مهرجان للقصة القصيرة لتكريم الأديب الراحل أنيس إبراهيم في طرطوس
تشرين- ثناء عليان:
تكريماً لذكرى الأديب الراحل أنيس إبراهيم أقام فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب على مدى أربعة أيام مهرجاناً للقصة القصيرة، بمشاركة 17 قاصاً وقاصة منهم من قدم قراءات قصصية ومنهم من قدم شهادات وقراءات نقدية، وذلك بحضور أفراد من عائلة الأديب الراحل وأصدقائه ومحبيه.
افتتح المهرجان رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب الشاعر منذر عيسى موجهاً التحية للقاص الراحل، ومشيراً إلى ما اتسمت به حياته الأدبية من غنى وقيمة وأثر خالد، وإلى الخصال والمزايا الحسنة التي عُرفت عنه في المجتمع الأدبي وفي قريته (مجدلون البستان – صافيتا) حيث ولد..
هذا وقد خصِّص اليوم الأول من المهرجان لتقديم شهادتين بالأديب المكرَّم، قدمها الأديبان (غسان كامل ونوس) و(محمود حبيب)، حيث قدَّم الأديب ونوس شهادة مطولة تناولت نظرة تحليلية ونقدية لأدب القاص (أنيس)، فتطرَّق إلى مجموعاته القصصية مثل (الجمار) و(أرض الديس) وسواهما، وأظهرَ براعة المؤلف في الكتابة وفي الإلمام التام بفن القصة القصيرة، ووقفَ عند الخصائص الجمالية لفن القصة القصيرة عنده، مؤكداً أن الراحل أنيس إبراهيم لم يكن وحيداً في المشهد القصصيّ الطرطوسيّ، منذ منتصف السبعينيّات، لكنّه كان الوحيد، الذي أخلص لهذا الفنّ؛ انشغل به وأشغل الآخرين، حمله على أعصابه، وطاف على متنه إلى مختلف المراكز الثقافيّة، والمواقع التي تقام فيها الملتقيات والنشاطات في المحافظة، والمحافظات الأخرى.
وجاءت شهادة الشاعر محمود حبيب لتلقي الضوء على شخصية المرحوم وجوانب من الدعابة والمرح والسخرية التي اتسمت بها، وذكر حبيب بعض الحوادث والمواقف النادرة التي جمعتهُ بالقاص (أنيس) وكان بعضها مؤلماً وبعضها مُبهجاً.
وفي كلمة لابنة القاص المكرم ميادة إبراهيم شكرت رعاية المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب لهذه الفعالية واللفتة الجميلة ممثلاً بالدكتور محمد الحوراني رئيس المكتب التنفيذي، ووجَّهت الامتنان العميق لفرع طرطوس لاتحاد الكتاب على تنظيم هذا المهرجان والاهتمام بالدعوة إلى حضوره، وتحفيز الأدباء والنقاد على المشاركة فيه.
بدوره تحدث يونس إبراهيم شقيق الأديب الراحل عن الأثر الطيب الذي تركهُ الأديب (أنيس إبراهيم) عليه وعلى إخوته جميعاً؛ إذ ساهمَ في تعليمهم وصقل شخصياتهم بحب الأدب والفكر والمعرفة رغم الفقر وقلة الإمكانات.
وكان خصِّص اليوم الثاني من المهرجان لتقديم مشاركات قصصية ساهمَ فيها الأدباء: علي ديبة، بسام حمودة، نهلة البدوي، بلسم محمد، حيث تميزت قصصهم بالنضج الفني وبعمق الأفكار المطروحة في قوالب قصصية متماسكة، تنحو منحى الحداثة واحترام المتلقّي، حيث تابعَ الحضور باهتمام قصصهم وتألُّقهم كلٌّ على طريقته الخاصة، وأضاءَ الأديب الناقد علم عبد اللطيف على القصص المقروءة برؤيته الخاصة، التي شملت الجوانب الجمالية كما الموضوعات، فمنها ما كان ساخراً ومنها ما كان ناقداً ومحللاً للشخصيات وللأحداث، ورأى أنها نصوص جيدة جداً وموفَّقة.
وفي اليوم الثالث من المهرجان شارك كل من الأدباء: حسن الناصر، إبراهيم الخولي، صفا حسين، بتقديم ثلاثة نماذج قصصية مختلفة ومتميزة، برزَ فيها كما اليوم السابق التمكُّن من الكتابة والاستحواذ على اهتمام المتلقي بطرح قضايا حساسة وشاغلة وبأساليب قصصية متنوعة ومتباينة، وقد قدَّم الأديب الدكتور محمد حاج صالح رأيهُ النقدي بالقصص مشيراً إلى إعجابهِ بها، وبوعي أصحابها لمعنى ولمضمون القصة القصيرة الحقَّة، وهي نماذج تستحق دراسات أعمق، وختمَ هذا اليوم بشهادة للأديب القاص مفيد أحمد كانت مؤثِّرة للغاية بحكم معرفته عن كثب لشخصية الأديب المكرَّم أنيس إبراهيم، واشتملت على شقَّين: شق شخصي. تناولَ فيه حياة الأديب الراحل التي لم تكن سهلة أبداً، وصراعه مع الفقر ومع الحرف، وشق أدبي بيّن فيه أن القاص أنيس إبراهيم نجح في تحقيق معادلة منبرية القصة وهذا إبداع يقوم على حيوية الإلقاء وشحن الملفوظ بمجريات الحدث وتلوينه وفق ذلك، إضافة إلى توظيف ملامح الوجه ولغة الجسد.
واختتم مهرجان القصة القصيرة فعالياته بمشاركة قصصية للأديبة (نهلة يونس) التي امتازت بأسلوبها اللغوي الراقي والرفيع، وبنضج النص القصصي الذي قدَّمته أسلوباً وموضوعاً، كما ساهمت الروائية والقاصة فائزة داؤد بتقديم شهادة أدبية في أدب القاص الراحل (أنيس إبراهيم) وحيَّتهُ على طريقتها الخاصة في قراءتها لمجموعته القصصية (الجمار)، وفي وقوفها على مفاصل الإدهاش والإمتاع والتميز الفني الذي اتسَّم به أدب (أنيس إبراهيم) بشكل عام، وشخصيته كإنسان فاعل ومُنجز في الوسط الذي يحيا فيه.
واخُتتم اليوم الرابع بشهادة قيِّمة ومهمة جداً قدَّمها القاص عبد الحميد يونس بالأديب الراحل (أنيس إبراهيم) وهي ما اعتُبرت شهادة أقرب الأصدقاء، وأشادَ الناقد يونس بأدب الراحل الفذ والعريق، وبمكانتهِ القصصية بين أبناءِ جيله، وكيف شقَّ طريقه وسط ظروف صعبة في السبعينيات، وكيف ألَّفَ مع ستة من أصدقائه منتدى أدبياً في منزله وفي منازلهم، وكوَّن معهم مكتبة خاصة من التبرعات ومن شراء ما تيسَّر من الكتب، وبيّن دورهُ الرائد في تكريس القصة القصيرة كفن وإشهارها والترويج لها بين أبناء الجيل الجميل، كما أشار يونس إلى الظروف المعيشية القاهرة التي لم تُعق الأديب (إبراهيم) أبداً عن ممارسة حلمه الأدبي وكتابة القصص الهادفة والمتميزة، مُظهراً جوانب خفيَّة من شخصية الراحل لم يطَّلع عليها حتى المقربون.
يشار إلى أن القاص الراحل أنيس إبراهيم من مواليد 1947 خريج كلية الآداب قسم اللغة العربية بدأ مع القصة أواخر سبعينيات القرن الماضي عندما شارك في عام 1976 بمسابقة أعلنت عنها جريدة “تشرين” من خلال قصة بعنوان “زمن الحرب” لينال المرتبة الأولى فيها، وكانت تلك الجائزة المحفز له للاستمرار في الكتابة، ولينجز بعدها أربع مجموعاتٍ قصصية للكبار هي «التفاحة، أرض الديس، الجمار، ولعبة لغة، ومجموعتين للأطفال هي “النورس، والغول” ومسرحية بعنوان “العصفور”، رحل عن دنيانا في عام 2018 عن عمر ناهز 71 عاماً.