الصورةُ الكاريكاتوريّة والنقدُ المبطّن و«ثيمة» الخوف من زيادة الرواتب في الدراما السوريّة
تشرين- سامر الشغري:
عاشت الكوميديا السورية وترعرعت في أحضان النقد، فمنه أخذت مادتها، ومن جرأته بنت شعبيتها، وتوغلت من خلاله في تفاصيل حياة المواطن لتنقلها للجمهور السوري والعربي، ومن بين هذه التفاصيل «زيادة الرواتب».
ومن خلال متابعتي وقراءاتي أستطيع القول إن الدراما السورية هي الوحيدة التي تناولت هذه الجزئية، وتفردت من خلالها على نظيراتها العربية، وأقصد (زيادة الرواتب) وأثرها في حياة الناس، وقد ساعد على ذلك أن عدداً وفيراً من كتّاب الدراما هم من شريحة الموظفين، ومن ثمّ يعرفون، بل ويشعرون بأثر زيادة الراتب الشهري في حياة الموظف، سلباً أو إيجاباً.
أولى الأعمال التي تناولت مسألة (زيادة الرواتب) كان مسلسل (أحلام أبو الهنا)، إنتاج سنة ١٩٩٥، من بطولة الفنان القدير دريد لحام وإخراج الراحل هشام شربتجي، وتأليف سلمى كركوتلي، إذ يعرض هذا المسلسل في الحلقة رقم( 22 ) بعنوان (زيادة راتب)، حماس «أبو الهنا توكلنا» وزوجته «خيرو» للزيادة التي ستطرأ على معاشهما، ويشرعان في تأسيس حياتهما على هذا الأساس وشراء عدد من السلع التي يحتاجانها، لكنهما يتفاجأآن بارتفاع أسعار الكثير من المواد، ما سيبتلع فورياً أي زيادة تطرأ على الراتب الشهري.. وفي لقطة كاريكاتورية في ختام الحلقة، نجد «أبو الهنا وخيرو» يتابعان على شاشة التلفاز حواراً مع باحث اقتصادي عن زهد الناس بزيادة الراتب، وأملهم في ألا تحدث، وإصرار الحكومة على فرض الزيادة، فما كان من «أبو الهنا» إلا أن يغرق في نوبة غضب، وأصبح يتمتم بسرعة بحنق بأننا لا نريد هذه الزيادة، لأن الحكومة ستزيد أسعار كل شيء، وهنا يُقرع باب البيت بشدة وبصورة متتالية، فيفزع«أبو الهنا» ويهرع من فوره للاختباء في سقيفة المطبخ، ثم يخفي رأسه في طنجرة.
العمل الثاني الذي تناول بصورة ساخرة مسألة (زيادة الرواتب)، مسلسل (بقعة ضوء) بجزئه السادس إنتاج سنة 2008,، إذ كرر هذا الجزء الذي أخرجه سامر البرقاوي ثيمة خوف الموظف من الزيادة، من خلال لوحة كتبتها رنا الحريري ولعب بطولتها الفنانون: باسم ياخور ورنا أبيض وفادي وفائي.. ولكن الجديد الذي جاءت به مؤلفة اللوحة هو المقارنة بين حالة الموظفين فيما سمّته العالم المتحضر، إذ تخطط العائلة لتحديث موديلات سياراتها، والقيام برحلات سياحية في الكاريبي، وزيادة الرواتب في العالم…كما جاء في التعريف بالمشهد، إذ تولول الزوجة عندما تعرف من زوجها خبر زيادة الرواتب، ويقرران الامتناع عن تناول اللحمة، وتخفيف تناول الأرز والحمص والعدس، والاعتماد على الحشائش كالخبيزة والبقلة، لتخفيف نفقاتهما الشهرية.
تناول موضوع زيادة الرواتب بهذه الطريقة جرأة شديدة في النقد ومقاربة للواقع، تحسب للكوميديا في سورية، إذ اعتادت دائماً عرض مشكلات الناس ومعاناتهم بصورة ساخرة، وعدم الاكتفاء بإضحاكهم، خلافاً للكوميديا المصرية التي كان ديدنها ومبدعها الإضحاك ليس إلا.