذه الجريمة تصبح أضعافاً مضاعفة.
لذلك نجد روسيا تواصل التأكيد على مسألة العلاقات السورية- العربية، وأهمية عودة سورية إلى الجامعة العربية باعتبارها عامل استقرار في منطقة تتناهبها البؤر الساخنة، المشتعلة والكامنة، وحيث الولايات المتحدة تتآمر بشكل متواصل لعدم خروجها من دائرة التناحر والصراعات، كما جاء في خطاب ألقاه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو (اليوم) أمام مؤتمر موسكو الـ11 للأمن الدولي قائلاً: إن الوضع في الشرق الأوسط يتطور إيجابياً بشكل عام، مؤكداً أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية أصبحت عاملاً قوياً لاستقرار المنطقة بأسرها.
تساؤلات مُعلقة حول «الانفتاح العربي».. الميدان السوري على وقع استمرار التحشيد الأميركي والاستدارة التركية الجديدة.. ومسار «الرباعية» من التجميد إلى التوقف
ولمناسبة الحديث عن الجامعة العربية، كان وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد قد أجرى مباحثات أمس مع نظيره المصري سامح شكري في القاهرة، تلاها اجتماع مع لجنة الاتصال العربية المعنية بسورية على المستوى الوزاري «لجنة خماسية تشكلت في أعقاب القمة العربية من السعودية والعراق ومصر والأردن ولبنان».
وخلال الاجتماع أكد المقداد ضرورة الالتزام الكامل بسيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، مشدداً على أهمية وضرورة «الدور العربي الأخوي في دعم سورية والشعب السوري ولاسيما إنهاء الاحتلال التركي الذي يعوق تحقيق الاستقرار ويطيل أمد الحرب ويتابع دعمه وحمايته للإرهابيين». وأضاف: الاحتلال التركي لا يشكل خطراً على سورية فقط، بل على الأمن العربي وعلى المصالح العربية بشكل عام ولا بد من تضافر الجهود واتخاذ خطوات عملية لوضع حد له.
كما شدد الدكتور المقداد خلال الاجتماع على ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك، وأن هذا التفعيل يتطلب اليوم نهجاً عربياً فاعلاً وبنّاءً على الصعيدين الثنائي والجماعي بفعل كل الأزمات والتحديات والتداعيات التي تشهدها الساحة العربية.
وقال: للأسف لم تكن لدينا كدول عربية رؤية مشتركة واضحة لكيفية التعامل مع كل ذلك، وهذا الأمر بطبيعة الحال أضعف العمل العربي المشترك حتى فيما يخص معالجة القضايا العربية الأساسية التي تهمنا وتؤثر فينا جميعاً.
**** **** ****
في كل الأحوال، وما زاد من ضغط الأسئلة، آنفة الذكر، واتساع دائرتها، هو تطورات الميدان السوري وباتجاهين:
– الاتجاه الأول ما يتم تناقله بشكل متواصل حول التعزيزات والتحشيد الذي يقوم به المحتل الأميركي على الأرض تمهيداً لتوسيع رقعة احتلاله وبعض ما يتم تناقله خطر جداً- إذا ما كان صحيحاً- لناحية الأهداف التي يُبيتها المحتل الأميركي من وراء تحركاته الميدانية، المُعلن منها والمَخفي.
وفي أحدث ما يتم تناقله، فإن المحتل الأميركي يُخطط لما يمكن تسميته «مستعمرة حدودية» بين سورية والعراق بالتزامن مع وصول تعزيزات أميركية عسكرية جديدة إلى العمق السوري، أي حيث يوجد المحتل الأميركي، خصوصاً منطقة التنف – البادية.
وحسب ما نقلته وكالة أنباء «المعلومة» العراقية عما قالت إنه مصدر أمني عراقي بـ«أن القوات الأميركية الموجودة في قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار غرب العراق، تنوي إغلاق الشريط الحدودي مع سورية غرب الأنبار لدواعٍ غير واضحة بالتزامن مع استمرار المحتل الأميركي بالتحشيد والتعزيز في العمق السوري»، مشيرة إلى أن «القيادات الأمنية ليست لديها معلومات كافية، فيما تكثف القوات الأميركية عمليات الاستطلاع الجوي في المناطق الغربية باتجاه العمق السوري».
وتضيف «المعلومة» نقلاً عن المصدر الأمني نفسه: إن «القوات الأميركية المتمركزة داخل مبنى قاعدة التنف استقبلت أرتالاً حربية قادمة من قاعدة عين الأسد في مؤشر إلى وجود مخطط غير واضح المعالم ويتسم بالسرية التامة».
