في يومه العالمي الشعر العربي يرقص في مداراته السورية الأجمل

راوية زاهر:

يصادف اليوم ٢١ آذار  اليوم العالمي للشعر، وفي رحاب شعراء سورية الذين تركوا بصمة يدور جميع شعراء سورية وإن لم يكن العالم شعر العربي بكامله في بحر إبداعاتها بشكلٍ أو بآخر.. بمعنى قلما “نجت” تجربة شعرية دون أن تتأثر بنفحة ماغوطية، أو رومانسية قبانية، أو بفكرة أدنوسية..
وها هو الشعر،  يستوقفنا في يومه هذا الذي تنتشر فيه أعياد الربيع، وميلاد سيدة الخصب والجمال وعشتار  الفصول، (عيد الأم).. وفي هذه المناسبة سنحلّق معاً في فضاءات الشعر الحديث عند أسياد الكلمة وعرابيها، محطمي جبروت التقييد، ومفلسفي الشعر، وعرّابي الطفولة والعروبة..
وبداية سنتوقف عند الشاعر الدمشقي الطافح عشقاً لبيئته، الخارج منها على صهوة  المعاني وشاعرية اللغة، إذ جعل من الشعر أيقونةً يستجمعُ فيها عطر الياسمين ورائحة صابون الغار في حمامات البيئة الدمشقية.. بدأ مشواره الشعري مع ديوان (قالت لي السمراء)، تعبيراً جريئاً عما كان يعانيه جيل الحرب العالمية الثانية من ضياعٍ، وقلق، وكبتٍ عاطفي، وقد تعرّض لمقاومة عنيفة من قبل المتزمتين، واعتبر خروجاً عن خط المدرسة التقليدية للشعر العربي شكلاً ومضموناً.
استمر نزار قباني المتمرد في ثورته، فحطّم  أصنام البلاغة، واخترق جدار الأخلاقيات عبر رومانسياته التي فاضت على كلّ إناء، وعمل كما يقول على تحرير الإنسان العربي وعواطفه من القهر، والإرهاب، والازدواجية، وراح يطرح مشاكلَ جيله على الورق من غير تكلفٍ، ولا زيف، كان لنزار قباني لغته الخاصة مذ بدأ الكتابة، فأخرج المفردة من عتمة القواميس، وجعلها كما يقول: “عصفوراً يحطّ على نوافذ الناس، كل الناس”، وأزال الرّعب القائم بين اللغة الفصحى، واللغة المعاشة، وحوّل الشعرَ إلى خبزٍ يومي، وقماشٍ شعبي يلبسه الجميع، وألبسه بعد النكسة ثوب الغضب، وقد قال عنه أنسي الحاج :”نزار قباني الراسم فم الحب وطناً، المخترع قاموس غزل على قياس الكرامة عوض الذل، والفرح عوض النّواح، والتّحدي عوض الاستسلام والإنسان العربي الجديد بعد عصر التكايا والحريم والسبايا والعبيد..”
ويبقى نزار هو الشاعر الذي أنزل اللغة الجزلى من عليائها لتستمتع بها ربة البيت، وترسمه الصبايا شالاً ورديّاً وحكايا عشق وغرام.. وهذا ما قاله نزار قباني ذات أغنية، وأطربنا بكلماته عشرات المغنين والمطربين..
من علمني كيف أحب امرأة حتى الهذيان
من علمني كيفَ بوسع
امرأة – دون سواها –
أن تتحرك مثلَ السمك الأحمر داخلَ شرياني
من علمني كيف بوسع
امرأة – دون سواها –
أن تخترع الشعرَ
وترسمَ شكلَ الأزمان ِ..
من علمني كيف تصير
امرأةٌ – دون سواها –
أقوى نوع من أنواع الإدمان..
وأما عن الفتى الغاضب الحزين محمد الماغوط، والذي نسيَ على الأرصفة مهنة الفرح، وبقي مشاكسٌاً حتى في ضوء القمر، طيّبٌ، نزقٌ، دخل فناء الشعر واللغة والحياة مثل عاصفة تقتحم “غرفة بملايين الجدران”، وأخذ في تكسير الأواني وبعثرة اللغة، وتمزيق الثياب، وركل الأثاث، وإلقاء كلّ شيءٍ خارجاً، هازاً قبضته في الهواء كقديس يائس من السماء والأرض، يبكي ويضحك ويشتم ويهدد ويتوّعد..
فالماغوط مثل طفل يلهو، يبعثر الكلمات والثياب الرسمية، والابتسامات الصفراء، والحروف المنافقة، فكان طفل الحكاية الذي رأى عريّ الملك، بينما الرعية الرضية تعجب بالثياب الملكية البراقة.. وقد اشتغل الماغوط على الانزياح اللغوي، فجعل اللغة منتهكة الأوزان ممزقة، وأرسل من خلال هذه الحرائق للكلمات والمخيلة والمجازات والصور المبعثرة الغاضبة اللاهية والمشاكسة طائرَ الشعر الملتهب النابت من رماد الفوضى، ومن هنا ولدت قصيدة النثر.
إني شجرة فرح
وإذا بخريف صاعقٍ
يضربني حتى الجذور.
وقال أيضاً:
إن شعوباً جريحة
برمتها يُساوَمُ عليها
أمام قدحي خمر.
وأمام لغة ركعت لرجل من العامة كالماغوط ورجل غير لغوي كنزار قباني.. نتوقف أمام لغة الفلسفة وفلسفة اللغة عند مفكرٍ سوري وشاعر اتكأ على فكره الوقاد، وفلسفته في رسم الصور الشعرية في كامل لياقتها الفكرية والجمالية، فأدونيس ليس من الشعراء الذي اكتفوا بكتابة الشعر فقط، بل اشتغلوا عليه نظرياً، وهذا يؤكد امتلاكه لتصوره الخاص وفكرة النقدي.. وتجربته هي مشروع شعري ونظري وبحثي، وليست مجرد كتابة تصدر عن حساسية شعرية، بل مستمدة من المعرفة الفكرية، وقد قال :
ياشمعة المستقبل البصيرة
مالي أخافُ الطرق القصيرة .
ولا يمكننا المرور على عالمنا الشعري دون الوقوف على شاعر الطفولة سليمان العيسى الذي غزل في حبهم أجمل الأغنيات، فغنى معهم للأم والأب والنجار والراعي. وهو من قال : “إني لا أكتب للصغار لأسلّيهم، إني أنقل إليهم تجربتي القومية والفنية، وأنقل إليهم همومي وأحلامي، وعندما يكبرون سيعرفون أنني لم أخدعهم” .. فغنّى للأوطان والعروبة، وغنى لأهله ولبلاده.. فكان بشعره سنديانة عتيقة تحرس تخوم قريته البعيدة..
هذا هو الشعر السوري، وهؤلاء هم الأربعة الذين عزفوا على أوتاره، تاركين خلفهم جيشاً من الشعراء يدلون بدلوهم ويغرفون من عمق تجاربهم  الخالدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار