سعد الله ونّوس
«إن التخلّي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحودٌ وخيانة لا تحتملها روحي.. إني مصرٌّ على الكتابة للمسرح لأني أريدُ أن أدافعَ عنه، كي يستمرَ هذا الفن الضروري حياً.. إن المسرح في الواقع، هو أكثر من فن، إنه ظاهرةٌ حضارية مُركبة، سيزدادُ العالم وحشةً وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها..».
ربما نعرفُ سرَّ هذا القول للراحل سعد الله ونوس الذي عبرت ذكرى وفاته منذ أيام ، من خلال نتاجه الثّر للمسرح، وكأنه قدمَ إلى هذه الدنيا لأجل عيون أبي الفنون، وليس لأي أمرٍ آخر، وذلك لغاية ألا يزداد هذا العالم وحشةً وقبحاً وفقراً.
سعد الله ونوس الذي كرّس كلّ نتاجه الإبداعي للمسرح: كتابة نصوص، ونقد، وإقامة المهرجانات المسرحية، وغير ذلك.. لأنه كان يرى في المسرح أكثر من فنّ – كما كان يُردد دائماً-، ومن هنا، فمهما بدا الحصار شديداً، والواقع مُحبطاً، فقد كان متيقناً من أنّ تضافر الإرادات الطيبة على مستوى العالم سيحمي الثقافة، ويعيد للمسرح ألقه ومكانته.
وحكاية سعد الله ونوس (1941-1997) مع المسرح رصدها عشرات الكتّاب والنقاد كظاهرة فنية من النوع النادر والمُختلف، فهذا الناقد المسرحي جوان جان، يُتابعه من بلدته «حصين البحر» في طرطوس وشغفه بقراءة الروايات التي كان سوقها رائجاً خلال خمسينيات القرن الماضي، ثم دراسته للصحافة في القاهرة بعد ذلك، أي لم تكن بداية سعد الله لها علاقة بالمسرح، غير أنه كرّس كلَّ ما تقدّم لخدمة الثقافة المسرحية، وأول نشاط ثقافي لسعد الله كان عمله رئيساً لتحرير مجلة الأطفال «أسامة» مدة قاربت الست سنوات، وكان قبلها قد عمل في القسم الثقافي لصحيفة البعث، وعمل محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي السفير اللبنانية والثورة السورية، كما عمل مديراً للهيئة العامة للمسرح والموسيقا، وفي أواخر الستينيات، سافر إلى باريس ليدرس فن المسرح، وأول احتكاك له بالمسرح سنة 1964م عندما أشرف على إصدار عدد خاص عن المسرح في مجلة «المعرفة» السورية.. وبعد ذلك ليقدم ما يُقارب من ستة عشر نصاً مسرحياً كتب نصفها خلال مرضه إبان عقد التسعينيات، وكأنه كان في سباقٍ مع الأيام، لعلّه يقول في ذلك الحيز الضيّق من الزمان أكثر ما يُمكن بما يفيد المسرح.
وهكذا منح لهذه الدنيا ومَنْ عليها: «الفيل يا ملك الزمان، الملك هو الملك، رحلة حنظلة، الاغتصاب، منمنمات تاريخية، طقوس الإشارات والتحوّلات، أحلام شقيّة، يوم من زماننا، ملحمة السراب، حفلة سمر من أجل 5 حزيران، مغامرة رأس المملوك جابر، وغيرها.. نصوص شغلت، وستشغل خشبات مسرحية كثيرة في مشرق هذا العالم ومغربه.
هامش:
……..
قبل أن يصيرَ
لها آذان كانت متكأً؛
فمن علّم الجدران
فنَّ الوشاية؟!