بالتزامن تقريباً، كتبت «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية حول عملية أميركية مرتقبة على الحدود السورية – العراقية بهدف إعادة بناء وتقوية الوجود العسكري الأميركي في شرق سورية للسيطرة على ممرات النقل مع العراق من جهة، وللضغط على الحلفاء- روسيا وإيران- من جهة ثانية، وخصوصاً أن هذه العملية تتضمن ضرب مواقع للحلفاء في المنطقة، حسب «نيزافيسيمايا غازيتا». يأتي ذلك في ظل تخوف المحتل الأميركي من تحركات الحلفاء مع الجيش السوري وما تتعرض له القواعد الأميركية غير الشرعية من ضربات تزداد شدة واتساعاً من جانب المقاومة الشعبية والحلفاء معاً، ومن ضمن ذلك الضربة الصاروخية التي استهدفت قاعدة المحتل الأميركي غير الشرعية في منطقة الشدادي بريف محافظة الحسكة يوم الأحد الماضي وما أعقبها من استنفار أميركي واسع النطاق، وذلك غداة استهداف قاعدتيه في حقل العمر وكونيكو بريف دير الزور الشمالي بأربع قذائف صاروخية.
في كل الأحوال، وأياً يكن من شأن النيات الأميركية المبيتة ميدانياً، فإن الدولة السورية، قيادة وجيشاً، ومع الحلفاء، في صورة ما يجري، مع كامل الاستعداد والجاهزية.. وربما انتظار التحرك الأميركي الميداني الأول، وبعدها فإن ما قبله لن يكون كما بعده، وكما نقول دائماً، بالنسبة للدولة السورية والجيش السوري فإن كل تحرك بميزان وكل تقدم بأوان.. ولكل معركة وقتها.
*** **** ****
الاتجاه الثاني بالنسبة لمسألة اتساع الأسئلة، آنفة الذكر، هو المواقف التركية المستجدة ما بعد قمة «ناتو» في فيلنيوس- ليتوانيا «11 تموز الماضي» والاستدارة الجديدة التي نفذها الرئيس التركي رجب أردوغان باتجاه الولايات المتحدة، على حساب روسيا والميدان السوري، واتساقاً مع هذه الاستدارة كان من الطبيعي أن يعود النظام التركي إلى سابق تصريحاته، كاشفاً أنه وطوال فترة الأشهر الماضية من مسار الاجتماعات الرباعية بوساطة روسية – إيرانية، لم يكن هناك أي تغيير حقيقي لمواقفه، بل كان يكذب ويُماطل ويناور، وهذا ما كان يُثبته الميدان يومياً، وما كانت تؤكده سورية على الدوام عندما كانت تطالب باستحقاقات السيادة وأبرزها الانسحاب أولاً، ووقف دعم المجموعات الإرهابية.. وصولاً أخيراً إلى أن تركيا لا تتوقف عن التصريح بأنها لن تنسحب قبل أن تقضي على الإرهاب، المتمثل بالنسبة لها في «قسد» وفصائلها، والمدعومة من المحتل الأميركي، هذا يعني أن الانسحاب لن يتحقق لأنها لا تستطيع القضاء على إرهاب «قسد» إلا إذا دخلت في حرب مع الأميركي وهذا ما لن يحدث.. ولا تريده أن يحدث ما دام هذا الإرهاب يؤمن دوام احتلالها ويوسع مطامعها بإمكانية توسيع رقعة هذا الاحتلال في المرحلة المقبلة.
في الأيام الماضية وسّع النظام التركي دائرة تصريحاته وبما يذكرنا بفترة ما قبل استجداء روسيا للتوسط لدى سورية في سبيل بدء محادثات تفتح باب التطبيع، وذلك عندما كان نظام أردوغان محشوراً ومخنوقاً بحالة استياء شعبية واسعة من جراء الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، التي ما زالت تتدهور، إلى جانب معارضة سجلت حضوراً طاغياً وصل إلى حد إمكانية طرد أردوغان وحزبه – حزب العدالة والتنمية – من السلطة.
يوم الأحد الماضي خرج وزير الدفاع التركي الجديد يشار غولر ليعيد التصريحات نفسها: «نريد إحلال السلام في سورية.. نريد صياغة دستور جديد لسورية.. لن ننسحب من دون ضمان أمن حدودنا وشعبنا»… إلخ.
وهكذا يكون نظام أردغان حكم على مسار الاجتماعات الرباعية بالانتهاء أو لنقل التجميد الطويل، ما يُعيد عملية التطبيع إلى مربعها الأول. أما بالنسبة للدولة السورية فإن أي شيء لم يتغير وهي لطالما تعاملت مع النظام التركي من مبدأ أنه لا يمكن أن يتغير، لكنها كما تؤكد دائماً لا تغلق باباً ولا ترفض أي فرصة سانحة.. والزمن والميدان هما من يُثبت صحة مصداقية المواقف وحقيقة النيات والأهداف.