معظم وسائل الإعلام تنقل أخبار الاحتجاجات في الكيان الصهيوني على أنها صراع بين أطراف المجتمع حول تنظيم الدولة، وكأننا نتحدث عن مجتمع طبيعي يبحث سكانه عن طريقة لتنظيم الحكم بينهم و تحديد وظيفة الدولة المجرمة، وهناك مَن يتجرأ ليسمي ما يجري في الكيان الصهيوني (أزمة دستورية) من دون الانتباه إلى أنّ هذا الكيان اللاقانوني واللا دستوري في تركيبته وفي بنيته الأساسية، وما يجري من صراع داخلي حول التعديلات القضائية ليس إلّا فضيحة لهذا الكيان الغاصب الذي يقوم على الاحتلال، والذي يعمل في وسائل الاحتلال، والذي لا دستور له إلّا الاحتلال، فما حقيقة وتاريخ ما يجري في الكيان الغاصب من احتجاجات وخلافات و صراعات ؟؟؟
عند إعلان الكيان الصهيوني كـ(دولة) في العام 1948، تخوّف مَن سمي بالمؤسس لهذا الكيان ديفيد بن غوريون من إنجاز دستور، والخوف كان على استمرار هذا الكيان و وجوده، وهذا ما يعكس قناعة بن غوريون بأنّ اعتماد أي دستور أو قانون عام سيكشف جوهر هذا الكيان الذي لا يندرج تحت أي قانون أو فلسفة قانونية، لأنه بالأساس احتلال غاصب ليس إلّا، وبعد إعلان التأسيس في عام جرى فيه انتخاب (هيئة تشريعية) لوضع الدستور، ولكن ظلّ تخوف بن غوريون معمماً على الطبقة الحاكمة، وبدل أن تقوم هذه الهيئة بإنجاز( دستور) جرى اعتمادها كبرلمان وكانت (أول كنيست) للكيان الغاصب، وظل التخوف من الدستور المكتوب قائماً من إمكانية تضمنه حقيقة “إسرائيل” القائمة على إلغاء شعب فلسطين أصحاب الأرض، وإلغاء العرب وغير اليهود في فلسطين باعتبارهم(غرباء )من وجهة النظر الصهيونية المتطرفة الغاصبة، وبعيداً عن الوقوع في هذه الفضيحة جرى الاعتماد على كل يسمى ( المحكمة العليا) لمناقشة قرارات الحكومة وتصويبها، ولكن المصيبة أنّ هذه المحكمة العليا عادت في العام 2018 لتقرر (قومية يهودية الدولة)؛ أيّ ثبتت بحكم قضائي أعلى أنّ كل العرب مسلمين ومسيحيين وغير اليهود كلهم (غرباء)، ويجب إبعادهم ولا حقوق لهم مطلقاً، وأي دستور يمكن أن يعلن مثل هذا التمييز الديني العنصري المتعصّب؟
الاحتجاجات الآن في الكيان الإسرائيلي تعبّر عن خلافات سياسية بين مجموعة محتلين يتفقون على التمسك بالاحتلال، ويختلفون على تقاسم إدارة هذا الاحتلال، وكل طرف يدّعي أنّ آراءه ومواقفه هي للدفاع عن الكيان الغاصب (أي الاحتلال)، والمصيبة الفاضحة لطبيعة هذا الكيان أنّ الاحتجاجات لم تتطرق أبداً إلى حقوق الفلسطينيين العرب، أصحاب الأرض الأصليين، ويبدو أنّ الجميع في الكيان الغاصب متفقون على استبعاد وإلغاء كل مَن هو غير يهودي من العرب مسلمين أو مسيحيين، ويختلفون على طريقة إدارة الاحتلال، ولكنهم متفقون على اعتماد الاحتلال، وهذا ما يكشف حقيقتهم جميعاً التي تؤكد على أنّ (الاحتلال دستورهم وقانونهم)!!