مع بداية شهر حزيران المنصرف أقامت روسيا (مهرجان الساحة الحمراء للكتاب) وفي تحيته للمشاركين في هذا المهرجان الثقافي أكد الرئيس فلاديمير بوتين أن (الكتاب يبقى أهم مصدر للتعلم) ويشكل نهجاً لتعليم الخير والمبادئ والأخلاق ويوفر نبعاً محفزاً للتطور والتقدم والإبداع. وشكّل الحدث، مهرجان الساحة الحمراء وتحية الرئيس بوتين إليه، شكّل إشارة تفيد بأهمية الكتاب للدولة للاحتفاظ بعظمتها ولاستمرار تقدمها ولتحصين منعتها الاجتماعية والوطنية، وهو ما يشكل تعريفاً معمقاً للثقافة والعلم في سياسة الدول وفي نهج الرؤساء.
كان الاستعراض العسكري السنوي الكبير، أهم ما تعرف به الساحة الحمراء في موسكو، وكان الاتحاد السوفييتي ومن ثم روسيا الاتحادية تستعرض قوتها العظمى عبر عرض قدراتها العسكرية في الساحة. اليوم باتت هذه الساحة نفسها مسرحاً لاستعراض مهرجاني للكتاب، وهذا ما يحمل رسالة واضحة من الدولة إلى المجتمع والعالم، تقول الرسالة إلى المجتمع إن الكتاب سلاحنا للبناء والارتقاء والتطور والحفاظ على السيادة والقرار، وتفيد الرسالة إلى الخارج بأن روسيا كما تبني قدراتها العسكرية لتدافع عن مجتمعها ودولتها وتتصدى لكل المخاطر والتهديدات المحدقة بها، فإنها تعتمد العلم والثقافة والإبداع عبر الكتاب لتبني وعي وثقافة وعلم أفرادها لتظل منعة المجتمع نابعة منه، وتشع من كل فرد من أفراده. لذلك فإن الرئيس بوتين عدّ أن الكتاب هو الأهم (على الرغم من الاستخدام الواسع للتكنولوجيا الحديثة المتقدمة والوسائل المعلوماتية) وهذا ما يوضح مكانة الكتاب في السياسة العليا للدولة ويذكر بأهميتها للفرد والمجتمع والدولة.
بمناسبة هذا الحديث عن الكتاب لابد للدول وهي تهتم بالكتاب ألا يغيب عن بالها حقيقة أن لا أهمية للكتاب في غياب (ثقافة القراءة)، لذلك فلا جدوى من الكتاب ولا من المهرجانات ولا من المعارض إن غابت عن الدولة والمجتمع أهمية ترسيخ وتعزيز وتنشيط ثقافة القراءة. وهذا ما حرص عليه مهرجان الساحة الحمراء كما يبدو، خاصة عبر أنشطته التفاعلية والحوارية والإبداعية المتعددة والمتميزة.
قوة الدول ليست بترسانتها العسكرية ولا بقوة استخباراتها أو اقتصادها فقط.. قوة الدول أيضاً متعلقة ومرتبطة بالعلم والثقافة والإبداع، أي بالكتاب وبثقافة القراءة.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات