عن الأمكنةِ والألوان … مَعرضٌ ثنائيٌّ يُؤسّس لِخصوصيّةٍ مُبكِّرة
تشرين- لبنى شاكر:
لم تُخطط آيات الزعبي وجمانة مرتضى، خريجتا كلية الفنون الجميلة، لإقامة معرضٍ مشترك، غير أن اقتراحاً من القائمين على صالة «الأرت هاوس»، بالعرض الثنائي تحت مسمى «ألوان»، وَجد قبولاً عندهما، فلدى كلٍّ منهما طريقتها في إعادة تشكيل الأمكنة، بالاعتماد على اللون، من دون وجود أي تقاطعات أو شبه، وهو ما يستحق التوقف عنده، مع غياب العنصر البشري عن لوحاتهما، والابتعاد عن تجسيد تفاصيل أو مكوّنات واضحة المعالم، والذي ربما يُؤسّس لخصوصيةٍ تُميّزهما مُبكّراً.
في أعمال الزعبي «24 لوحة»”، اشتغالٌ مُتأنٍ ومدروس، بدأته سابقاً في معرضها الفردي الأول عن دمشق قبل عام ونصف عام تقريباً، لكنها هذه المرة تبحث عن الجدّة في تقنية الكولاج التي تنتهجها عموماً، إذ تتخلى عن الأشرطة والأقمشة وغيرهما من الخامات، مقابل العمل على أنواعٍ مختلفة من الورق «الملوّن، الأبيض، الشفاف، المستعمل، قصاصات الجرائد والمجلات»، بما يخدم جمالية اللوحة وسياقها.
في الموضوع، تُعيد تشكيل ما زارته من أمكنة في دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس، بمعنى أنها تستخلص مشاهد معينة وتُصورها عبر أشكال من المثلثات والمربعات والدوائر، بما يشبه مجموعات من السحب أو الغيوم أو سلاسل الجبال، بتدفقٍ إيقاعيٍّ سلس، وعلى هيئة مستطيلات دائماً، تقول لـ «تشرين»”: «عندنا أماكن متشابهة، يصعب التمييز بينها أحياناً، لكنني أحاول القبض على جزء منها، لذلك يمكن أن نرى في اللوحات أي مكانٍ نحبه».
تهتم الزعبي بإبراز الجمال قبل أي شيء، ومن ثم تنحاز لما يبثه المكان من أحاسيس، كالقسوة أو السكون أو الكآبة، ليكون هذا عنصراً رئيساً ثانياً في اللوحة، تقول أيضاً: «بعض الأمكنة في اللوحة تُشعرك بأنك في نزهة أو أن الوقت ليل أو أنك يجب أن تلتزم الهدوء»، وهو ما ينسجم مع اللون بطبيعة الحال، رغم أنها تُعفي نفسها من التقيّد بالألوان الحيّة، ففي الغوطة مثلاً، أثار الأخضر انتباهها لوجوده بقوة، مع أنه جزء من تشكيلة واسعة، وفي تدمر يحتل «البيج» مساحات شاسعة، لكنه ليس الوحيد هناك، ومع ذلك، أوجدت لهما حصة في لوحاتها، لأنهما ظلا عالقين في ذاكرتها.
أما في «14 لوحة» لمرتضى، فخطوة مُتقدمة في بحثٍ بدأته قبل ثلاث سنوات، في معارض جماعية، محوره الطبيعة واللون، وعلى حد قولها، ما عرضته في «ألوان»، حصيلة العام الجاري، وهو كافٍ لإيصال فكرتها واجتهادها في هذين العالَمَين من حولنا، وإن كان الشغل على اللون كما تشير هو الأساس، والطبيعة هي المصدر الأول للون الخام، لذلك يصح القول إن تجربتها، تُعادل بحثاً لونياً، اعتمدت فيه ألوان الإكريليك مع إضافات للزيتي والفحم.
تُنافي مرتضى المُكرر والجامد عن أعمال الطبيعة، نحو تجريدٍ باذخ في تداخلاته، حتى إنها جعلت من اللون موضوعاً بذاته، عبر بقعٍ لونية ممتدة بكثافة وسخاء، تُضيف لـ «تشرين»: «عشت في الشام القديمة، وكنت أرى الرماديات بكثرة، لهذا أشتاق للألوان وأبحث عنها، وفي الوقت نفسه، كانت السماء أكثر ما أراه في بيتي، لهذا بدأتُ منها، استعرتُ من تكويناتها، وأضفتُ للأرض، بدّلت ألوان الطبيعة، لتشبهني».
اتكأت الفنانة أيضاً على التكوينات والتبدلات غير المتناهية في الطبيعة، والتي تتجدد بحكم العوامل التي تمر عليها، وتسمح لها بإظهار خبايا ومفاجآت لا تتوقف، مع تعاقب الليل والنهار، والفصول، وما تجود به الأرض وجزئياتها في ملايين التفاصيل، ولهذا لا تتردد في إعلان رغبتها الاستمرار في العمل على البحث، إلى أن تشعر بنضوجه وبالاكتفاء.
تُفضّل مرتضى القياسات الكبيرة لأعمالها، أحدها بقياس ثلاثة أمتار ونصف المتر× متر وثلاثين سم، لأنها تساعدها في قول ما لديها، وفي «ألوان» استفادت من المساحات الكبيرة في الصالة، إضافة إلى السقف المرتفع، حيث تحظى أعمالها بفسحة مناسبة لتتحدث عن نفسها.