السبب الأكبر للفساد

تشير الضبوط اليومية التي تنظمها مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك وغيرها من الجهات الرقابية هذه الأيام إلى المشكلة الأكبر في اقتصادنا ومعيشتنا ألا وهي تعدد أسعار الكثير من المنتجات ضمن الأسواق وهذا ما يغذي الطمع في ضعاف النفوس ويجعلها مصدر رزقهم ومنبع معاناة الجميع في نفس الوقت.

يومياُ تعلن الجهات المعنية عن ضبط سرافيس أو دراجات يحمل كل منها عشرات أجهزة التتبع تعود لوسائط نقل عامة اختار أصحابها المتاجرة بمادة المازوت على حساب معاناة آلاف الركاب، والسبب وجود ثلاثة أسعار للمازوت في السوق مدعوم وحر وآخر في السوق السوداء، وهذا ما حد من القدرات التقنية الموجودة في أجهزة التتبع في إلزام السائقين بالعمل على خطوطهم، علماً أن اكتشاف هذا الأمر لا يحتاج إلى تجهيزات وفنيين، لأن الازدحامات في الطرق تبوح بكل شيء.

كذلك الأمر بالنسبة للأفران حيث أصبحت الضبوط بحقها لمتاجرتها بمستلزمات تصنيع الرغيف من النشاطات اليومية لمديريات التموين، لأن فروق أسعار الطحين والمحروقات والخميرة المدعومة عن أسعار السوق توجد بيئة خصبة للغش وسرقة الدعم.

كما أن الضبوط شبه اليومية بعشرات الملايين ومئاتها لم تعد تجدي نفعاً مع أصحاب محطات الوقود والمتاجرين بالمحروقات والغاز لأنهم يجدون ما يسرقوه من أفواه المواطنين حافزاً للتلاعب والغش وتجاوز القوانين.

إن مفهوم الدعم العشوائي في ظل شح أي مادة سيكون وبالاً على مكونات الاقتصاد، لا سيما إذا كانت فروقات الأسعار وأرباح السرقات والتغطية عليها أكبر من الغرامات عند غياب الضمير لدى القائمين على عمليات التوزيع أو الرقابة عليهم، بدليل أن غالبيتهم أصبحوا من أصحاب الثروات..!

القول إن هدف تعدد الأسعار للمواد الأساسية وعلى رأسها المحروقات هو دعم صناعة أو زراعة أو فئة معينة في ظل ظروف الحصار والنقص هو تبديد لأموال الخزينة العامة وحقوق المواطنين، لأن معظم منتجينا ومقدمي الخدمات المستفيدين من أموال الدعم يحاسبون زبائنهم على تسعيرة السوق السوداء، كما أن تكاليف الرقابة على حسن التوزيع ستكون مرتفعة جداً.

لذلك وحتى نتخلص من السبب الأكبر لبيئة الفساد الموجودة حالياً في حياتنا اليومية يجب العمل على توحيد الأسعار للمواد الأساسية (بالسعر الحر أو المدعوم)، لكن في نفس الوقت لا بد من بذل الجهود في سبيل توفير احتياجات نشاطاتنا الاقتصادية، وفي حال وجود رغبة في دعم نشاط اقتصادي معين يمكن ربطه بوحدة الإنتاج وتعويض المنتجين بفروقات الأسعار، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين يمكن تعويضهم بما سينجم عن هذا الأمر بشكل نقدي، وهنا سنقضي على الحلقات الوسيطة بين الداعم والمدعوم، وهذا بشرط أن توجد دراسات اختصاصية دقيقة قابلة للتطبيق مباشرة في حال اتخاذ القرار وعدم ترك المجال لحدوث الأخطاء والتجريب.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار