بين التشفّي و استحالة الاستمرار.. تزايد حالات الطلاق ظاهرة لافتة.. وحرمان الأم من رؤية أطفالها «فوق الموتة عصّة»
تشرين- دينا عبد:
تندرج قضية حرمان الأم من رؤية أطفالها في حال وقع الانفصال بينها وبين الأب ضمن مفهوم العنف الذي يتسبب بتحطيمها نفسياً ومعنوياً، حيث تؤدي إلى جملة آثار سلبية يتحدث عنها د. حسام الشحاذة الباحث في القضايا الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي يرى أن حرمان الأم من رؤية أطفالها بعد الانفصال يؤثر في صحتها النفسية، لكن رغم أهمية هذا الموضوع إلّا أنه لم يحظَ بالدراسة والتحليل في المجتمعات النامية، فهو أكثر ترسخاً فيها بسبب عوامل الجهل والأمية والرواسب الثقافية والاجتماعية البالية.
ويتابع د. الشحاذة: إنّ المجتمعات النامية تعاني من ظاهرة تعنيف المرأة بمختلف أشكالها وما يترتب عليها من آثار سلبية على المجتمع وعلى أفراده من أذى نفسي وجسدي، والعنف الموجه ضد المرأة قد يكون في مستوى بسيط فيكون مخالفة، وقد يصل إلى مستوى الجنوح (الجنحة)، أو قد يكون أكثر خطورة فيصل إلى مستوى الجريمة كالتهديد بالقتل أو القتل فعلاً أو الاغتصاب؛ فيتحول إلى جناية موصوفة.
ويعزو د. الشحاذة انتشار العنف ضد المرأة في البلدان النامية إلى الفهم الخاطئ للرادع الأخلاقي والقانوني لمنع اللجوء إلى تعنيف المرأة، فمن خلال تفحص رؤية الإسلام للعقاب والضرب، لوحظ أن الإسلام يرجح مفهوم العقاب على مفهوم العنف، ويعطي لهما مفهومين منفصلين ومختلفين، فقد وضع الإسلام إستراتيجية للعلاقة بين الرجل والمرأة، إذ تتدرج هذه الإستراتيجية من الوعظ إلى الزجر، وأخيراً إلى العقاب الجسدي غير المُبرح، فلا يجوز للرجل أن يلجأ إلى الأشد إذا كان الأخف ينفع.
باحث في القضايا الاجتماعية: وجه من أوجه العنف الموجّهة لها
فالعنف النفسي والإهمال اللذان يقوم بهما الشخص تجاه المرأة من خلال القيام بعمل ما أو الامتناع عنه، يقصد بهما إلحاق الضرر النفسي بها، ما يؤثر في وظائفها السلوكية، والوجدانية، والذهنية، والجسدية، ومن أهم مظاهر هذا النوع من العنف حرمان المرأة من أي سلوك إيجابي أو منعها من التعليم أو العمل، أو تعنيفها نفسياً بأن يُطلب منها الجلوس بجانب سلة المهملات، أو رفض الاعتراف بقيمتها كأنثى في مجتمع الذكور.
وفي رده على سؤال آخر حول الأسباب التي تقف حول ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة بين د. الشحاذة أنه تتعدد العوامل والمسببات التي تساهم في رفع درجة العنف الموجه ضد المرأة، وتتداخل تلك العوامل والمسببات وتتباين في درجة تأثيرها على السلوك العنيف الصادر عن أحد أطراف الأسرة (أب، أخ، عم، زوج الأم..)، وبالمجمل يمكن حصر تلك العوامل والمسببات ضمن عدة محاور رئيسة وهي:
الأمية والإرث الثقافي السلبي الموروث: فقد لوحظ في معظم المجتمعات النامية وجود ترسبات ثقافية لتنميط سلوك العنف الموجه ضد المرأة وتبريره، بل قد تكون لتلك المجتمعات اتجاهات إيجابية نحو تعنيف المرأة وتشجع على ممارسته.
دراسة واقعية
في دراسة أجريت عام (2016) على مستوى كلية التربية بجامعة دمشق، تبين فيها أن (82%) من الأسر التي يكون فيها الأب والأم من فئة الأميين، كان لديها استعداد نفسي وانفعالي للموافقة على تعنيف المرأة، وتسربها من المدرسة، ودفعها إلى الزواج في سن مبكرة.
