يا للوحشةِ في آذار !
حنان علي
تجوال في الأسواق بلا جدوى، أيّ هدية تليق، بأي لون ألفها، أي عبارات أرفقها؟! لعلني أضم النرجس الذي تحب؟!..
لكن مع الشتاء أفل زهرها، والازدحام المعهود تلاشى بدوره.. أين الأبناء يحضرون للعيد، أين البنات يبتعن الهدايا؟!.. أيّ صمت، أي شوارع خاوية، أي بوابة موصدة!؟! يا للعتبة، منبري اليتيم.. قلبي المطوق بالأغنيات، المُفرغ من الكلمات.. كيفَ لا يقتلني شوقي أمام مقبضِ الباب الموصد، بابٌ يشي بك خلفه آفلا تفتحين؟!
وجنتي المسيها أمي، دعيني أتأكد أنكِ هنا.. يخبرونني أن الأيام غيبتكِ!.. كيف تفعلين وأنتِ جذع الصنوبر، الأرض الصلبة، النبع العتيق.. لم تكبري، سريرك من كبُر متدثراً بالملاءات، قبل أن يغلف الجوري الدروب العابرة ناسجاً المواعيد، قبل أن تعلقي صوتك، تكحلين غيمات المكان.. للغرفة اليوم جدران أكثر، نسيتِ أن ترفعي عنها الصور المعلّقة!! لا تستحضرك أي صورة هنا، هل تفعل عادةً الأوراق؟!
البيتُ هادئ حد السأم، غريب عليّ.. لمَ تغيّرين عاداتك أميّ؟ ألا زلتِ تعتقدين أن الزحمة تعنيني، الطاولات المبعثرة.. ضجيج صديقاتك، جدالكن ضحكاتكن، نفحات سجائرهن؟! تعالي نفرش على البلاطات الباردة أحاديثنا المؤجلة، نغني، يرتفع صوت اللحن يختم فم الغياب.. لن أعبأ إن أشعلتِ الشمعة الأخيرة قبل المساء، صوتكِ يضيء المكان وينير وحشتي.
بخطواتٍ اعتادها الدرج، كنتِ تقطفين الياسمين بيد تُرسي الوجود ترفع الهامات تخلق الأجنحة تقولين : “هاتِ يدكِ لنسامر شرفةً لا تبتلع زوارها، دعينا نراقص النجوم وفي أول الدرب العائد إلينا ، نزرع هذه الضحكة ! ” وبطقوسٍ من بخورٍ وشموعٍ في محراب البيت القديم تبتسمين بكامل بهائك، بذاكرةٍ لا تحملُ ضباب قدِّها، لا تشكل رمادها !.
ها هي المواعيد المخذولة هنا بغرفتكِ، بين أشيائك الغالية، بالأمل كنتِ تزرعين البسمات بالعبارات المطمئنات: “حارات القادمِ آمنة .. آمنة” . كيف عرفتِ وكل رجاء يخبو وكل سماء تعلو .. الحروفُ مازالت مبعثرةً تلوذ بأحلامنا المستحيلة، أما أجنحتنا المصابةُ بالنضوج فلا تجيدُ التحليق بعيداً عن الجرفِ المنحدر، إلينا حيث ننتظرنا هناك !
أخبري آذار أن يكفّ افتراسه للقلب يا أمي ! فليمسح عن ملامحه ترنيمات الحزن، فإن عجز فليغب يوماً زمناً، دهراً ! حرري آلامنا مكتومة الأنفاس، لعلّ ضجيج الشوق يكلّ عن تمزيق أفئدتنا كما كل مرة .