– الاتجاهات الوالدية السلبية والخاطئة في تربية الأنثى كالحرمان العاطفي أو الإهمال، أو التسلط والقسوة، أو الدلال الزائد للذكور، والتفرقة بين الذكور والإناث، وتفضيل الولد الكبير على بقية أفراد الأسرة ولاسيما الإناث منهن.
-الوضع الاقتصادي المتدني وزيادة عدد أفراد الأسرة والسكن العشوائي، وهي عوامل تزيد من احتمال تعرض الإناث للعنف، بحيث إنّ الدخل لا يكفي لتلبية الحاجات الرئيسة، الأمر الذي يسبب مشكلاتٍ مستمرة، وبالتالي توليد مواقف العنف ضد المرأة ومنها حرمانها من رؤية أطفالها.
– فشل المجتمع في وضع ضوابط قانونية وقيود محكمة بين أعضائه للكف عن ممارسة سلوك العنف ضد المرأة.
-التعلم الاجتماعي: بالملاحظة والتقليد، فالعنف سلوك يمكن تعلمه كما يتم تعلم أي سلوك آخر، من خلال القدوة والتعزيز والنمذجة، بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، وهذا ما أثبتته نظريات التعلم الاجتماعي، ونظريات التحليل النفسي.
– ارتفاع معدلات الطلاق: إذ تعاني الكثير من مجتمعات الدول النامية من ارتفاع ظاهرة الطلاق، ما يُرتب على هذه الظاهرة عدة آثار سلبية على المجتمع وعلى أفراد الأسرة ولاسيما على الأبناء، حيث يتسبب الطلاق بالعديد من المشكلات النفسية والانفعالية وتراجع التحصيل الدراسي وسوء الحالة الصحية لهؤلاء الأبناء ولاسيما إذا كانوا في مرحلة الطفولة أو المراهقة، وقد يقود التفكك الأسري الأبناء إلى الوقوع في براثن الجريمة والمخدرات بسبب رفاق السوء وغياب الرقابة الأسرية.
وفي رده على سؤال آخر حول تأثير العنف في شخصية المرأة من النواحي (النفسية، الانفعالية، الاجتماعية، التربوية) أجاب د. الشحاذة: عند بحث تأثير العنف في المرأة لا يكفي الوقوف عند حدود تعريف الظاهرة أو بعض مظاهرها، بل لابدّ من بيان أثرها على مختلف جوانب الشخصية، فقد أشارت عدة دراسات حديثة إلى أن المرأة المعنفة – في مرحلة الطفولة والطفولة المبكرة – قد تعاني من اضطرابات في النطق أو اللغة، وإذا استمرت حالات التعنيف الجسدي والانفعالي والعاطفي فقد تؤثر في الثقة بالنفس وتقدير الذات، والنواحي المعرفية للتعلم، والقدرات العقلية في مراحل النمو اللاحقة وتعطيل الوظائف الحيوية للدماغ، إذ يحتل مفهوم الأمن النفسي أهمية لدى اختصاصيي الإرشاد الأسري، لأهمية دوره بتكوين شخصية المرأة والصحة النفسية لأطفالها مستقبلاً، فالمرأة غير المستقرة نفسياً لن تستطيع تربية جيل يتمتع بدرجة مقبولة من الصحة النفسية والتكيف الانفعالي والاجتماعي، وتنشئة جيل رُبي على مشاعر الخوف والقلق والكراهية والميول المضادة للمجتمع والشعور بالذنب، إذ يعتمد النمو السليم لمرحلة الطفولة على الدور الذي يلعبه الوالدان، فتعنيف المرأة أمام أطفالها يسهم بشكل مباشر في عرقلة تشكيل مفهوم الأمن النفسي لدى الأبناء على نحو سليم وصحي ومستقبلاً.
اختصاصية الصحة النفسية: إعادة النظر في قانون الأحوال الشخصية
وفي رده على سؤال عن أهم أشكال العنف الأسري الموجه ضد المرأة المطلّقة هو حرمانها من أطفالها، حيث بين د. الشحاذة أن هذا الشكل من العنف يندرج ضمن تصنيف النوع الرابع من العنف وهو (العنف النفسي والإهمال)، والذي يتضمن حرمان المرأة من رؤية أطفالها واحتضانهم عاطفياً وجسدياً، ومنعها من مشاركة الأب في تربية الأطفال، وذلك لأسباب عديدة، قد تكون خلافات أسرية عابرة، وهذا يؤثر سلباً في كل من الأم المعنفة من جهة والأطفال من جهةٍ أخرى، إذ يؤدي ذلك إلى تعميق الأذى النفسي لدى الأم وتشتت مشاعرها، وتضييق سبل العيش الهني عليها بسبب رغبة الزوج (الطليق) بممارسة أبشع أنواع التضييق النفسي والانفعالي عليها، كما أنه يلعب دوراً سلبياً في تنشئة الأطفال بطريقة تغيب فيها الأم بكل معانيها النفسية والجسدية عن مرحلة مهمة في تشكيل الشخصية لدى الطفل أو المراهق، فيقود ذلك إلى تكوين شخصية مهزوزة لدى الطفل، وتعطل حياته الدراسية أحياناً، وتنقاد شخصيته نحو الجنوح أو الإجرام، وتعاطي المخدرات، فالتربية الصالحة للأبناء تتطلب وجود كل من الأب والأم في بناء شخصية الابن.
بدورها اختصاصية الصحة النفسية د. غنى نجاتي بيّنت أن من حق كل طفل أن يعيش مع أمه بغضّ النظر عن كل الخلافات التي تنشأ بينها وبين والد الطفل أو أهل زوجها أو أهلها لأن قمة اللاإنسانية أن يحرم الطفل من هذا الحق النفسي الذي سيكون معياراً لأن يصبح إنساناً طبيعياً له شخصية سويّة، وكل طفل أو طفلة لا تشبع له أمه هذه الحاجات النفسيه الأولية، التي هي أبسط حقوقه التي يمكن أن يحصل عليها، سيكبر وتبرز لديه عقدة نقص معينة وسيصبح شخصاً لديه استعداد لأن تصيبه أمراض نفسية أو نوبات غضب أو قلق واكتئاب وسوء تكيف حتى إن هناك أطفالاً يعيشون حياة بلا أهداف وبلا معنى ومن دون الاهتمام بالتحصيل العلمي.
وبيّنت اختصاصية الصحة النفسية أنه عندما يحصل الانفصال وهو أمر طبيعي يحصل في أي أسرة يجب أن تكون مدروسة لمصلحة الأطفال؛ ومن مصلحة الطفل نفسياً وعضوياً واجتماعياً وثقافياً أن يبقى مع والدته لأنها ليست حاضناً نفسياً له فقط وإنما هي حاضن بيولوجي وثقافي واجتماعي له لأن الطفل عندما يكون لديه إحساس بالحصانة النفسية مع والدته أيضاً سترفع من مناعته العضوية.
ومن الضروري أن يشعر كل طفل بعدم فقدان الأم؛ فمن الشائع أنه بعد الانفصال يقوم الأب بتهديد الأم وحرمانها من رؤية أولادها وهذا أمر خاطىء ويعد عنفاً وله تأثير في النمو النفسي والعضوي والمعرفي للطفل؛ فعندما يشعر بالأمان النفسي تقوى لديه المناعة النفسية التي تعطيه الصلابة والقدرة على تحمل التوتر وتنمّي لديه المهارة في حلّ المشكلات، وكذلك تقوي لديه المناعة العضوية؛ فهناك أطفال يصابون بأمراض عضوية تحدث معهم تزامناً مع حالة التفكك الأسري كحالة كره المدرسة وانخفاض الدافعية للتعليم والقدرة على التركيز فتحدث لديه عزلة اجتماعية وأمراض جلدية كالحساسية والأكزيما؛ هذه الأسباب كلها تصيب الطفل بسبب التغير في النسق الأسري الذي كان يعيش فيه وفجأة طرأ هذا التغير بسبب حدوث الانفصال.
فقرار انفصال الأب والأم يجب ألّا يبنى على أنانية وأن الأطفال ليسوا ساحة حرب أو مساحة لأخذ التارات، ويفضل أن يتم تعديل قانون الأحوال الشخصية لأنها مؤذية نفسياً وضارة اجتماعياً وتسبب أمراضاً اجتماعية بشكل كبير، فمن أبسط الحقوق أن يحس الطفل بالأمان النفسي والأسري، فلا أحد يمكن أن يحل مكان الأم البيولوجية لأنها ممكن أن تكون أماً وأباً وأختاً وصديقة ومتعددة الأدوار لذلك يجب أن تبقى الحضانة للأم دائماً.